المنبرالحر

من الصعوبة بمكان تغيير اتفاقية لوزان / عادل كنيهر حافظ

اتفاقية لوزان التي تعد معاهدة سلام تم من بين ما تم بموجبها تسوية وضع الاناضول وتراقيا الشرقية ،اي القسم الأوربي من تركيا ، وهذه الاتفاقية تم التوقيع عليها في تموز من عام ١٩٢٣في مدينة لوزان في سويسرا، بين وريث الامبراطورية العثمانية المنقرضة ،الراحل مصطفى كمال اتاتورك والدول الغربية ، بعد سيطرة قوات اتاتورك على مجمل الاراضي التي تكون حدود تركيا الحالية ، وفي لوزان تمكن الوفد التركي ، من إقناع الجانب الاخر على التخلي عن البند الذي يعترف بحقوق الشعب الكردي الوارد باتفاقية سيفر ١٩٢٠.
حددت معاهدة لوزان في فقراتها رقم ٣، ١٥ ، ١٧ ، ٢١ ، حدود قبرص ،ومصر والسودان والعراق وسوريا والفقرة ٢٢ التي تكرست لترسيم الحدود مع سوريا ، بما يشمل ضم أراضي واسعة ، وتضم من الغرب الى الشرق ،مدن مرسلين وطرسوس وارضنا وعنتاب وكبلس ومرعش و أورفة وحران وديار بكر ،وماردين ونسيبين ، وجزيرة ابن عمر ، وهي أراضي يسكن معظمها الشعب الكردي ، كما اشرت المعاهدة لحدود عدة بلدان مثل اليونان وبلغاريا وتركيا والمشرق العربي ، وتنازلت بموجبها تركيا عن مطالبها بجزر يانيسيا قيليقية ، وتخلت ايضا عن امتيازاتها في ليبيا التي حددت في الفقرة ١٠ من معاهدة اوش بين الدولة العثمانية والمملكة الإيطالية .
ويعتبر التوقيع في لوزان على الاتفاقية من قبل الحكومة التركية ، هو إقرار رسمي موثق واعتراف بحدودها الدولية ، بعد ان جرى تقسيم الامبراطورية العثمانية ، في ١٦ أيار /١٩١٦ بين بريطانيا وفرنسا وروسيا ، الا ان روسيا وبقرار من دوما الدولة بزعامة لينين، انسحبت من معاهدة سايكس بيكو الشهيرة ، وظلت فرنسا وبريطانيا تتقاسم المستعمرات العثمانية السابقة ... ونشأت دولة تركيا العلمانية التي أسسها مصطفى كمال اتاتورك وتطورت بهدوء ،لكن شعور تركيا بالمهانة اثر سايكس بيكو ظل هاجسا ،دفعها لاستثمار الفوضى التي كانت في بداية الحرب العالمية الثانية ، وأقدمت على ضم اقليم أنطاكيا السوري (هاتاي ) عام ١٩٣٩والذي كان خاضعا للاستعمار الفرنسي ، كما هي حال الاراضي السورية واللبنانية ، وبعدها بسنوات دخلت تركيا حلف الناتو لتؤمن لها حماية دولية ، وبات لشريحة القادة العسكريين اليد الأطول في قيادة البلاد ، واستقر حال تركيا لعقود ، رغم الانقلاب العسكري في خريف سنة ١٩٧٩ ، وبعدها وفي عام ١٩٨٠ظهور حزب العمال الكردستاني ( B K K) الذي أعلن الكفاح المسلح على الدولة التركية بسبب ظلمها واذلالها للشعب الكردي وهضم حقوقه القومية المشروعة ، الا ان جمهورية تركيا لم تفقد الاستقرار ، حتى مجيء حزب العدالة والتنمية الاسلامي الى الحكم ، حيث بدأت سياسة تركيا العلمانية تتغير الا انها كانت تخشى الجيش للذهاب بعيدا في طريق إلغاء العلمانية من تركيا ،وعندما استثمر اردوغان احتجاج قادة الجيش ومحاولتهم إيقاف سياسة الاخوان المسلمين في تركيا ليجعل منها مؤامرة كبرى .... أزاح قادة الجيش من طريقه وراح يناغم احلام عودة الامبراطورية العثمانية على يده ( الكريمة ) .
