المنبرالحر

النظام التعليمي في العراق بين ثالوث الفساد وقلة الكفاءة وانعدام الرؤية الإستراتيجية / فرحان قاسم *

إن نقص الكتب المدرسية أو تأخير توزيعها على الطلاب أصبح أمرا عاديا متكررا منذ 2003، ولكنه وصل حد الاستعصاء هذا العام باعتراف أجهزة وزارة التربية والقائمين عليها، والغريب في الأمر انهم رغم حجم المشكلة فإنهم يلجؤون إلى التبرير والهرب من الحقائق التي عرفها القاصي والداني فمرة يعللونها بنقص التخصيصات المالية، متناسين أن هذه المشكلة رافقت العملية التربوية منذ 2003، بدرجة أو بأخرى، رغم وفرة التخصيصات المالية، ومرة أخرى يتبادلون الاتهامات بإلقاء اللوم على هذه الجهة او تلك.
منذ سنوات ابدت المطابع العراقية العامة والخاصة استعدادها لطبع الكتب المدرسية، وبمواصفات لا تقل جودة عن المطابع خارج العراق ، ولكنها كانت تواجه على الدوام بمبررات ومعوقات والتفافات ، تنتهي بإحالة عقود طبع الكتب اما الى مطابع خارج العراق بشكل مباشر او غير مباشر وبأسعار تفوق ما تعرضه المطابع العراقية واصبحت شائعة شبهات الفساد في تلك الصفقات والسؤال المنطقي هنا هل هذا الامر يقتصر على نقص او تأخير الكتب المدرسية فقط ام ان المشكلة الكبرى تتعلق بتدهور النظام التعليمي في العراق ككل ، نتيجة سطوة الثالوث المهيمن على وزارة التربية منذ 2003 وهو الفساد وقلة الكفاءة وغياب الرؤية الستراتيجية .
اكدت خطة التنمية الوطنية 2013-2017 ان النظام التعليمي في العراق " يعاني خللا بنيويا " ، و لهذا فشل في انجاز المهمة الاولى له وهي تنمية المورد البشري . اذ يخضع الطلاب بمختلف المراحل الدراسية الى نظام تربوي يعتمد الاسلوب التقليدي القائم على مناهج تقوم على التلقين والاستماع . وهذه الظاهرة ليست جديدة على النظام التعليمي في العراق لكنها اخذت مديات اوسع بعد الازمة البنيوية العامة التي خلفها مشروع الاحتلال بعد 2003 والقوى الي هرولت خلفه وارتباطا بالفساد المالي المستشري في مختلف مفاصل العملية التعليمية وانعدام الرؤى الستراتيجية والوقوع في فخ التجريب دون دراسة جدوى متأنية تأخذ الخصائص المختلفة للمجتمع والبيئة التربوية العراقية .
وما علينا الا ان نجري مسحا سريعا لمخرجات النظام التعليمي في العراق بعد 2003، لكي نثبت التداعي والانهيار اللذين تواجههما العملية التربوية :
1- من مجموع ( 10658 ) مدرسة ، نجد ان ( 9165 ) مدرسة اما غير صالحة او تحتاج الى ترميم . ولكي ننهي ظاهرة الازدواج الثنائي والثلاثي نحتاج الى ( 8000 ) مدرسة اضافية على الاقل . كما ان 30في المائة، من الابنية المدرسية تعاني من تدني كفاءة المرافق الصحية ، و 28في المائة، منها تعاني من تدني منظومة الماء الصالح للشرب ، و41في المائة، منها بلا صرف صحي ، و17في المائة، من المدارس بدون اسيجة . وكما هو معروف فان البيئة المدرسية الملائمة تبدأ بوجود بناية مدرسية ذات مواصفات محددة تساعد العملية التربوية على تحقيق اهدافها. لذا نجد ان ازمة الابنية المدرسية انجبت مجموعة من المعوقات المستعصية والتي تركت تأثيرها الواضح على المستوى العلمي و نسب النجاح ومن هذه المعوقات : الازدواج الثنائي والثلاثي الذي يقلص من وقت الدوام اليومي والحصة الدراسية ، زيادة نسبة الطلاب في الصف الواحد اذ تصل احيانا الى ( 70 ) طالبا في الصف الواحد ، فوضى كبيرة في الاجواء المدرسية نتيجة خروج ودخول الطلاب بعد انتهاء دوام كل مدرسة ، صعوبة السيطرة على الصف المدرسي اثناء الدرس او السيطرة على الساحة المدرسية اثناء الفرص.
