المنبرالحر

الشهيدُ المولَعُ بالقراءة / ئاشتي

أكثر الانطباعات رسوخا عن بعض الأشخاص هي تلك التي تتكون من اللقاء الأول، فكيف اذا صارت تلك الصفة التي تولدت من ذلك اللقاء ملازمة له ؟ لهذا فأن أغلب الرفاق الذين استقبلهم الشهيد ابراهيم شمسه(أبو يوسف) عند الخيمة الأولى في معسكر الناعمة في لبنان لأول مرة، ارتسمت في ذاكرتهم صورته وهو يحمل بندقيته على الكتف الأيمن وفي يده اليسرى كتاب وضع سبابته بين أوراقه لكي لا يفقد رقم الصفحة التي وصل إليها، وهكذا استمرت أيامه يشكل فيها الكتاب جزءا أساسيا من منظره الخارجي.
وصل إلى كلي كوماته في منتصف عام 1980، وقد جلب معه مجموعة من الكتب، ورغم أن القراءة كانت تقتصر أحيانا على أوقات النهار لشحة النفط الضروري للفانوس، كان الشهيد (أبو يوسف) يبحث عن كل ما يمكن قراءته. فهو أبن النجف وقد أنهى دراسته في كلية الآداب جامعة بغداد، لهذا كانت أغلب قراءاته أدبية، وأكاد أجزم أنه قرأ لأغلب الروائيين العالميين وخاصة الأدباء الروس.
كان يتذكر الجميلات في كلية الآداب، ويعشق أحداهن من جانب واحد، يتحدث عنها بشغف في لحظات الوجد الروحي، يحفظ الكثير من الشعر، لغته اليومية خليط بين العامية والفصحى، ليس في قاموس لغته مفردات الإساءة، يبتسم ويضحك من القلب لأبسط حدث يبعث على الضحك، صادق مع رفاقه لهذا يحبهم جميعا، وهل للشيوعي أن يكره رفاقه؟؟ يطرح رأيه بكل عفوية في أعقد المسائل ولكنه يطرحه على شكل استفسار رغم معرفته بحيثيات الموضوع لأنه يحب التعلم دائما.
تم نقله إلى قاطع أربيل في عام1981 ، وهناك عمل في سرية راوندوز، وفي بداية عام 1982 التحق بالأنصار الرفيق سلمان شمسه (أبو مكسيم) بعد ان انهى دراسة الدكتوراه في الاتحاد السوفياتي، كان الفرح يشع من وجه الشهيد ابو يوسف وهو يعانق أخاه أبو مكسيم، لهذا عملا في سرية راوندوز معا، حين وصل اليهم مبلغ جيد من أهلهم في النجف وزعوه على رفاق سريتهم، في بداية عام 1983 كان هناك قرار بذهاب الرفيق ابو يوسف لغرض الدراسة، لهذا ذهب مع رفاق آخرين إلى بشتاشان وكانت حينها مقرا لقيادة الحزب والحركة الأنصارية، وفي المذبحة المعروفة أوائل أيار 1983هناك، استشهد الرفيق ابو يوسف، وكان ذلك في الأول من أيار.
مفارقة: عرف أهلهم في النجف باستشهاد أبي يوسف فأرسلوا رسالة إلى أبي مكسيم يطمئنونه على صحة ابي يوسف، وبالمقابل بعث اليهم أبو مكسيم رسالة يطمئنهم فيها على صحة ابي يوسف وسلامته.