المنبرالحر

متى سيستفيق نظامنا السياسي من غفوته وينتبه لهذا الشعب الذي يأكل في لحمه ؟ / صادق محمد عبد الكريم الدبش

أثار شجوني ما جاء به أحد الأساتذة الأفاضل ، على التواصل الأجتماعي عن موقف المثقف العراقي ، من كل الذي جرى ويجري اليوم .
ولأهمية هذا التساؤل وحجم المأزق الذي يمر به شعبنا وبلدنا اليوم ، والمعاناة الكبيرة التي أعترضت مسيرته وهو صابرعلى كل تلك الأهوال والمصائب ، ومنذ ما يزيد على الثلاثة عقود وأكثر .
وتعمق الأزمات ما بعد الأحتلال الأمريكي للعراق في 2003 م ، وما يتحمله من تبعات ما حدث ويحدث ، فكان من الأَوْلى به أن يعيد بناء الدولة التي أسقطها !، حيث أنه لم يسقط نظاما وحسب !... بل أسقط الدولة بكل مؤسساتها .
لم تساعد دولة الأحتلال !.. وحتى بالحد الأدنى !!.. وتشرع في مساعدة العراقيين على بناء نظام ديمقراطي علماني أتحادي ، عراق موحد ومستقل .
فجاء الأحتلال تحت يافطة ( الديمقراطية المسلفنة !! ) .. والمساعدة على أعادة بناء الدولة ومؤسساتها ، ..لم ير شعبنا من هذا شئ أبدا !.. بل العكس !!.. فقد أشرف وبتبصر شديد على تهديم صرح الدولة ونهب مؤسساتها وأمام الأشهاد ، والأنكى من ذلك !.. فقد مكن قوى الأسلام السياسي بتصدرهم الحكم والأستيلاء على السلطة ووبتدخل مباشر من جمهورية أيران الأسلامية !!
بالوقت الذي شعبنا تواق لنسائم الحرية والديمقراطية وللرأي الحر وقيام نظام عادل على أنقاض النظام القديم ، عبر فترة أنتقالية تضع البلاد على السكة الصحيحة !!... يقوم على أنقاض نظام دكتاتوري قمعي قاتل !.. الذي أدخل العراق بحروب عبثية مدمرة ، وتعرض شعبنا لحصار جائر تسبب بالجوع والحرمان والبؤس !
كان يجب على دولة الأحتلال حماية مؤسسات الدولة ، التي ستكون ركيزة للبناء الديمقراطي العادل !
السلوك الأمريكي أفضى الى تدهور الوضع السياسي والأقتصادي والأجتماعي والخدمي والأمني، وزاد الصراع السياسي والأثني والطائفي والمناطقي ، مما أحدث شرخا كبيرا في مجمل المناحي الحياتية ، وساهم في تفتيت تماسك النسيج الأجتماعي وأخل بشكل كبيرباللحمة الوطنية ، وأضحى يهدد حاضر العراق ومستقبله ووحدته .
مازالت السياسة الأمريكية لا تصب في صالح شعبنا وحاضره ومستقبله القريب والبعيد
ولو كان الأحتلال الأمريكي جاد لكان بأمكاته وقف التدهور!؟.. وحقن النزيف الغزير للدم العراقي ، ولتدخل لأيقاف هذا التدهور !.. بالوقت الذي كان العالم والأحتلال الأمريكي يتفرجان على هذا الخراب والدمار في هذا البلد العظيم !!؟
كان عليهم أن يصغوا لمنطق العقل ! .. وويراعوا مصالح وتطلعات شعبنا الساعي لبناء دولته على أساس ديمقراطي عادل ، يمثل طموح وتطلعات مكوناته المختلفة ! .. بقيام دولة المواطنة والدستور والقانون .
هنا لابد لنا ان نوضح حقيقة نظامنا السياسي وهوية الدولة القائمة اليوم !
النظام القائم ومنذ عقد من السنين ، يؤسس لبناء ثقافة الدولة الدينية ، التي هي بالضد من تطلعات شعبنا والمعادية للديمقراطية ولدولة المواطنة !
أقاموا صرح دولة فاشلة ... وغير دمقراطية ، والتي تحولت الى بؤر للفساد و المحسوبية والطائفية السياسية ، التي تقودها ( قوى الأسلام السياسي ... التحالف الوطني الشيعي بالتحديد ؟؟) !
