المنبرالحر

قانون العمل الجديد يحسم الجدل / وسام جاسب عودة

مع صدور قانون العمل العراقي الجديد رقم 37 لسنة 2015 ودخوله حيز النفاذ في شباط 2016 تمت معالجة الغطاء القانوني لحماية العمال من مختلف المهن والقطاعات والذين لم يشملهم قانون العمل السابق الذي كان ينطبق على القطاع الخاص والمختلط والتعاوني حيث ان القانون الجديد مظلة واسعة جدا لفئات أكثر من العمال ومن بينهم العمال بصفة عقود وأجور يومية في دوائر الدولة والقطاع العام والذين كانوا محرومين من الشمول بمميزات قانون الخدمة المدنية والتقاعد. فشمول تلك الفئات، والتي تقدر بعشرات الآلاف، بتلك الحماية القانونية فتح الطريق قانونا لشمولهم بقانون الضمان الاجتماعي رقم 39 لسنة 1971 وبذلك أصبحت تلك الفئة تحت الحمايات القانونية اللازمة والتي تؤمن لهم ولعوائلهم مستقبلا أفضل بعد أن كان مصيرهم مجهولا لمن لم يتم تثبيتهم على الملاك الدائم لدوائر الدولة والقطاع العام.
ولتأكيد ذلك قامت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مؤخرا بمفاتحة الوزارات والهيئات المستقلة والجهات غير المرتبطة بوزارات لغرض إعلامهم بشمول العمال من العاملين بأجر يومي والمتعاقدين في القطاع العام وكذلك شمولهم بقانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال وضرورة اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ ذلك.
وكان هناك جدل واسع وتحليلات بين الأوساط العمالية حول وضع العاملين بنظام الأجور اليومية والمتعاقدين مع دوائر الدولة والقطاع العام ان كانوا عمالا ومشمولين بقانون العمل الجديد أم هم موظفون تنطبق عليهم قوانين الخدمة المدنية .. ولتوضيح ذلك سنتناول وضع المتعاقدين وفق مشاريع استثمارية التي يظن البعض انها أصعب حالة يدور الجدل حول وضع انطباق قانون العمل عليها من عدمه. مع ضرورة الالتفات الى ان هناك 3 فئات من العمال في دوائر الدولة والقطاع العام: (1) الاجراء اليوميين، (2) المتعاقدين وفق مشاريع تشغيلية، (3) المتعاقدين وفق مشاريع استثمارية.
لنأتي الى الوضع القانوني للعمال المتعاقدين العاملين في المشاريع الاستثمارية، فهذه الفئة يتم التعاقد معها (عقد بين الحكومة والموظف المؤقت) وفق قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 603 لسنة 1987 المتعلق بتعيين موظفين مؤقتين في الأعمال ذات الطبيعة المؤقتة. وأود أن أبين ان قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 603 فيه عيوب قانونية ويتعارض مع قانون الخدمة المدنية النافذ وأنه اتخذ على خلفية قرار 150 لسنة 1987 الخاص باعتبار العمال في دوائر الدولة والقطاع العام موظفين بعد ان ايقن النظام السابق آنذاك ان فراغا وظيفيا قد حدث في دوائر الدولة والقطاع العام بسبب آثار القرار 150 وما تبعه من إصدار قانون العمل السابق رقم 71 لسنة 1987 والذي غطى فقط القطاع الخاص والمختلط والتعاوني وصعوبة تشغيل عمال دائميين أو مؤقتين في القطاع العام لعدم وجود غطاء قانوني لذلك. فتاريخ تشريع قرار 150 كان 19 آذار 1987 بينما كان تاريخ تشريع قانون العمل السابق 71 في 17 آب 1987، وتاريخ إصدار قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 603 كان بتاريخ 24 آب 1987. وهذا يدلل على حجم الإرباك التشريعي الحاصل آنذاك بسبب قرار 150.
نعود الى مناقشة قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 603 والعيوب القانونية الواردة فيه. حيث تشير المادة أولا من القرار الى انه للوزير المختص ورئيس الدائرة غير المرتبطة بوزارة أو من يخولانه (تعيين) الذين أكملوا الثامنة عشرة من العمر بصفة (موظفين مؤقتين) في الأعمال ذات الطبيعة المؤقتة. واستمر القرار بذكر جملة (موظفين مؤقتين) وهذا تناقض واضح ينم عن حجم المشكلة التشريعية في هذا الموضوع آنذاك.
فكيف يمكن أن ترادف كلمة "موظف" كلمة " مؤقت"؟ فتعريف الموظف في قانون الخدمة المدنية واضح جدا على انه ((كل شخص عهدت إليه وظيفة (دائمة) داخلة في الملاك الخاص بالموظفين)) ولنركز على ((وظيفة دائمة)) المقابلة لمصطلح ((الموظف)) . هذا من جانب، ولنعود للجانب الآخر وهو تعريف الملاك الوارد في تعريف الموظف في قانون الخدمة المدنية " فالملاك هو مجموع (الوظائف والدرجات المعينة لها) المصادق عليها بموجب قانون الميزانية أو من قبل وزير المالية ".
لم يحل الموضوع قانونا حتى ذلك التاريخ خصوصا في تعريف الموظف، حيث حاول النظام السابق تدارك هذا الخلل التشريعي ومعالجة ذلك في قانون الانضباط رقم (14) لسنة 1991 حيث عرف الموظف على انه (كل شخص عهدت اليه وظيفة داخل ملاك الوزارة او الجهة غير المرتبطة بوزارة). فنلاحظ ان التعريف الوارد بقانون الانضباط يختلف عن التعريف الوارد بقانون الخدمة المدنية حيث اسقط قانون الانضباط صفة الديمومة من الوظيفة ليشمل الموظف على الملاك الدائم والمؤقت. وهذا مناقض لتعريف الموظف في قانون الخدمة المدنية.
