المنبرالحر

متى يطبق مبدأ "من اين لك هذا" ؟ / محمد موزان الجعيفري

لايخفى على احد من العراقيين مايعانونه من كساد في الذاكرة تجاه السياسيين الذين يحكمونهم وعلى وجه الخصوص سياسيي الصدفة ، اولئك الذين جاءت بهم مفارقات الاحتلال بكل ما انطوت عليه الاحداث التي لم تكن في الحسبان، ولذلك تصدروا على حين غرة صدارة المشهد السياسي في البلاد، مع انهم مجموعة من الشخصيات المعروفة بفشلها ولفرط ذهولها بالمناصب التي لم يخطر ببالهم الوصول اليها اصيبوا بما يطلق عليه ( جنون السلطة ) الامر الذي قادهم الى ارتكاب ممارسات طائشة ماانزل الله بها من سلطان، وعلى اثر ذلك تملك العالم شعور بالعجب لهذه الممارسات التي لاتقل ضراوتها وقسوتها عما كان يجري من ممارسات ابان الحكم الاستبدادي التي وضعت العراق على مقربة من اخطار شتى هددت البلاد ووضعتها في مهب الريح ومن عجيب الامور ان سياسيي مابعد 2003 والذي اصطلح على تسميتهم (سياسيو الصدفة) سرعان ما هرعوا وبكل ما يملكون من وسائل الى زرع الطائفية بصورها المختلفة بحجة ارساء اسلوب المحاصصة في الحكم وعبر مسوغات وحجج اقامة التوازن بين مكونات الشعب العراقي ولكن بمرور الزمن وشيئا فشيئا انتبه الناس الى ماينهب من المال العام وهيمنة مطلقة على المواقع والمناصب المهمة في الدولة ثم مانجم عن ذلك من هدر للطاقات وتعطيل للقطاعين الصناعي والزراعي في البلاد علاوة على عدم الالتفات الى الخدمات العامة وعلى رأسها مايعتري الطاقة الكهربائية من تدهور ونقص في الانتاج وتلكؤ في المشاريع اضافة الى ذلك كله اطلاق يد المليشيات في البلاد لتعكير امن المواطنين وترويعهم.
ان هذه الممارسات تقودنا الى الاعتقاد ان ماقدمه سياسيو الصدفة لايعدو ان يكون شيئا ضئيلا ومتواضعا بالقياس الى الاموال المهدورة والسنين المنقضية من عمر الحكومات التي توالت على الحكم الى يومنا هذا ولم يتحقق شيء من وعود ما انفكوا يرددونها سنة بعد اخرى من دون جدوى. ومع ذلك فان عباراتهم ظلت تأخذنا يوما بعد اخر الى الشك والارتياب تجاه نواياهم المتمثلة في تاكيداتهم في تفعيل دور النزاهة ودعمها وتشكيل هيئة عامة لمكافحة الفساد وفتح ملفات الفساد التي تخص شخصيات كبيرة في الدولة وليس ابلغ على ذلك ماسمعناه من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بفتح ملفات يمتلكها هو شخصيا حول شخصيات يعنيها والتي ظل يرددها طوال ولايتين متتاليتين من عمر حكومتيه السابقتين والغريب في الامر ان تلك التهديدات ظلت الى يومنا هذا حبرا على ورق وهي تهديدات بالضرب بيد من حديد حتى لو كلف ذلك التضحية بحياته.
وعلى الغرار نفسه دعا العبادي الى تشكيل حكومة تكنوقراط يسعى الى تنفيذها حتى لو كلفت حياته، وتلك الدعوات ان دلت على شيء انما تدل على انتفاء اي فروقات تذكر بين مافعلته الحكومات السابقة وماتفعله الحكومة الحالية فكلاهما يدور في فلك واحد وحلقة مفرغة من دون تحقيق شي على ارض الواقع فكلما كانت الكلمات اكثر قوة كانت الافعال اشد ضعفا وهذا ينطبق على الرئاسات الثلاث كلها التي قادت البلاد من فشل الى اخر.
لقد كان الاولى برئيس الجمهورية معالجة امتيازاته الرئاسية قبل كل شيء، لانها تكلف خزينة الدولة اموالا طائلة لايناظرها مثيل في العالم والامر لايختلف كثيرا مع رئيس مجلس الوزراء والمحيطين به من الذين عجزوا حتى الان عن احداث تغيير جذري يتمثل بضرب الفساد وتحسين الاداء الحكومي في اقل تقدير، وخلاصة القول ان ما يعيد للبلاد توازنها وهيبتها وينأى بها هو الكشف عن المفسدين مهما كانت مناصبهم او شخصياتهم واستعادة الاموال المسروقة منهم واحالتهم الى المحاكم المختصة تطبيقا لمبدأ "من اين لك هذا" ومساءلة المتورطين في سقوط بعض المدن العراقية بيد داعش الارهابي ويبدو ان هذه الاجراءات لم ولن تأخذ سبيلها الى التطبيق، بل انها اصبحت من المعجزات التي يعرف الجميع صعوبة تنفيذها!
فلا بد للجهات المعنية، ان كانت جادة في محاربة الفساد من السعي الى تطبيق شعار ( من اين لك هذا ) بكل جوانبه .