المنبرالحر

ايران ..هل ستصبح شرطي الخليج من جديد؟ / انس محمود الشيخ مظهر

ان تغير وتيرة التصريحات بين امريكا وإيران لم يأت بشكل عفوي بل جاء نتيجة قراءة دقيقة لتطورات المنطقة من قبل الطرفين . فقد شكل فوز الاصلاحيين بمنصب رئاسة الجمهورية فرصة ذهبية للإيرانيين في اخراج بلدهم من عزلته الدولية وتدهور علاقاتهم مع امريكا والغرب التي تزامنت مع تطورات الازمة السورية واستشعارهم للخطر المحدق بهم من خلال جدية امريكا والغرب في اسقاط نظام بشار الاسد ان عاجلا ام اجلا لذلك فلا ضير من ممارسة سياسة ( فقه الممكنات ) والتراجع عن قسم من مواقفهم التي تثير حفيظة امريكا مقابل الحفاظ على وجود وبقاء ( الجمهورية الاسلامية الايرانية ) . وهكذا فان التصريحات الايرانية الاخيرة التي تبنت من خلالها مواقف سياسية مرنة حيال الوضع السوري او الملف النووي الايراني و اعطاء تأكيدات بان ليس لإيران نوايا توسعية في المنطقة ... كلها تشير الى تغير واضح في السياسة الايرانية الخارجية ( ان لم يكن الهدف منها استغلال عامل الوقت) .
هناك سببان رئيسيان منعا اي تقارب امريكي ايراني منذ ثورة الخميني ولحد يومنا هذا وهما: -
- أولا... الطموح السياسي الايراني للتحول الى قوة سياسية وعسكرية في المنطقة وهذا يؤرق صانع السياسة الامريكية ليس ازاء ايران فحسب بل ازاء اي دولة تتبنى مثل هذا الطموح وما حصل مع نظام صدام حسين في السابق يدل على هذا التوجه الامريكي بوضوح .
- ثانيا.. الموقف العدائي المسبق الذي تبنته الثورة الايرانية حيال امريكا والوجود الاسرائيلي في المنطقة.
إلا انه ومثلما قلنا فان الحنكة السياسية الايرانية بدأت تستشعر الان خطرا حقيقيا على وجودها وأمنها الوطني خصوصا بعد تطورات الازمة السورية واحتمال اسقاط نظام بشار الاسد الذي يعتبر حلقة وصل بينها وبين حزب الله في لبنان ناهيك عن الحالة الاقتصادية الخطيرة التي تعاني منها ايران نتيجة الحصار الدولي عليها , بالإضافة الى الاستقطاب الطائفي الموجود في المنطقة والذي يهدد بنشوب حرب طائفية فيها ستكون ايران الطرف الاضعف فيه فيما اذا بقيت المعادلات السياسية في المنطقة على ما هي عليها الان من تقارب خليجي تركي مع امريكا على حساب الجانب الايراني .
كل هذه الاسباب وغيرها كثير تعطي استنتاجات بان من مصلحة ايران تغيير النهج السياسي الذي اتخذته لحد الان والتقرب من امريكا بدلا من الدخول معها في صدام مباشر او غير مباشر لن تخرج منها منتصرة في وضعها الداخلي والخارجي الحالي .

اما ردود افعال الجانب الامريكي فتبدو مرحبة بفكرة التقارب مع ايران لأسباب كثيرة منها
- ان فتح قنوات دبلوماسية مع ايران في الوقت الحاضر تحييدها عن اتخاذ اي رد فعل مباشر او غير مباشر في حال اتخاذ القرار النهائي بإسقاط النظام السوري
- كذلك فان الوصول مع ايران الى تفاهمات مشتركة ستزيل التخوفات الامريكية من النوايا الايرانية في المنطقة إزاء اسرائيل .
- التقارب الامريكي مع ايران يمثل فرصة جديدة لأمريكا في ابتزاز الدول الخليجية بشكل اكبر لصالح اجنداتها لاسيما وان دول الخليج لا تمتلك اوراق ضغط كثيرة على امريكا سوى ورقة النفط , وهي ورقة تعتبر محروقة حاليا كون ايران تمثل ( هي وحليفتها العراق ) مصدرا مهما للطاقة في المنطقة تستطيع امريكا من خلالهما الاستغناء عن حاجتها النفطية لدول الخليج بل ان امريكا بتقاربها من ايران سوف تجبر دول الخليج على تقديم المزيد من التنازلات السياسية لها للإبقاء على مستوى علاقاتها مع امريكا على نفس الوتيرة السابقة مما ينتج عنها توترات جديدة في العلاقة بين الطرف الخليجي والإيراني بسبب المنافسه المحتملة بين الطرفين للتقرب مع امريكا قد تتعدى اثارها النواحي السياسية لتصب في موضوع تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة وإثارته بشكل اسرع واقوى وهذا ما يصب في صالح السياسة الامريكية والإسرائيلية في المنطقة .
- ليس مستبعدا ان يكون التوجه الامريكي المحتمل صوب ايران يمثل رد فعل امريكي على سياسات بعض دول الخليج التي اعطت لأمريكا صورة مشوهة عن الاوضاع الداخلية في دول ثورات الربيع العربي جعلتها تتخذ على اساسها مواقف غير صحيحة اضرت بالمصالح الامريكية في الوضع العربي الجديد بشكل كبير .
استنادا على ما سبق قد يكون التقارب الايراني الامريكي خطوة تكتيكية من اجل مكاسب سياسية مؤقتة للطرفين او لكسب الوقت كما ذكرت بعض المصادر ولكن من غير المستبعد ان تتحول هذه المكتسبات الانية لتحالف ستراتيجي بينهما اذا ذللوا العقبات التي تعترض طريق هذه الخطوة وحينها سيكون الجانب العربي هو الخاسر في هذه المعادلة الجديدة كعادته دائما .