المنبرالحر

ميثاق الشرف ماذا تبقى منه؟ / عبد المنعم الاعسم

ينطبق ما كان يقوله «بسمارك» منظر فكرة توحيد الامم بالقوة ومستشار الرايخ الالماني الثاني العام 1871 على اعلان، وانهيار، مبادرة ميثاق الشرف والسلم الاهلي لنائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي، إذ ان عشرة ايام كانت كافية لرصد غياب النيات الجدية لترجمة الافكار الطيبة للمبادرة بصدد تجاوز الاحتقان الطائفي وتصفية القلوب الى ممارسات على الارض، على الرغم من ان الكلمات التي القيت في حفل التوقيع على المشروع في التاسع عشر من الشهر الجاري لم تخرج عن الترحيب بالمبادرة والموافقة عليها. كان السياسي الالماني يقول «إذا قال ش?ص ما أنه موافق مبدئياً على أمر ما فهذا يعني أنه لا ينوي تطبيقه البتّة» ويبدو ان المبادرة ما كانت لترغب ان تنال اكثر من الموافقة المبدأية، سقفا لها، ذلك لأنها خلت من حشوة الالتزامات التي ينبغي ان ينفذها المعنيون حال التوقيع عليها، وربما خلوها من تلك الالتزامات، كان وراء حماسة كابينة رئيس الوزراء لها في وقت كان المشهد يسجل تصدعا متسارعا لدفاعات هذه الكابينة بمواجهة المعارضات والتحديات الامنية وازمات الشراكة في اطار الاكثرية البرلمانية. واذا ما تمعنا في ما حدث في الايام العشرة التالية للتوقيع على الوثيقة، سنج? ان بؤرة أزمة الحكومة المتمثلة في التنافر العميق داخل «التحالف الوطني» لم تتزحزح عن مكانها ولا خطوة واحدة نحو التهدئة أو تطييب الخواطر في الاقل، بل ان عناصر توتر اضافية دخلت على هذه البؤرة من مسارات صراع متفاقمة في مجالس المحافظات، والافرازات الاقليمية، هذا عدا المعركة التي فتحها رئيس مجلس النواب على رئيس الوزراء من جبهة اعتصامات الانبار، وما قيل عن اصطفاف جديد يجري البحث فيه لجهة عزل صاحب سلطة القرار السياسي. والنتيجة انه باستثناء ممثلي الكرد، فإن غالبية الموقعين، وضعوا الوثيقة وراء ظهرهم، وتحرروا منها، ب?لعودة الى خنادقهم، وليس من باب التجني القول بأن الغالبية الساحقة من الرأي العام العراقي كان ينظر الى المبادرة وفعالية التوقيع على ميثاقها بمثابة مضيعة للوقت، وثمة القليل من المتابعين مَن افترض أن مشهد اللقاء المتلفز مسبوق بحسن النيات، او أنهم تمنوا ذلك. والآن، من السذاجة المفرطة الاعتقاد بأن وثيقة الشرف بقيت مرجعية سياسية قد تساعد (يوما ما) في الامساك بمسارات الصراع الداخلي ومعافاة البيئة السياسية، او حتى الى وازع اخلاقي يحض، في الاقل، على احترام التواقيع التي لم يجف حبرها بعد او للاشفاق اللفظي على البلد و?لايينه المكتوية بنار الازمات المعيشية والامنية وتضاعيفها. اما الازمة السياسية الخانقة فقد اختفت بعيدا عن ديباجات ميثاق الشرف والسلم الاهلي، لانها تستمد حشوتها من مصنوعات المحاصصة التي لم تدخل في عداد المذمات الواردة في الميثاق.. انها الابنة الشرعية للانانيات الفئوية التي اسقطت حلم التغيير نحو الافضل بالضربة القاضية.. لا بالنقط.
*****
" قرأت ذات مرة أن أكثر الذين يتخذون المواقف الجريئة، هم اقل الناس حديثا عن الجرأة."
عبد الرحمن منيف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر هذا العمود بالتزامن مع جريدة (الاتحاد) الغراء