المنبرالحر

كارثة نازحي الموصل تفضح الجميع / جواد وادي

يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت " من يجعل من نفسه دودة فلا يغضب عندما يدوس عليه أحدهم".
وما يحدث الآن في العراق وتحديدا في نينوى الذبيحة، قد حول الغالبية إلى ديدان ومخلوقات فاقدة لصفة الآدمية، وحين نقول الغالبية لا نعفي أحدا أبدا، لا عراقيين ولا غيرهم وأنت تشاهد مرارة ما يجري للأبرياء وحجم المأساة التي يعانونها، وهم متروكون في العراء، جياع، حفاة، عراة، لا سماء تحميهم ولا أرض تؤويهم، وهم في غالبيتهم من الفقراء والمعوزين وذوي الحاجة لمن يبحث عن الرحمة وإنقاذ هؤلاء الأبرياء المغلوبين على أمرهم، لأن هناك فئة من المهجرين الموسرين، قد اختاروا أماكن أكثر أمنا وراحة، حتى يأتي الفرج بعد التحرير ويتساوى الجميع، معدم وميسور، لأن الطمع الذي يستوطن في النفس البشرية غير السوية تجاهد لسرقة لقمة الفقراء، وهذا ما نراه بشكل جلي في المجتمع العراقي الذي ابتلى بتناسل الديدان ومصاصي الدماء من الحشرات القاتلة، حتى عاد من العسير التمييز بين من هو بحاجة للعون وما هو دون ذلك.
أن المشاهد المريرة التي تطالعنا عبر وسائل الإعلام، حالات تدمي حتى من لا قلب له، وأنت تشاهد جحافل البشر العراة الحفاة الجياع المرضى ومن كافة الاعمار، يهربون بجلودهم من بطش فرسان دولة الخلافة، وما شاء الله عليها من دولة يقولون إنها ستكون على "نهج النبوة" حاثين جموع المسلمين للوقوف إلى جانبها ودعمها، وها هي ترتكب من الفظائع ما تقشعر لها أبدان حتى بهائم الله تتقزز مما يجري، والغريب في الأمر أننا وبشكل يومي نقابل بشرا من عينات مختلفة تبارك وتتبرك وتكبر علنا وفي الخفاء، لدولة الخرافة هذه، فهل باتت لدى البشر القدرة والقبول بأن يتحولوا إلى ديدان تزحف نحو الخراب، حتى وإن شمل ذلك الخراب تفاصيل حياتهم متمثلة بعيشهم وعوائلهم وأطفالهم ومستقبل من يكون قريبا منهم؟
إن لوثة بشرية عارمة بدأت تأخذ طريقها للعقول الرثة وتطغى بشكل مخيف، دونما تدخل ولو في حده الأدنى لوقف هذا المد المرعب، وأقصد هنا الدول المعنية بزحف الضواري والتي من الممكن واليسير جدا أن تتحول ظاهرة الخراب هذه إلى عقر دارها مع علم هذه الدول أنها تتوفر على كل العوامل التي تساعد على خروج هذه الديدان من جحورها وفي أية لحظة، إذ لا أحد أبدا في مأمن من هذا الطوفان المدمر.
هل وصلت البلادة إلى هذا الحد من تطبيق قولة " دوني والطوفان"؟ وأين هي الألسن الطويلة والدفاع المرائي وحقوق الإنسان والوقوف مع الناس المنكوبين حتى وإن كانوا في منأى عن جغرافية ما يحدث من فواحش، لأن الوازع الإنساني الحقيقي أن يتحرك وبقوة باتجاه هذه الحالات المريرة والمدمرة، والغريب في الأمر أنهم مهددون في كل لحظة بهذه الزلازل المخيفة. فماذا ينتظرون؟
إن حالة الغرور التي تتسم بها بعض الدول مندوف بروح الأنانية والحقد الأعمى وطمر الرؤوس في التراب، وكأن ما يحدث من أهوال لا يعنيهم، إن كانت في العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا أو غيرها من بلدان العوق العربية، سوف لن تنفع ولن تجدي والطوفان مهيئ للزحف حيث يكونون وحيث يتواجدون.
إن ما يحدث في نينوى واليمن وسوريا، ما هي إلا دروس بليغة للجميع وإشارات بالغة الدقة، بأن لا أحد في مأمن عما يحدث والأرضية التي ستدفع بالكارثة للحدوث قائمة وبقوة في بلدان، قد يعتبرها مسؤولوها هي في منأى عما يجري، وأن إجراءاتهم الأمنية وتحوطهم، تحت السيطرة، ناسين أو متناسين، بأن أسلحة الفتك الحقيقية تقبع تحت جلودهم وأقرب من رفة رموشهم، ولكن صم الآذان وتعطيل المجسات من أخطر الأسباب التي يقينا ستقود للكارثة. وهذا الكلام ليس على عواهنه أو مخاوف لا أساس لها من الصحة، إنما ما نعيشه ونلاحظه ونحسه بشكل قوي من خلال المعايشة اليومية له، دونما اتخاذ أي إجراء لوقف التسونامي القادم، خير دليل على دعم مخاوفنا هذه.
لهذا فأن جميع دول العالم مدعوة لتجنيد كل طاقاتها للوقوف بوجه هذا المد الأصولي المهول واتخاذ كل الإجراءات التي تحول دون حدوثه وقبره في مهده، ووسائل التصدي الفعلي طالما تناولها الخبراء وعالجها المختصون وتحدثت عنها الدراسات والندوات، باجتثاث جذور الظاهرة، لأنها هي من تقود لهذا الغلو والتطرف وبالتالي تجنيد مخلوقات من صنع الواهمين والمخبولين وأنصاف البشر، والطرق باتت معروفة للقاصي والداني، ولكن لا حياة لمن تنادي.
إن ما يجري في الموصل من حالات تدمي القلوب تدفعنا لأن نضع عشرات الأسئلة لما لغموض المواقف وبرودة المبادرات وتطوع الآدميين من حكومات ومنظمات ومعنيين، دولا وجمعيات من مختلف المشارب الممتدة على جغرافية أرض الله لأن يحركوا بدواخلهم ذلك الحس الإنساني المتجرد من أية أهداف، سياسية ودينية ومذهبية وقومية وغيرها، لأن هكذا حالات مرعبة هي المحك الحقيقي لتمييز الآدميين عن ديدان الأرض.
وما يعنينا كذلك ونحن نعيش ولو عن بعد حجم المأساة، أولئك المتأنقين من ذوي الياقات البيضاء وهم يعلنون وقوفهم إلى جانب المظلومين وهم يطلون علينا في فضائيات التدجين، ونحن نعرف أنهم هم الديدان الحقيقية والتي ينبغي أن تسحقهم أرجل العراة التي يغطيها الوحل، فهم أشرف وأنبل وأنقى من ساسة العراق المرائين الذين هم من ينبغي أن تتجه كل أقدام المسحوقين لأن تعفسهم غير مأسوف عليهم، دون أن ننسى الإشادة بذوي المواقف الإنسانية النبيلة ولكنهم القلة ويا للخيبة.