المنبرالحر

متى تدق الساعة؟؟/3 /د. ناجي نهر

فى القسم الاول من هذا المقال اشرت الى ان ساعة الثورة ستدق فورا ، لتوفر شروطها الذاتية والموضوعية من ظلم وفقر ودماء وفى القسم الثاني اشرت الى اسباب تأخر الثورة ، وفى هذا القسم الثالث سأشير الى انواع الثورات وتعدد واجهاتها ومبادئها الاساسية التي يعد كل واحد منها ثورة لوحده او بابا من ابوابها، او وجها مشرقا من اوجهها ، سيمهد لها ،ويعمل على ضمان نجاحها ،ذلك بسبب ان المناضل دائم التحدي والحركة والتجديد والتقدم الى امام، ولن يقف امامه عائق مهما كان خطرا ،وعصي التحقيق.
غير اني بادئ ذي بدء ، اود تذكير شباب الثورة بضرورة الالتزام الكامل بمبادئ ثقافة عصرنا الاساسية ،التي لن تجيز لاي كان ،ولاي سبب كان (استخدام العنف).. واذكرهم ايضا بان تحقيق اي مبدأ من مبادئ الثورة الاساسية بنجاح ،انما هو ثورة بذاته، وان المبدأ الاساس الذي ينبغي انجازه اولا ،هو (التوعية) الجماهيرية الشاملة بضرورة التجديد نحو الافضل.
لذلك نرى فى سجايا الثوار هذه الاثرة الانسانية والتضحية البطولية النادرة والصبورة ،وبخاصة فى انجاز مبدأ (التوعية) اولا وقبل كل شئ ،لان فى انجازه كما ينبغي انجازا لمبادئ الثورة الاساسية بالكامل.
وللتوعية فى مبادئ الثورة اساليب متنوعة ،سيشير اختيارها الحاذق والنافع، نحو عبقرية الثائر واصالته الفكرية والقيادية ، من ذلك على سبيل المثال اختيار الثوار لاسلوب [ الغناء والطرب والموسيقى] فى الهواء الطلق كواحد من اساليب تحقيق الثورة الثقافية ،واعتماده كاساس لبناء صرح ثورة التغيير والتجديد المطلوبة.
فقد هزني من الاعماق الاسلوب الذي شاهدته فى تحقيق الثورة الثقافية ،فى جزيرة (مالطا) حيث تجمهر الوف الناس لمشاهدة العرض (الموسيقي الغنائي) الذي ابتدأ من غروب الشمس ودام حتى شروقها، وبالمناسبة فجزيرة (مالطا) هي دولة أوروبية، تقع جنوب صقلية في إيطاليا, شرق تونس وإلى الشمال من ليبيا.. متكونة من ثلاث جزر صغيرة تقع في البحر الابيض المتوسط، ،مكتظة بالسكان يطلق عليها البعض لقب "سويسرا البحر المتوسط"ولغتها لغة سامية فيها تشابه كبير باللغة العربية نظرا لقربها من العالم العربي.. وعدد سكانها لا يزيد على الأربعمائة ألف نسمة.
فقد تنقل الناس فى اجواء ذلكم الحفل البهيج وهم فى نشوة الفرح ،يغنون ويرقصون على انغام الموسيقى والغناء ،ويهتفون ويصفقون ويتسامون سموا ملحوضا ومحببا مع المغنين والراقصين وفيما بينهم ايضا ،فيطلعك المنظر على عمق ثقافة هذا المجتمع وصلته الوثيقة بثقافة العصر واهدافها الانسانية وعمق المحبة والاحترام الفائق للانسان العظيم ،خالق الحياة الاوحد ومطورها ،وموحد هدفها وعملها الخلاق المنتج للخير والسعادة والتطور المستدام لشعبه وشعوب العالم طرا.
فلقد خلقت تلك الامسية ثورة شعبية جماهيرة بحد ذاتها ،فحققت اهدافها التوعوية بعلم الموسيقى والغناء ومدى حاجة الناس الى تعلم هذا العلم الانساني الموحد للصفوف والدافع لوحدتها والمنقي لافكارها وثقافتها ،فقد تبادلت تلك الجموع الغفيرة الآراء خلال فترات الاستراحة ، واتفقت على العمل المناسب لانجاز الضروري منه.
