المنبرالحر

تحديات الامن الغذائي ومستقبلنا / زاهر نصرت

منذ اكثر من ربع قرن فرضت مشكلة الغذاء نفسها على قائمة المشاكل التي تواجه البلدان النامية وهذه المشكلة تعتبر من اكثر المواضيع مساساً بحياة الانسان مما يتطلب من تلك البلدان التصدي لهذه المشكلة ومحاولة ايجاد الحلول الجادة والعاجلة لمنع تفاقم الازمة وابعاد شعوبها من اخطار المجاعات المحتملة رغم ايماننا بأن ( ليس بالخبز وحده يحيا الانسان ) لكن نؤمن ان ( بغير الخبز لا يحيا الانسان ) وان من يتحكم في الخبز قادر على التحكم بالفكر فعالمنا يعيش استقطاباً من شعوب مستغلة واخرى ضحية الاستغلال فما زالت الاكثرية من شعوب الارض جائعة يتعرض اطفالها فضلاً عن كبارها لامراض سوء التغذية .
بلدنا العراق الذي يصنف من البلدان النامية شهد خلال العقود الثلاثة الاخيرة على الرغم من كونه من البلدان المنتجة للنفط الى هشاشة كبيرة في تأمين أمنه الغذائي وتتفاقم على نحو جلي عام بعد اخر الفجوة الغذائية فيه نتيجة لسنوات الحروب والحصار واستمرت حالة التدهور هذه حتى وقتنا الحالي التي بّينت ان الغذاء سلاحاً سياسياً في الضغط على الشعوب واخضاعها لسياسات الدول التي لديها مفاتيح خزانات الغلال والدلائل تشير الى اننا سنزداد تعرضاً لهذا الابتزاز من خلال ما نجده في اسواقنا المحلية عند شراءنا احتياجاتنا اليومية من الغذاء كالفواكه والخضر ... الخ التي كنا ننتجها سابقاً نجدها آتية من مصادر اخرى غير بلدنا بالرغم من اننا نمتلك المال والأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة وجيش كبير من الفنيين الزراعيين المختصين والفلاحين العاطلين عن العمل مع علمنا ان ما نتعرض له من تحديات صعبة وشرسة كالتي نواجهها ومنها ما هو سياسي وأمني وأقتصادي واجتماعي ومدى خطورتها على واقعنا الحياتي الا ان مشكلة الغذاء ومدى كفايته مع وجود الموارد والامكانات تهدد صميم حياتنا وبقائنا بالرغم من ان الكثيرين لا يدركون طبيعة هذه المشكلة واسبابها ومدى انعكاسها على الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي حاضراً ومستقبلاً وان عدم المعرفة بهذه المشكلة لا ينفي وجودها كما لا يقلل من خطورتها بل العكس من ذلك يزيد من اهميتها فالخطر الذي يداهمنا من دون احساس او شعور وتقديرياً لحجمه وفاعليته كما العدو الذي يتسلل الى المراكز الدفاعية غفلة فيباغتها على حين غرة وبالنتيجة يعرض الوضع الامني للخطر .
ان بقائنا رهناً بالظروف والاوضاع العالمية واللحظة التي يخضع فيها قوت المواطن الضروري لأطماع الباحثين عن الربح بأي ثمن يدفعنا للتخوف من نتائجها الكارثية والمصير المجهول بينما نترك ارضنا الخصبة بلا زراعة ما يشكل صدمة يجب الافاقة منها ، ان وراء مشكلة الغذاء تكمن المشاكل جميعها لذا فأن عدم الانتفاع من القطاع الزراعي الحيوي الذي يشكل ثلث مجموع القوى العاملة الفعلية في البلاد يعني هدراً اقتصادياً هائلاً يمكن توظيفيه في عملية التنمية التي تأتي فيه اهمية ذلك القطاع لكونه يلعب دوراً اساسياً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ويعتبر الدعامة الاساسية لمقومات الامن الغذائي بعد ان شكلت الزراعة على مر العصور ومنذ ما قبل التاريخ المصدر الاقتصادي الرئيسي الذي قامت عليه حضارات بلاد ما بين النهرين .
لقد مرت السياسة الزراعية في العراق بمراحل متعددة وكل مرحلة حملت بصمات الانظمة الايدولوجية المهيمنة في كل فترة من هذه المراحل ، ففي المرحلة الاولى ساد في العراق سياسة زراعية ذات طابع ليبرالي وبعد العام 1958 تم التركيز على السياسة الزراعية ذات الطابع الاشتراكي ثم مالت بعد عام 2003 لصالح السياسة الليبرالية نتيجة لضعف السياسة الزراعية والتكلفة الباهضة والغير مجدية للتدخل الحكومي الذي فشل بالارتقاء لهذا القطاع ويلاحظ ان السياسات المتعاقبة في العراق لم تنظر الى القطاع الزراعي باعتباره قطاعاً رئيسياً ومهماً في التنمية الاقتصادية وقوة دافعة لها والقدرة على المساهمة بشكل فعال في التحول الهيكلي للاقتصاد العراقي والسبب الرئيس لهذا التوجه كان قائماً على النظرة القاصرة لمفهوم التنمية والمبني على اساس ترسيخ مفهوم تحقيق التنمية فقط من زاوية تعاظم دور القطاع الصناعي باعتباره القاطرة القادرة على النهوض باقتصاد البلد في حين اعتبر القطاع الزراعي في الغالب شريكاً سلبياً في عملية التنمية ، اذن يتوجب علينا استغلال القطاع الزراعي كمورد في حيويته اكثر من الموارد الاخرى وعدم السماح للاخر باستغلالنا والا فاننا سنظل متخلفين الى الابد وعلى طريقتنا الخاصة لا عن طريقتهم وهذا يعني اننا سنكرس صناعة الفقر والجهل والتخلف .