المنبرالحر

محصول العراقيين رأس كل شهر.. / علي علي

هناك بيت من شعر الدارمي في تراثنا العراقي، يراهن فيه قائله على الكم الهائل من الهموم التي يحملها، ولإثبات صحة ادعائه طلب من صاحبه عد ما في جعبته من هموم، ومقارنتها بما يحمله هو، إذ انه متيقن من فوزه نهاية المطاف، وهو أدرى بحال همومه فقال:
عد وآنه اعد ونشوف ياهو اكثر هموم
من عمري سبع سنين وگليبي مهموم
إنه لمن المؤلم أن يراهن المرء على همومه، وهو يعيش عمرا واحدا تُعد أيامه عدّا، وستنتهي يوما ما سواء أطالت أم قصرت!. وما يؤلم أكثر أن رهانا مثل هذا يحدث في مجتمع له من الثروات والخيرات ما لايجتمع في بلد واحد، والغريب أن الرهان لايقتصر على فرد او شريحة معينة، بل هو عام شامل واسع النطاق.
في غرة شهر نوفمبر الجاري، سجلت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) أرقاما مهولة عن عدد الضحايا الذين زهقت أرواحهم بأعمال العنف في العراق خلال شهر أكتوبر المنصرم فقط، إذ رصدت البعثة ما مجموعه 1,792 عراقيا لقوا حتفهم، وفي تفصيل للأرقام، فقد بلغ عدد القتلى من المدنيين 1120 شخصا. ويبدو ان الموعد الوحيد الذي يتحقق في عراقنا من دون إخلاف كل رأس شهر، هو الحصيلة النهائية لعدد العراقيين الذين يروحون ضحية الهجمات الإرهابية للشهر الذي يسبقه. إذ عودتنا بيانات تصدر من جهات متخصصة، على استقبال شهر جديد بتوديع آخر قبله، مضمخا بدماء أخوتنا وأصدقائنا وأبنائنا وأحبتنا وزملائنا، بحيث أصبح الموت أقل ضريبة وأوطأ جباية على العراقي أن يدفعها (قرض فرض) في صباح من صباحات حياته، او مساء من مساءات أيامه إن عاجلا أو آجلا، في بلده الذي يحلم أن يكون يوما ما آمنا. أما السبب في هذا فهو هويته العراقية، وانتماؤه لبلده وأرضه، وأما المسبب فهم حتما القريبون منه والراعون له والمسؤولون عنه والمفوضون بأمره، وليس مخلوقات غريبة نزلت عليه من سماء سادسة او سابعة.
لقد قدم العراق خلال الشهر المنصرم كعادته، عددا آخر من (ولد الخايبة) مغبونين مظلومين مغدورين. مقابل هذا نرى ان سلطات البلد التشريعية والتنفيذية تعمل في وادٍ غير وادي الشعب، ولاسيما مجلس النواب الذي كان حريا به ان يعجل بإقرار القوانين التي تخدم الصالح العام فيما يخص الجانب الأمني، فالإسراع في بتها وتشريعها، وإلزام مؤسسات المجلس التنفيذي بالعمل بها، سيقود البلد الى وضع أكثر أمنا وأمانا، فهل هذا مايحدث في أروقة برلماننا؟ أم أنه بات حلبة للصراعات وإيقاع المكائد، وساحة للتنابز وتبادل السجالات بلا طائل ودون جدوى!. وهل يعلم رئيس البرلمان وأعضاؤه وأرباب الكتل والأحزاب، ان التلكؤ والتباطؤ في إقرار القوانين يفضي الى استغلال المتصيدين في عكر المياه هذا التأخير، فيجيّرونه لصالحهم ولصالح أجندات تسيرهم؟ وبذا يكون الإرهاب من جهة، وتقصير البرلمان في أداء واجباته من جهة أخرى، مربوطين على التوالي، ومعلوم قطعا من يكون الضحية؟ ومن يدفع الثمن الباهظ من جراء ذلك؟ وباستطلاع للعقد الأخير من السنين، يتبين بكل وضوح ان الوضع الأمني للبلد مرتبط بشكل وطيد بالسياسيين وقراراتهم، وله علاقة مباشرة بخلافاتهم، والامر هنا يأخذ شكلا آخر، إذ أن أي منظّر للساحة العراقية يدرك ببساطة، ان لبعض السياسيين دورا ضليعا بتردي الحالة الأمنية فيها، وهنا تشير -كما أشارت سابقا- أصابع الاتهام الى سياسيينا، ودورهم الرئيس في تداعي الظرف الأمني. فهل هم ياترى قياديون في بلدنا؟ أم هم قياديون في منظمات إرهابية مدفوعة الثمن سلفا!. وهل نقول: اختلط الحابل بالنابل؟ أم نقول: (ضاع ابتر بين البتران)!