إذن أصبح واضحا جدا ان الموظف هو من تعهد اليه وظيفة دائمة بدرجة وظيفية. وهذا ما يتناقض مع تعريف الموظف ((المؤقت)) في قرار 603. إذن إن استخدام مفردة موظف في قرار 603 هو خلل قانوني واضح جدا، وبالتأكيد يدركه النظام آنذاك لكن لم يكن أمامه طريق آخر للتخلص من مفردة " عامل " في دوائر الدولة والقطاع العام. وقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 غير معني بموضوع التوظيف وشروطه بقدر ما هو معني بوضع قواعد انضباطية للموظفين.
الأمر الاخر ان قانون الخدمة المدنية يتناول موضوع شروط التوظيف والاستخدام، علماً ان المستخدمين وملاكهم لم يعد له وجود حيث الغي بموجب القرار (911) لسنة 1976. إذن قانون الخدمة المدنية يتناول موضوع التوظيف على الملاك الدائم فقط ولا يعطي أي صفة أخرى لموظف مؤقت أو متعاقد، وهذا يدلل على العيوب القانونية لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 603.
إذن ما هو الوصف الدقيق للعاملين وفق نظام الأجور اليومية والمتعاقدين (سواءً بنظام استثماري أو تشغيلي) في دوائر الدولة والقطاع العام؟ ما ورد أعلاه يثبت انهم ليسوا دائميين " حتى الان "وغير معينين على الملاك الدائم لعدم امتلاكهم درجات وظيفية . فقبل صدور قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 كانت هذه الفئة غير مغطاة قانونا لكن بعد ذلك أصبحوا تحت مظلة هذا القانون الذي تبين المادة (3 - أولا) منه نطاق السريان " تسري احكام هذا القانون على جميع العمال في جمهورية العراق او من هم بحكمهم ما لم ينص البند (ثانيا) من هذه المادة على خلاف ذلك" . والمشرع العراقي كان دقيقا جدا في موضوع الاستثناء وحسم ممن يمكن أن يكونوا خارج إطار قانون العمل وعلى وجه الخصوص في القطاع العام حيث أشار وبدقة الى ان من يستثنيهم القانون هم الموظفين العموميين المعينين وفق قانون الخدمة المدنية أو نص قانوني خاص وأفراد القوات المسلحة ومنتسبي الشرطة والأمن الداخلي. إشارة الاستثناء الى المعينين في القطاع العام تعني من هم موظفون دائميون على الملاك ولهم درجات وظيفية مصادق عليها بموجب قانون الميزانية أو من قبل وزير المالية، وعدا ذلك هم تحت غطاء قانون العمل وهذا يشمل العقود والاجور في دوائر الدولة والقطاع العام. وهذا يعني ان العاملين بنظام الأجور اليومية والمتعاقدين مع دوائر الدولة والقطاع العام تنطبق عليهم صفة " عامل " ومشمولون بقانون العمل ومنح صفة العامل لكل منهم جاء لتوفير الحماية القانونية لهذه الفئة ولشمولهم كذلك بقانون التقاعد والضمان الاجتماعي.
وعاد قانون العمل الجديد ليرسخ ذلك بما لا يقبل الشك في الاسباب الموجبة لتشريع ذلك القانون بذكر أحد اسباب التشريع بما يلي " ولإيجاد غطاء قانوني للعاملين بعقود في دوائر الدولة والقطاع العام وجعل خدمتهم مضمونة لأغراض منحهم الحقوق التقاعدية" . وإن الأسباب الموجبة هي جزء لا يتجزأ من أي قانون ويجري الحكم قضائيا في تفسير نصوص القانون والحكم بموجبها إن حصلت أية اجتهادات في تفسير مادة ما. ومما يجدر ذكره ان طرق التوظيف والتشغيل تختلف حسب القوانين التي تنظم ذلك.ففي القوانين العراقية " التوظيف" يرد فقط في قانون الخدمة المدنية (الوظائف الدائمية على الملاك) وما سوى ذلك هو تشغيل يختص به قانون العمل. وحالة عمال الأجور والعقود هي تشغيل وليس توظيف سواء كانت الأعمال دائمية أم مؤقتة طالما ليست هناك درجات وظيفية مخصصة لمن يؤدون تلك الأعمال، فقانون العمل يحدد طبيعة الأعمال بدائمة ومؤقتة وموسمية وجزئية.
النقطة المهمة الأخرى، ان تدرج القواعد القانونية يحسم الموضوع من جانب آخر فالدستور يأتي بالمرتبة الأولى في مرجعية التشريع وسموه، يأتي بعده القانون، ومن ثم اللوائح والتي تشمل (القرارات والأنظمة والتعليمات). إذن قانون العمل هو أسمى وأقوى قانونا من قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 603. فكل ما تم تناوله أعلاه كان بخصوص المتعاقدين وفق مشاريع استثمارية حسب قرار 603 وهي الفئة الأصعب حسب وصف المهتمين بهذا الشأن، أما المتعاقدين حسب العقود التشغيلية والأجور اليومية فالأمر لا يحتاج الى تفسيرات فهم مشمولون أيضا بأحكام قانون العمل دون أية تفسيرات واجتهادات