المنبرالحر

اغتيال ناهض حتّر إرهاب مزدوج.. / جاسم المطير

أنا اكتب إذاً انا اعمل ..
هذا هو التزام المغامرة النبيلة في حياة الكاتب الصحفي الأردني الحر ناهض حتّر.
اغتيل وسط الشارع امام بناية محكمة محروسة بعمان.
محاولة همجية في الغلو الديني الجامح لإغراق مناضل بالعدم.
القاتل السفاك بنظر جميع الادباء والصحفيين والمثقفين الاردنيين ، حتى بنظر المسلمين المؤمنين، العقلاء البسطاء، مجرم متعطش للدماء و مجرد من أي معنى من معاني الله وفحواه.
لم تتول حماية حياته الدولة الاردنية كمواطن اردني سبق توقيفه من قبل الشرطة الاردنية ، لمدة ثلاثة اسابيع قبل اطلاق سراحه بكفالة، ملتزما بالحضور امام القضاء يوم 24 ايلول 2016 لمتابعة محاكمته . كان يعلم أنه سيلقى مصيره منذ عام 1977 و1979 و1996 حين كان يُعتقل بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي الاردني .
استمرت حياته بالتهديد والقلق من دون ان يؤثر على قضيته الإنسانية ،قضية الحرية، ومن دون ان يرتبط ذلك بمرتجيات مصيره ،حتى بعد ان صار مستقلا حين اختار بوعي تقدمي ان لا يُحجم، أبداً، عن المواقف التقدمية.
غدا نجماً من نجوم الكتابة الصحفية التقدمية – الديمقراطية الشجاعة ، مدافعاً عن الحق والعدالة، مواصلاً النضال في سبيل قضية شعبه والكادحين منه بصفة خاصة. اعتصم بهذه القضية بإرادة عصماء نالها من التربية الشيوعية في حب الناس والشعوب والأوطان، رافضاً استبداد المستبدين الاسلاميين من المتوحشين الدواعش ومن جميع اصناف أخرى ينصبون انفسهم وكلاء الله على الارض لفرض قيم القسر والعنف والاذلال .
لم يكن نشاطه الواقعي مقبولاً من بعض المتطرفين المختفين وراء الايمان المنحرف والمزيف ولا من بعض المسئولين داخل اجهزة الدولة ذاتها.
لعلّه غلو رئيس الوزراء الاردني كان الارهاب الاول لإيقاف قلم ناهض حتّر حين اصدر أمراً الى وزير الداخلية بتوقيف احد مواطني بلده اسمه ناهض حتر وراء القضبان بذريعة تجاوزه على السماويات في زمانٍ تتفكك فيه وشائج روحانيات السماوات والارض على وفق الكثير من افعال المنظمات الارهابية الاسلامية الهمجية ، المحبة لسفك دماء الابرياء المسالمين من المسلمين وجميع الاديان والناس المحبين للعيش بسلام.
ارهاب الدولة هو البادئ بنطاق الطول والعرض والعمق بعملية الاعتقال والحبس والمحاكمة ، هو الذي انتج اغتيال ناهض حتّر برصاص غادر اعمى، ليس متحررا من جذور معتمة غير قادرة على رؤية جماعية السماوات والارضين رؤية انسانية حقيقية ، لذلك لا يمكن أن يُنزّه (ارهاب الدولة) من هذه العملية ،ذات القرار المجرد من العقل والقانون والعدل.
اصدار أمر الاعتقال بحق الكاتب الصحفي ناهض حتّر كان ارهاباً..
تشويه واقعة نشر الكاريكاتير كان ارهاباً..
حبسه لمدة ثلاثة اسابيع كان ارهاباً..
اتهامه خلال التحقيق القضائي بالتجاوز على الذات الالهية كان ارهاباً.
هذا النوع من ارهاب الدولة نمّى أزمة نفسية لدى ارهابي اردني منقسم على نفسه ،متنازع معها ومع الحياة ذاتها ، أتاحت له التفكير بجريمة الاغتيال والاستعداد لتنفيذها حالما بإغواء روحه انها تنال رضا الله..!
في يوم اطلاق سراح ناهض من الحبس بكفالة طلب هذا المواطن من ممثلي الدولة حماية حياته، لكن ضابط الشرطة ابلغه:
- انت نفسك مسؤول عن حماية نفسك وحياتك .. لا شأن للدولة بحمايتك.
كان هذا البلاغ حرفاً من حروف ابجدية الارهاب، التي يسعى لها الارهابيون بكل زمان ومكان.. يختبئون وراء قرارات وخطط ونوايا بعض مسؤولي الدولة ، مستفيدين من اهمالهم وغفلتهم لحقوق المواطنين في الحياة الآمنة.