2- انتشار ظاهرة التدريس " الخصوصي " التي اصبحت ظاهرة مجتمعية يصعب حلها من خلال الاوامر الادارية او التعليمات الصادرة من دوائر التربية ، وبسبب صعوبة معالجة هذه الظاهرة لجات دوائر التربية الى قوننتها من خلال منح رخص واجازات لـ" معاهد" تشرعن التدريس الخصوصي فيها.
3- بلغت نسبة الامية حوالي 25في المائة، من سكان العراق اي حوالي ( 10 ) مليون امي ، وهو رقم مخجل و نكوص كبير تعرضت له العملية الاجتماعية ، ففي وقت تقلصت الامية في العراق الى 1في المائة، اواسط السبعينات عدنا القهقرى عام 2016 .
4- لا توجد ارقام دقيقة عن نسب التسرب من التعليم ، ولكنها احدى مخرجات النظام التعليمي الخطيرة ويمكن الاستدلال على حجم التسرب من خلال تجميد قانون التعليم الالزامي عمليا اذ لا تتعرض الاسر التي لا ترسل اطفالها لأي نوع من المتابعة او العقاب . اضافة الى وجود مئات الالاف من المهمشين والعاطلين غير المتعلمين والاطفال المنتشرين في الشوارع والساحات .
5- خصخصة التعليم التي تجري بشكل سريع ومحموم ووفق " القانون " في جميع المحافظات ، وهذا الموضوع وحده يحتاج الى دراسة خاصة ، ولكن من خلال تجربة السنوات القليلة الماضية يمكنني ان اقوم بتوصيف سريع لتلك التجربة : بيوت صغيرة منحت اجازات فتح مدارس تحايلا على المعايير التي وضعها القانون ، تحولت المطابخ الى قاعات دراسية ، وتفتقر اغلب المدارس الاهلية الى معايير البيئة الدراسية الملائمة ، ويتم استغلال المدرسين والمعلمين المتقاعدين وغيرهم بأجور متدنية . وباختصار اصبح انشاء مدرسة خاصة مشروعا استثماريا بحتا ، انعكس ذلك في نسب النجاح المتدنية جدا في الكثير من هذه المدارس .
6- ان اخطر ما انتجه النظام التعليمي بعد 2003 هو الهدر الكبير في المورد البشري . اذ تؤكد خطة التنمية الوطنية ان 50في المائة، من المسجلين في الدراسة الابتدائية يعبرون الى المتوسطة ، و 50في المائة، من طلاب المتوسطة يعبرون الى الاعدادية ، و50في المائة، من طلاب الاعدادية يعبرون الى الجامعة . وعلى ضوء ما اكدته خطة التنمية فان من 100 طالب يدخلون الابتدائية يتخرج 13 طالب فقط من الدراسة الاعدادية وبقية الطلبة اي 87 طالب ما بين متسرب او راسب وتخلف عن اللحاق بزملائه . ان نسبة 87في المائة، هدر في المورد البشري يجعل من نظامنا التعليمي امام مشهد متدهور بائس لا يحسد عليه . ولن تسعفه القرارات الترقيعية مثل اضافة دور ثالث او منح الطلاب 10 درجات لتحسين نسب النجاح وما الى ذلك من طرائق اضرت كثيرا بالمستوى العلمي للدارسين.
7- لا اريد الخوض في موضوعات اخرى كثيرة تؤكد ما ذهبت إليه خطة التنمية الوطنية، حول الخلل البنيوي في النظام التعليمي في العراق . مثل المناهج المدرسية ، ما لها وما عليها ، الاشراف والاختصاص التربوي ، الادارة المدرسية ومعايير اختيار المدراء والمعاونين ، اعادة تأهيل الهيئات التعليمية وفق متطلبات التطورات في ظل التقدم التكنولوجي ، الامتحانات وطرائق قياس المستوى العلمي للطلبة ، شعب واقسام التربية وما تعانيه من نمطية الادارة الكلاسيكية ، مجالس الاباء ودورها الفعلي المخطط له وشكلية عملها الراهن
ـــــــــــــــــــــــ
* عضو مجلس محافظة بغداد