وقادته احلامه الرومانسية الى انتقاد مؤسس تركيا العلمانية الحديثة ، مصطفى اتاتورك ، ويعتبر تخليه عن الموصل وحلب ، خيانة وطنية للشعب التركي ... ومع هذا الهوس القومي للرئيس طيب اردوغان ، تطبل وسائل الاعلام التركية ، وتروج لخارطة تركيا الجديدة ، التي تضم الموصل وكركوك والشريط الحدودي لشمال سوريا ،وبعض الجزر اليونانية في بحر ايجة ، وما يشجع رئيس تركيا على التصريح ،بأننا لا نتخلى عن ابنائنا الأتراك واخواننا السنة في اي مكان ... هو الوضع الملتبس في المنطقة وحالة الفوضى والفتن الطائفية والحروب وضعف الدول العربية والإقليمية في المنطقة ، وجهود امريكا في الاستحواذ على ثروات الشعوب ، الحال الذي دفع اردوغان بان يفكر في تكرار سيناريو ضم اقليم أنطاكيا السوري الى تركيا ، ليضم الموصل وكركوك ومدن الباب وجرابلس ومنبج وغيره من مدن سوريا ، وعلى غرار ما جرى حلما أرسلت تركيا قواتها لاحتلال شمال قبرص سنة ١٩٧٤ ، بحجة الغالبية التركية من السكان هناك ،وهذه الحجة يمكن استخدامها في كركوك والموصل وكثير من البلدات السوري المحاذية لحدود تركيا ،كون هناك اقليات تركية ، وخير تجل لهوس التوسع التركي هو الدخول في الراضي السورية وتكوين قوات درع الفرات ، ودخول الاراضي العراقية ، بحجة تدريب قوات النجيفي في معسكر بعشيقة، وارسال طائراته لاستفزاز الطائرات اليونانية ......
الا ان طموحات طيب اردوغان ، تصب الزيت على نار المنطقة المشتعلة بفعل الاٍرهاب والفتن الطائفية ، وتوسع من دائرة الحروب ، حيث بدء الرد على هذه الطموحات بقصف ألجيش الحر الذي ترعاه تركيا ،وراح الحشد الشعبي في العراق ،يتوعد القوات التركية في بعشيقة بالرد اذا ما تعرضوا لإطلاق نار من تلك القوات . وهكذا تنذر الأمور بما لا تحمد عقباه خصوصا اذا لم يجر لجم هذا الجحيم ، الذي جرت امريكا شعوب هذه البلدان اليه ، ولا زالت كما تنقل وكالة سكاي بريس العراقية ،تستفتي السياسيين العراقيين ،على تكوين فدرالية من ثلاثة أقاليم ، مقابل دعم اقليم السنة المتضرر نتيجة دوران الحروب عَلى أراضيه، وذلك عن طريق حث دول الخليج على تكوين جسر جوي لنقل مختلف المواد لمساعدة أهل الإقليم السني ، ومقابل دعم حكومة العبادي الغير مركزية وتطهير البلاد من داعش ، ومن المليشيات آلتي تأتمر بأمر ايران ، وربط أمن العراق بأمن امريكا ......وهذا يجسد شيئا من خريطة البفسور اليهودي برنارد،الذي رسم منطقة الشرق الأوسط على شكل أقاليم تقام على أساس طائفي او قومي بدون دول كبيرة وكانت خارطة العراق عند الدكتور برنارد ،اقليم المنطقة الغربية العرب السنة ،ومنطقة كردستان الكردية وإقليم الجنوب العربي الشيعي ، وهنا نجد ان امريكا لم تأت بأكثر من ما قدمه قطب الصهيونية المعادي جدا للعرب والمسلمين ، وعلى اردوغان اذا كان مسلما ويخاف الله ، ان يعمل على ان يجنب ابناء وطنه لظى تلك النيران ، وينصت الى صوت العدل ، ويأخذ عبرة من طموح صدام في الشقيقة الكويت ،وطموح هتلر في التوسع والى اي مال آلت بهم الأمور ، لاسيما وان القوانين الإقليمية والدولية المتبعة وخصوصا المنصوص عليها في محكمة العدل الدولية . هي عدم محاولة تعديل الحدود القائمة بعد الحرب العالمية الثانية . بالإضافة الى ارادة امريكا وتحالفات سوريا وروسيا ، وارادة ايران والعرب السنة في الخليج وارادة الشعب العراقي كل ذلك وغيره يجعل التفكير في تعديل معاهدة لوزان ، ضربا من الأماني الضالة .