كل المؤشرات تشير الى أن هذه القوى !.. تؤسس الى الدولة الدينية ، والحياة أثبتت بما لا يقبل الشك بحقيقة توجهم هذا ، والوقائع تشير والسياسات التي أتبعوها وأسلمة الدولة والمجتمع ،وهو نهج معاد للديمقراطية وللتحضر والتقدم ، خطوات متخلفة ومدمرة لحاضر العراق ومستقبله !.. وكل المؤشرات تشير الى ذلك ، بفرض رؤيتهم على الجميع !.. والمتقاطعة مع دولة المواطنة ، ومع حركة التأريخ والحضارة الأنسانييتين ، سياسة معادية للثقافة وللمعرفة ولتقاليد شعبنا الوطنية ، وقبل كل هذا وذاك !.. معادية للديمقراطية ، و للمرأة وحقوقها ومساواتها ، ولحقوق الأنسان وحق الأختلاف .
وهناك ما يدعو الى القلق ، فأن من بيده مقاليد الحل والربط في أدارة الدولة ومؤسساتها ، يفتقرون الى الحد الأدنى من الدراية والخبرة والكفاءة ، والمهنية والوطنية والنزاهة في أدارة الدولة ، فهم يعتمدون في أدارتهم للدولة !!.. على جوهر فلسفتهم القائمة على السلفية الجامدة المتحجرة والمتخلفة مثلما ذكرنا ، و الغير منسجمة مع حركة الحياة .
ونتيجة لهذا النهج .. ولسياسة المحاصصة والتفرد في أدارة الدولة ، وللفساد المستشري في الدولة ومفاصلها وبأشكاله المختلفة !.. ونتيجة لهذا الفساد ، والذي خرج من رحمه الطفيليين والمرابين وتجار السياسة ، وتجار السلاح والمخدرات والجنس والمتاجرين بالأعضاء البشرية وغيرهم ، وهم شريحة طارئة على الحراك الأجتماعي الطبيعي !!.. وقد تسلقوا الى مراكز الدولة بشكل أستثنائي !... وأعتقد وجودهم لا يطول !.. وهم من نتاج سياسات النظام القديم وأمتداداته لفترة ما بعد الاحتلال ، وأستشراء الفساد بكل أشكاله وللطائفية السياسية ولغياب العدل والمساوات ! ، وهي غير منسجمة مع التطور الطبيعي للمجتمع ولحركته في أوجهها المختلفة ، وكما بينا بأن هذا متقاطع تماما مع بناء الدولة العصرية الحديثة ومع أنسنة الحياة .
غياب الخطط والبرامج والقواعد لشكل النظام الأقتصادي للدولة ( رأسمالي .. او أشتراكي .. أو مختلط ) وهذا يشكل قصورا واضحا لأسس وقواعد بناء الدولة والقوانين التي تحكم السوق وحركته !!..وطبيعة الأقتصاد وتحريك عجلته في الميادين كافة ( الصناعي والزراعي والخدمي والتجارة الخارجية والداخلية وغير ذلك !.. والنظام السياسي القائم اليوم ، يقمون بالجمع بين سلطتهم الدينية وأدارة الدولة !!.. فيسيرون البلاد بأجتهاداتهم العقيمة والميتة !!.. وبما يَرَوْهُ ويعتقدون به منطلقين من الرؤيا الدينية والأيديولوجية .. وأحلامهم في بناء دولة الفقيه !؟
فنتج جراء ذلك أنهيار صرح الأقتصاد بكل مناحيه !.. وبالرغم من أرتفاع عائدات النفط ، جراء أرتفاع أسعار البرميل من النفط الى أن وصل المائة دولار ولسنوات عدة قبل أن تنخفض أسعاره اليوم ، وما جنته الحكومة من مداخيل هائلة التي دخلت لخزينة البلاد خلال سنوات حكمهم الأهوج !.. ولكن هذه الثروة تبخرت وذهبت لجيوب الفاسدين .
ماذا أنجز هؤلاء لشعبنا ؟... أنجزوا خرابا ودمارا وفسادا وجوعا وبؤسا وفاقة ، وجيش من العاطلين والبؤساء والجياع والمشردين وملايين النازحين ، وغياب للخدمات ، وتسرب الألاف من التعليم ، وجيش من الأرامل والثكالى والمعوزين ، ولدينا أكثر من 15 مليون أنسان يعانون من سوء التغذية ونقص الدواء والكساء والسكن ، يقابله تسرب المليارات الى جيوب هؤلاء من الذين أضحوا من الطبقة الطفيلية الغنية من الحاكمين والمتنفذين والطفيليين والسماسرة ... الذين جلهم لم يكن لديه ما يسد رمقه قبل الأحتلال الأمريكي عام 2003 م !!؟.
