المنبرالحر

شتيمة الأفكار / قيس قاسم العجرش

من يلعن الأفكار يعني ضمنياً أن الافراد لا مسؤولية لهم .. ويعني بعبارات أبسط، أن كل الإنحدار الذي نعيشه الآن، إبتداءً من انتظار ظهور الدولة وانتهاء بالفساد، كل هذا تتحملُ وزره الآيدولوجيا بلا تمحيص.
تبرئة الأفراد واتهام الأفكار شيء خطر حقاً، لأنها تحمل معنى غياب المعايير أولا.
لكن المفارقة ان بعض هذه الأفكار (التي يلعنها البعض على منابرهم) هي التي اطلقت حراكاً فكرياً غيّر الأشياء ونشـّط التفاعل، الى درجة انه كان هو الوحيد من يصنع التغيير.
لنتأمل المشهد الثقافي والفني في العراق.
الم يكن اليسار، كنموذج، هوالمحرّك الأول وعامل التحفيز الأول في دوران عجلته؟
لا اعني اليسار بالمعنى التنظيمي، بل بالمعنى العقلي الذي يطرح التساؤل ويدفع الإبداع الباعث على إنتاج الثقافة.
وكان هناك ايضا، على سبيل المثال، نشاط فني ترعاه السلطة البعثية وينطلق من الأفكار البعثية. لكن لنمحص ما أنتج ؟
لقد أنتج عقارب ما زالت للآن تسمم اجواء الثقافة، وهي مختبئة تحت إبط المؤسسات الثقافية وبين طيّات أكمامها.
ثم أنتج نموذج المثقف "المشوّه"، و"المزّيف" المختص بتشويه الصورة الثقافية. ثم أنتج ميراثاً من الأعمال التي تحمل عبوات طائفية وشوفينية وعرقية، قابلة للانفجار حال التعرض لها، مثل الغام الحرب العالمية الثانية التي ما زالت تتفجر الى يومنا هذا في أماكن مختلفة حول العالم.
نعم، هناك من اتهم اليسار العراقي بأنه يتبنى فكراً شمولياً، لكن هذا اليسار لم ينقطع عن الحياة اليومية للعراقيين.
على الضفة الأخرى، نرى الشمولية المظلمة التي تريد اليوم أن تغمسنا بلونها الأسود "المصخـّم"، وهي الباعث والمحرك والمحرض على إطلاق النار نحو "الحياة ". هؤلاء لم يعودوا يستوحون أيديولوجيا بأفكار شمولية فقط، إنما بدأوا بتغيير تعريف الحياة على أساس اللون الواحد! فلا صوت إلا صوتهم، ولا مشروع إلا صيغهم الخرقاء، التي لم تبن دولة أو مجتمعاً الى يومنا هذا.
يُحسن هؤلاء اليوم رش الجو بمبيدات الثقافة العامة، على أمل قتل الاختلاف أولاً، لأنهم لا طاقة لهم (على عكس ما يدعون) بقبول الآخر.
عندهم دائماً نسختان من الخطاب، واحدة تتحدث بالديمقراطية والتعددية معدّة للتصدير، وثانية مهيأة لما وراء الأبواب المغلقة .
بالضبط مثل تمسّكهم بمظاهر الانتماء لأفكارهم، في مواسم الولاء تظهر الأشرطة بألوان الزيف فيما يختبئون في مغاراتٍ ليمارسوا حياتهم السريّة... فمبروك عليكم أيديولوجيا الكهوف.