غرائز واهواء وقيم منحرفة او متسترة تقف وراء بعض الموظفين والقضاة وضباط الشرطة والتحقيق.. ربما ينطلقون من فهم ناقص أو وعي قاصر بمهماتهم. فطنوا كلهم بمبادرات اعلامية متتالية لتصوير ناهض حتر بكونه مسيحيا ملحدا ، كان شيوعياً أو يسارياً، لتلتقي، بوعي أو من دونه ، بعلم أو من دونه، مع عماء ارهاب داعش وجبهة النصرة والاخوان المسلمين الاردنيين، تحت سلاح الحكومة وقضاتها وسجنها ، كي تحوّل موضوع كاريكاتير نشره ناهض حتّر بصفحته على الفيسبوك إلى قضية كبرى لتتحرك منها (شهامة..!) عنصر اسلامي بلحية طويلة ودشداشة قصيرة وعائد لتوه من حج بيت الله كي يضع نهاية لحياة مواطن اردني مدني مسالم ليس في حياته غير الدفاع عن الناس الفقراء .
يبدو القاتل مصمماً على ارتكاب جريمة قتل مواطن أردني يملك مواصفات مميزة ، معاصرة وحديثة، تحمل نقاء العقل وبياض الخلق وروح النضال لا يخاف مواجهة مصيره لان سيرته الاولى وحتى الاخيرة هي سيرة البطولة.
لكن عين الارهاب ،عادة، لا ترى النور ولا السمو ولا ملحمة الوجود الانساني. هذه العين دفعت ارهابي مجرم يلصق بمناضل حر تهمة مكررة صدرت أول الامر من قضاة اردنيين او معاونيهم المحققين ، هي تهمة الإساءة الى الاديان كأن الله ( سبحانه وتعالى) قد كلفه بالدفاع عن الاديان نيابة عنه.
هذا المجرم القاتل ، المتخلي عن كل حضارة وتمدن، بما فيها بعض حضارة مسلمين احرار كثار ، سينال على حكم الاعدام بجريمته الشنعاء لكنه غير آبه لأنه يتخيل مكانه الجنة، قائماً ، قاعداً، نائماً بين الحور العين.
هذا هو التاريخ المعاصر بنقائضه العجفاء البشعة يعيش فيه العرب بكل مكان، بشرق الدنيا أو غربها.
هذا هو النهج الخفي والعلني يحيط بالنضال العربي المعاصر وبالمناضلين العرب .انتشر بنطاق واسع شأو (القوة) و(السلاح) و(القتل) و(الاغتيال) و(الإرهاب) كما حصل في السابق مع داعية النضال الوطني السلمي (المهاتما غاندي) والزنجي الامريكي (مارتن لوثر كنك) ورسام الكاريكاتير الفلسطيني (ناجي العلي) ورئيسة وزراء باكستان (بناظير بوتو) والمفكر المصري العلماني (فرج فودة) والمناضليْن الشيوعييْن العراقييْن (وضاح عبد الامير) و(كامل شياع) وغيرهم .
صار (الارهاب الدولي) في بدايات القرن الحادي والعشرين كما لو كان بديلا عن الحروب العالمية والاقليمية وحروب الجيران والامبراطوريات والحروب الصليبية في القرون السابقة . بينما رجال الدين الاسلامي وغيرهم ما زالوا يبحثون بلقاءاتهم واجتماعاتهم ، بمكة والجامع الأزهر وفي كل مكان من اماكن قيادة الدين الاسلامي ، عن معنى مصطلح الارهاب (لغوياً) للاتفاق فيما بينهم عن معنى كلمة الرهبة والرهب والارهابي ، بينما يتركون فاعل الرهبة والرهب والارهابي طليقا ، متسترا بمئات الفتاوى الفقهية يبحث عن ضحية لتوظيفه باسم الدفاع عن الذات الالهية كأنما الله عاجز بنظرهم عن معاقبة المسيئين اليه.
صارت الكتب بالألاف عن الخوف والفزع والرعب والاضطراب والاغتيال، الفردي والجماعي، وعن الضرر، المادي والنفسي، تغزو جميع وسائل الاعلام ورفوف المكتبات الجامعية والمكتبات العامة ومكتبات البيع في العالم ، كلها، مصطلح واحد اسمه (الارهاب) لكن الارهاب يتزايد ويتوالد بأشكال مختلفة ..
في كل انحاء العالم تعقد مؤتمرات واجتماعات بين علماء ورجال دول وكبار رجال جيش وامن وشرطة ومخابرات ليظهروا انفسهم بالتلفزيونات والصحافة انهم اكثر الناس تغنيا بتوفير الامن والامان لمواطني بلدانهم ، في وقت تتبدد فيه مئات الملايين من الدولارات شهريا بمغامرات تبرهن على انها غير قادرة على التصدي لخطط مجموعات او ذئاب بشرية ،خلوية او منفردة ، تضطلع كل يوم بمهمة تهديد امن الناس وحياتهم بمختلف انواع جرائم التوحش .تُرى هل صارت اجهزة الدولة الحديثة لا تضمن أمن المواطنين واستقرار حياتهم. . هل صار الارهاب حربا بين طرفين تقف الدولة العربية على الحياد بينهما..؟
ما ينبغي التحذير منه وله بقضية اغتيال الكاتب الصحفي الاردني اللامع (ناهض حتر) هو وضع المسيحيين الاردنيين تحت التهديد والخطر لإجبارهم على مغادرة الوطن والهجرة منه الى بقاع الارض الديمقراطية الاوربية ،التي تحتّرم حقوق الانسان.