بالرغم من فشلهم الفاضح والواضح في أدارة الدولة وشؤون البلاد ، نتيجة سياستهم وفلسفتهم وجوهر تفكيرهم ، وجهلهم ..وبالرغم من هذه الفترة الطويلة في حكمهم البلد !..فإنهم عاجزون بأن يتقدموا حتى خطوة واحدة نحو الأمام ، والسير ببناء دولة العدل والمواطنة !!! .. التي تساوي بين مواطنيها !!؟
أعتقد جازما !..وما أفرزته الحياة من تطور وتقدم ، وما أنتجته من مفاهيم وقيم تتقاطع تماما مع نمط تفكيرهم ، والدليل على ما أقول هو ، أنهم .مازالوا مصرين على تعاملهم مع الأخر من منطلق الخصوم والأعداء ، ولا يقرون بمبدء الأختلاف وتعدد الأفكار والفلسفات ، ويتعاملون مع الأخر بشكل عنصري وعلى أساس الحزب والطائفة والدين والقومية ، ولا يريدون أن يبنوا دولة على أساس ديمقراطي علماني أتحادي ، وتكون المواطنة هي المعيار في التعامل مع الأخر ، وهنا تكمن المشكلة !
وهناك دليل أخر !.. وهو منذ سنتين مضت والجماهير وشعبنا والكثير من القوى الوطنية والتقدمية وما تم عرضه في سوح التحرير والتظاهرات التي تجوب المدن على طول العام !... فما زالوا يراوحون مكانهم ولم يتخذوا أي اجراء حول أعادة بناء الدولة وتعزيز ذلك بخطوات عملية ملموسة تعطي أشارات للأخرين بأن عجلة اعادة بناء الدولة قد بدأت !؟ ... ولم يحصل شعبنا سوى على وعود كاذبة ومضللة وخادعة !!
فقانون أنتخابي فصل على مقاس الحيتان الكبيرة !... والمفوضية هي نفسها !.. مجلس الخدمة على ما هو ..! ( أوعدك بالوعد !.. وأسكيك ياكمون ! )
الخدمات صفر .. البطاقة التموينية ولا توجد أسوأ منها ولا أفسد منها !
عجلة الأقتصاد متوقفة .. والحكومة تهرول وراء صندوق البنك الدولي لأستجداء القروض لدفع الرواتب والأعانات ، وغياب التقصي عن الفاسدين ؟ ( وكيف لهم البحث عن هؤلاء والحرامي هو من أهل البيت ( يعني الخال وبن أخته ! ) !ّ!
ولا يوجد أمل ببناء مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية ومهنية ومستقلة ، وتدار من قبل أناس مستقلين ، وهم يقومون ببنائها على أساس الطائفة والحزب والعشيرة ، وتدار من قبلهم حصرا !
ومثلما أسلفنا !.. مازالت الميليشيات تسرح وتمرح وبعدتها وعديدها ، وعدم قدرة الدولة على حصر السلاح بيد المؤسسة الأمنية والعسكرية ، وهذه أس المشاكل وأساس البلاء والسبب بغياب الأمن منذ سنوات وغياب الأمن والخطف وأنتشار الجريمة بشكل فاضح وواضح !
وبين فترة وأخرى ينبري هؤلاء الفاسدون بلعبة بهلوانية مكشوفة ومفضوحة!.. تحت يافطة المصالحة .. والمشاركة مع الأخوة السنة والحلفاء الأكراد ومن أجل التعايش بين المكونات والأديان والطوائف !!.. و للمصالحة ورأب الصدع وتخطي النهج الطائفي للدولة !!؟ حسب ما يدعون هم !؟.. وبدعوى وضع الماضي وفشله خلف ظهخورنا 1
فيعرضوا علينا أخر الموضات المبتكرة والحديثة من ( بدأ من خططهم الأنفجارية !.. في السكن والتعليم وتشغيل العاطلين ، وتقديم الخدمات والمبادرات التأريخية والرؤية الوطنية ، وتسويقها كونها برنامج عمل وخطة التحالف الوطني في أرساء دعائم الدولة اللاطائفية والوطنية والمدنية ، من حيث تم الأعداد لها والتحضير لهيكلة بنودها وعرضها على القوى والأحزاب في العراق وخارجه وعلى المنظمات الدولية وأطلقواعليها ( المبادرة التأريخية ! ) !
وتتويج كل ذلك بمؤتمرعقد ما أصبح يعرف ( بمؤتمر بغداد وما جاء بكلمات السادة الحضور ، وفي المؤتمر الصحفي للقيادي في المجلس الاعلى الأسلامي همام حمودي وما سطره من وعود !وما أصبح يطلقون عليه حوار بغداد !.. وربما سيخرجون علينا غدا أو بعده بمشروع نهضوي فريد وتأريخي !) !
أنا أسأل هنا ؟... نحن نريد القبض ؟ ... أم سنقول لشعبنا ( أقبض حسابك من دبش ؟ )
هذا السلوك مكرر وأصبح مملا وصفيقا وصقيعا !