فالذي ينظر الى الفتاة المالطية والشاب المالطي وهما يرتفعان زهوا بانسانيتهما ويبتسمان سوية لثقافتهما ، ويرقصان معا بحريتهما دون رقيب وحسيب!! ويفتخران بثقافتهما المتناسبة مع ثقافة عصرهما ، سيزدادا نشوة وسعادة واملا بالحياة ، التي سوف لم تعرف لمفردة الاذى وازعاج الآخر مذاقا ومعنى بعد اليوم.
وبالضرورة فستستوحيك المقارنة بما تشاهده من مفارقات ثقافية بين هذه الشعوب المتطورة وبين ثقافة مجتمعات العالم الثالث المتخلفة ،وستلفك مقارناتها بالحسرة على شعبك الذي يعاني من الجوع الثقافي والتخلف الروحي المميت..فوا حسرتاه على شعوبنا المظلومة جراء انانية وانتهازية المتسلطين عليها وانتهازية الوعاظ الاكثر مكرا وفسادا فى الارض!!!!.
ومما لا شك فيه فان المقارنة (الظيزا) غير العادلة ،بين ثقافات الشعوب المتقدمة وشعوبنا الثالثية ، ستدفع المخلصين لشعوبهم نحو تذكير الشباب العلماني الثائر فى اطراف المحافظات الغربية العراقية وعلى ضفاف الانهار والاهوار وفسيح البادية باهمية سبر غور وسائل الاعلام والاتصال التي غدت العامل الحاسم فى الثورة والتجديد الافضل وانجاز مهمات التغييرالمطلوب بمهارة، بخاصة اذا ما استخدمت تلك الوسائل بمعرفة علمية وابداع.
فبامكان الشباب العلماني الثائر فى محافظة الرمادي على سبيل المثال ،ومن خلال الاستعانة بالمنظمات الجماهيرية والحكومية والمعارف (تغيير) واقع الثورة واسلحة (المكوار والفالة) بالوسائل السلمية الحديثة على وفق اساليب الثورة الجديدة ،وبالاقتداء بما تصنعه الشعوب من معجزات خارقة ، فثورة الشعب المالطي المعاصرة دائمة التجديد لكونها متكئة على تقنية وسائل الاعلام والاتصال المعاصرة واستخدامها بمهارة ،وهو ما سيساعد الشباب العلماني الثائر فى مختلف المحافظات على انجاز عملهم التوعوي الجماهيري وبخاصة فى محافظة الرمادي واستغلال ليالي الصحراء وهوائها العذب فى الصيف العراقي اللاهب ،فى احياء هذه الليالي الموسيقية الممتعة ، فلم يكلفهم هذا العمل التوعوي الجماهيري سوى (شاشة بيضاء) تنصب فى الاماكن الجميلة المختارة المكللة بعناية الثائر الحاذقة وعرض كاسيتات و( اشرطة وتسجيلات) مختارات موسيقية شيقة مما يبدعه فنانونا وتبدعه الشعوب ،لكي تمكن شعبنا من الفرح والاستزادة من الوعي الجديد المتدرج الهادف نحو الوصول لمستوى ثقافة الشعوب المتطورة..
فالمسابقات الكروية والحفلات الموسيقية ، قد اضحت هي المتنفس الوحيد لمجتمعات العالم الثالث .. وبشرط الابداع العلمي فى استعمالها.
غير انه لا بد من الاعتراف بان مهمة الشباب المناضل هذه ،وفى هذا الواقع الاسلاموي الدموي المتشدد ،قد اضحت مهمة نضالية صعبة وخطرة للغاية وغالية الثمن ، ولكنها مع ذلك مطلوبة سواء كانت فى محافظة الانبار بشكل خاص ،او فى اي محافظة من محافظات العراق الاخرى.
واكرر ثانية وثالثة بان الثورة الشبابية المعاصرة لا يمكن انجازها بإراقة الدماء بعد اليوم ، وانما من خلال رفع المستوى الثقافي المعاصر فقط ليس غير !!.
نعم ستكون الثورة من خلال رفع مستوى الوعي الانساني الجديد فقط وليس غير !!..نعم من