الاسلاميون الاردنيون، الارهابيون والمتطرفون وغيرهم، يستهدفون تعميق النزاع الطائفي ،مثلما فعلوا بالعراق ومصر ولبنان وسوريا مجبرين ملايين المسيحيين على ركوب موجة الهجرة.
كذلك يواجه، اليوم، المفكر المصري (سيد القمني) استبداد وخطايا الارهابيين المصريين من عصابات تنظيم القاعدة وداعش والاخوان المسلمين وامثالهم ، الذين يهددون حياته بالغدر والقتل لتوهين عمله وتقييد نشاطه الفكري، المنوِّر لعقول المصريين النجباء، الذين يريدون اجتياز تاريخ مصر الحالي وانتقاله الى ما يليق بشعبها وحضارتها، اللذين قدما للبشرية اهم مفاعلات النضال من اجل الخير ضد الشر، من أجل البناء ضد الهدم.
المفكر سيد القمني في خطر. ربما يلتحق بناهض حتر ان لم تتقصى الدولة المصرية حمايته بالرغم من وجود حملة جماهيرية عربية واسعة ، في هذه الأيام تطالب الدولة المصرية حماية أبن الشعب المصري العالم البليغ (سيد القمني).
لا بد ان نقول لكل من يبحث في مشكلة اساسية من مشاكل العصر الراهن وعقائده ، إلى من يبحث في اصول الارهاب واسبابه وعوامله وادواته ودلالاته، ان وراء الارهاب ووراء العنف الطائفي والاغتيال تقف مناهج وقوى واحوال منهزمة ،روحيا وجماهيريا، تتمسك زوراً وبهتانا بدعاوى الدفاع عن الذات الالهية وعن وجود الله .
الارهاب علامة انحدار خطير.. الارهابيون الاسلاميون يستقيلون من الوجود الانساني ملتحقين بالوجود الوحشي.. انهم يقاومون تطور الانسان المعاصر ووعيه وانسانيته.. انهم يخوضون بدعا ببلدان العرب والشرق الاوسط ليثخنوا واقع الناس والانسانية بالخوف والصراع والتمزق والدماء.
القوى الوطنية في الاردن والعراق ولبنان ومصر وليبيا وتونس وغيرها، تملك جماهير واعية ،قادرة على الدفاع عن مبادئ الحق والعدل والكرامة وهي مستيقظة بكل ارض وعهد في كيفية مقاومته وانقاذ الناس المسالمين المحبين للحرية والديمقراطية والعيش بسلام وامان وطمأنينة. كان الكاتب الصحفي الحر ناهض حتر واحدا من هؤلاء الناس. نذر نفسه لمقاومة كل انواع الظلم، بما في ذلك الظلم الناتج عن الارهابيين ،الذين يُطلق عليهم ابشع اسم بالتاريخ الانساني اسم (داعش).
في البلدان العربية كافة من الاردن حتى ليبيا يصول الارهاب ويجول تحت واجهة الدين وموجباته في الاسلام، كما يظن ويدعي الارهابيون من كل الفصائل والانواع ، في مقدمتهم داعش، حيث ينشرون الخوف والاضطراب والفزع بأعمال غاية بالبطش والتوحش وبأفعال قبيحة يرتكبونها باسم الله دفاعا عنه وعن الذات الالهية كأنما الله بحاجة اليهم.
دماء المناضل ناهض حتّر لن تذهب هدرا ستكون (وقفاً ) بحسابات العرب المناضلين ، كلهم، من اجل ضمان حريتهم وكرامتهم.
اغتيال المناضل ناهض حتّر كان صاعقة. نزلت بين جبال عمان الاربعة ،ليس كصاعقة حارقة فحسب ،ليست مبعث قلق وحزن فحسب، بل انها صعقت زمنيات الحضارة والبناء والتمدن الجاري في الاردن لأن صاعقة الاغتيال هي شكل من اشكال التنازع بين التقدم والتخلف ،بين الضياء والظلام ،بين التطور التاريخي المحتم الى امام والحجة العقائدية الجامدة على غريزة الرجوع الى وراء .
الامل ان يكون الدم الزكي، الذي سال من رأس وصدر ناهض حتّر سيكون في صميم حركة الشعب الاردني والمثقفين التقدميين الاردنيين كلهم، من المتطلعين الى تاريخ جديد، كما كان ناهض حتر يبشر به، بحيويته الابداعية وتفاعل طاقاته الانسانية ،غير المحدودة، في زمان الشعب الاردني المكافح من اجل الحرية الحقيقية في حياة ليس فيها وكلاء إلهيين على الارض الطبيعية البهية حيث يعيش عليها مسيحيون ومسلمون وغيرهم من العقائديين بسلام وامان .