أسأل قوى الأسلام السياسي سؤال بريئ !... ( الميليشيات التي كانت قائمة قبل تشريع وشرعنة قانون الحشد الشعبي ؟... مثل بدر .. وعصائب أهل الحق .. وسرايا السلام وحزب الله .. وأبو الفضل العباس والفرسان وغيرها العشرات .. ماذا حل بها ؟ .. وهل تم حلها جميعها وتوحدت هذه الفصائل في الحشد الشعبي ؟ .. وتم مصادرة معداتها وممتلكاتها ؟ .. وأصبحت هذه من أملاك الدولة ؟.. بأعتبار أنها تم توحيدها وتحت قيادة واحدة وتنظيبم وأدارة واحدة ؟
أم يبقى الحال على ما هو عليه الى ماشاء الله ؟ ... وهل تعتقدون ياسادة بأن الألتفاف على القانون واللعب عليه سيحميكم من الملاحقة والمحاسبة ؟ مستقبلا نتيجة تحايلكم هذا ؟
لماذا لا تتراجعوا عن غييكم وعن نهجكم وتتبعوا الحكمة ومنطق العقل والتعقل ؟
وتتركوا السياسة لأهلها !.. وتعودوا الى دور العبادة كدعاة واعظين وعلماء وفقهاء تتفقهون وتفقهون بأمور دينكم !.. وتعودوا الى جوامعكم وحسينياتكم ، فهو مكانكم الطبيعي والصحيح والسليم !... فمكانكم هناك وليس في الجمع بين السلطتين ( الدينية وبسلطة الدولة ! ) وأنتم تعلمون بما مني من كان قبلكم من الأديان الأخرى عندما خاضوا تجربة الجمع بين السلطتين !والذي تسبب جراء ذلك بصراعات وحروب وكوارث !
فهل تريدون تكرار هذه التجربة المريرة والقاسية والظالمة ؟
أعتقد بأن السبيل للخروج من هذا المستنقع ، ومن هذا الجب والهوة السحيقة ... هو الفصل بين الدين والدولة !!
لا خيار أبدا أمام شعبنا وقواه الوطنية والتقدمية والديمقراطية والمحبة للعراق ولشعبه وتأريخه وتراثه وحضارته ، سوى العمل على قيام حكومة تكنو قراط ... حكومة أنتقالية وطنية .. من الخبراء والمختصين ومن أصحابي التأريخ الوطني المشرف .. ويتمتعون بالنزاهة والأمانة والمهنية .. وتكون هذه الحكومة ذات صلاحيات واسعة ، وتأخذ على عاتقها أدارة البلاد في فترة أنتقالية لمدة على سبيل المثال ( خمس سنوات ) وتأخذ على عاتقها تشكيل لجنة موسعة للنظر في التعديلات الدستورية الضرورية ، وأعادة بناء مؤسسات الدولة والقوانين المنظمة لذلك ، وما تحتاجه من هيئات ومفوضيات ومجالس متخصصة لمتابعة أرساء دعائم الدولة ، والتقصي الحازم من قبل القضاء العادل والنزيه والشفاف ، عن كل العمليلت التي حدثت خلال العقد ونيف من السنين ، من سرقات وهدر للمال العام والجرائم التي أرتكبت بحق الأبرياء ، وتسليم نصف مساحة العراق لداعش الأرهابية ، وغيرها من الأجراءات التي تؤسس الى بناء دولة المواطنة .. دولة الدستور والقانون ، والفصل بين السلطات ، والتصدي للطائفية السياسية والعرقية ..وللمحاصصة المدمرة للبلاد والعباد ، والمساعدة في تسريع العمل لكي تدور عجلة الأقتصاد المتوقفة ومنذ سنوات ، هذا غيض من فيض من مستلزمات أعادة بناء الدولة ... ولا خيار أمام شعبنا غير ذلك ، وكل ما يتقاطع مع هذه التوجهات والضوابط ، فهو عبث سياسي عقيم ، ويعني أطالة أمد الأزمة المستفحلة في البلاد !.. ووضع السواتر والمتاريس والعقبات بوجه عملية التغيير ، وهذا كله يصب في مصلحة القوى الحاكمة .. والشرائح الطفيلية التي أنتعشت وأثْرَتْ على حساب الملايين من الجياع والأرامل والثكالى والمعوزين ،، لتتحول هذه الاموال الى أرصدة ومبان ومصانع وكازينوهات وبيوت فارهة وعامرة في البلاد الأجنبية !.. والدول الاقليمية والعربية والاجنبية .. ومن يعتقد غير ذلك فليرمي ببضاعته في سوق السياسة الرخيصة والرائجة في عراق اليوم .