المنبرالحر

الانتخابات الامريكية مرة ثانية / سعد كاظم

لا تزال نتائج الانتخابات الامريكية و فوز ترامب غير المتوقع تشغل العالم، و المواطن الامريكي بشكلٍ خاص. وقد ردت منظمات وأفراد على هذه النتيجة بالتظاهرات وردود الفعل العنيفة مرددين» ليس باسمي». ولكن كيف حدث هذا الفوز؟ فقد رجحت جميع التوقعات فوز كلينتون وبنسبة عالية. هذه التوقعات لم تؤكدها المنظمات التي تراقب الانتخابات واستطلاعات الرأي العام وحتى تخمينات الصحافة الامريكية فقط بل كانت من ضمن توقعات الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري على حدٍ سواء, وقد تكون النتائج مفاجئة لترامب نفسه!
السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي جرى لينقلب المواطن الأمريكي على هذه التوقعات و ينتخب دونالد ترامب؟
في حقيقة الأمر، هناك عدة أسباب لهذه الهزيمة المدوية. وهي ترجع في تقديري الى بداية الحملة التمهيدية داخل مؤسسة الحزب الديمقراطي نفسه، حيث تنافس على ترشيح الحزب كل من: بيرني ساندرز، وهيلاري كلينتون. وأظهر المرشحان كلاهما وجهات نظر متناقضة في مجمل الأمور الداخلية والخارجية، وكيفية معالجة الخلل في الاقتصاد، وتوفير فرص العمل الى جانب قضية الضمان الصحي والاجتماعي. ومنذ بداية الحملة التمهيدية الطويلة، أظهرت استطلاعات الرأي ان جيل الشباب والخريجين الجدد، يدعمون بشكل كبير بيرني ساندرس. وقد حاول ساندرس ان يحصل على دعم مجلس الحزب الديمقراطي من دون نتيجة، مما دفعه الى تمديد حملته الانتخابية من اجل ان يمارس الشباب و النقابات العمالية ضغطهم على قيادة الحزب!
ولعل احد أسباب هزيمة كلينتون هو استبعاد بيرني ساندرس من حلبة الانتخابات التمهيدية ليس بسبب طرحه برنامجا انتخابيا متكاملا لإصلاح الاقتصاد الامريكي والضمان الصحي وحسب، بل بسبب توجهاته الاشتراكية التي أرعبت الحزبين كليهما والشركات الاحتكارية.
وقد مارس الرئيس اوباما ضغطاً على ساندرس من اجل سحب ترشيحه و الانضمام الى حملة كلينتون لتقويض حملة ترامب. وحدّ هذا الاستبعاد من حماس جمهور الحزب الديمقراطي لا سيما الجماهير الداعمة لبيرني ساندرس.
وقد سرّبت ويكيليكس وثائق تطلب من قيادة الحزب الديمقراطي استبعاد ساندرس من حملته الانتخابية الناجحة! وكادت هذه الأحداث ان تقوض حملة الحزب الديمقراطي لولا تدخل ساندرس نفسه لتهدئة جمهوره . هذه التهدئة لم تعالج الامر فعند الانتخابات لم يصوت جمهور ساندرس لكلينتون، بل صوت الكثير منهم لترامب، كعقاب على تآمر الحزب وعقابا لكلينتون!
السبب الآخر لهزيمة كلينتون، هو عدم تصويت الأقليات لصالحها، بالرغم من الخطاب العنصري الذي اعتمده ترامب ضدهم! ونشير هنا الى المواطنين من أصول لاتينية، وذوي البشرة السمراء!
وهناك سبب مهم آخر وهو: ان الحزب الديمقراطي، واوباما، لم ينصفهم في الحد من الازدياد غير المسبوق للجرائم العنصرية، والجرائم التي ارتكبت ضد المواطنين من أصول أفريقية ولاتينية من قبل الشرطة، واعلنت المحاكم براءة القائمين بها، مما سبب موجة غضب عارمة على الحزب الحاكم، والرئيس الامريكي، بالرغم من معرفة الجميع باستقلال القضاء. هؤلاء المواطنون حملوا الحزب والإدارة الديمقراطية وزر تزايد عمليات القتل ضدهم من قبل الشرطة في ظل تواطؤ المحاكم الامريكية، وبالتالي امتنع المواطن من الإدلاء بصوته للمرشحين .! هذا علما ان هذه الأقليات هي جزء مهم من جمهور الحزب الديمقراطي مما جعل كلينتون تخسر أصوات ناخبين كانوا يأملون ان تتحسن ظروفهم.
كذلك التأمين الصحي كان ومازال ورقة انتخابية مؤثرة لأنه يتعلق بصحة المواطن، فأمريكا أغنى بلد في العالم وتمنح مساعدات صحية كبيرة، ولكن مواطنها لا يتمتع بضمان صحي متكامل. ومنذ زمن يدعو الديمقراطيون إلى إصلاح النظام الصحي وتحقق ذلك لأول مرة في ظل الادارة الديمقراطية الحالية ( إدارة اوباما ) لكن قانون التأمين الصحي جاء مخيّباً لتطلعات الشعب الامريكي، بسبب الكلفة التي يدفعها المواطن الامريكي والتي تفوق بكثير البرامج الصحية السابقة. فيما تحملت الطبقة الوسطى تكاليف إضافية ما جعل قسما من جماهير الحزب الديمقراطي، والجماهير غير المسيّسة تتمرد على الحزب الديمقراطي، وتصوت لصالح ترامب.
ولأول مرة في تاريخ أمريكا طرحت فكرة ان تكون امرأة في منصب الرئيس، و بالرغم من التطور الحاصل في المجتمع الامريكي، وحصول المرأة على حقوقها، ولكن يبقى هذا المجتمع محافظا، اذا ما قوْرن بالمجتمعات الأوربية. والمعتقد ان المجتمع الامريكي، ما زال غير مقتنع بان تقوده امرأة، وقد يكون هذا احد الأسباب التي دفعت المواطنين غير المسيسين، أي الجمهور الصامت الذي لا تشعر به الاّ في زمن التصويت، إلى أن يصوّت لصالح الرجل، وليس المرأة ، أي انه منح صوته ترامب لمجرد أنه رجل.
من جانب آخر فان التسريبات والإيميلات الفاضحة للسياسة المزدوجة التي اعتمدت في زمن الديمقراطيين، و في زمن كلينتون بالذات عندما كانت وزيرة للخارجية، و توقيت تسريبها كانت مؤثرة وحاسمة احياناً، والذي يعرف من بواطن الأمور لا بد ان يؤشر وجود عدم ارتياح بين بوتن وهيلاري كلينتون. وذات مرة إبان حرب أوكرانيا وضم روسيا جزيرة القرم، وصفت كلينتون بوتن بأنه فاشي، ويحاول ان يتشبّه بهتلر. ولم ينس بوتن تلك الصفعة من وزيرة الخارجية، فقام بصفعها بنشر تسريبات ويكيليكس الهائلة من المعلومات الخاصة، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني التي يقال ان هيلاري كلينتون حذفتها في وقت مبكر!
وجاء توقيت التسريبات في الأيام التي سبقت الانتخابات.حيث سربت ويكيليكس معلومات مهمة وحساسة عن ايميلات هيلاري كلينتون ووثائق فاضحة اخرى حول دعم دول الخليج الارهاب، والمتشددين. وهي ايضا تفضح إزدواجية المعايير الامريكية، وكان تأثيرها واضحا على الناخب الامريكي.