المنبرالحر

الجمعيات والروابط الطلابية خارج الوطن.. ارث نضالي وتجربة غنية / رشيد غويلب

وجدت من المفيد ونحن نحتفل بالذكرى التاسعة والستين لتأسيس اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية (جمهورية العراق حاليا)، القاء الضوء على جوانب من تجربة الجمعيات والروابط الطلابية - فروع اتحاد الطلبة العام خارج الوطن. وما دفعني إلى هذه المحاولة المتواضعة هو شعوري بان اغلب زميلات وزملاء الاتحاد، الذين حملوا مهمة استمرار عمل الاتحاد بعد سقوط الدكتاتورية ولأسباب عديدة، لعل اهمها الظروف الاستثنائية غير المسبوقة السائدة في العراق الى يومنا هذا، والصعوبات والتعقيدات التي رافقت عملية اعادة نشاط الاتحاد في المرافق التعليمية المختلفة قد ادت عمليا الى ظاهرتين اساسيتين: الاولى التركيز على المهام الآنية داخل الوطن، وعدم اعطاء الاهتمام الكافي لنشاط الاتحاد في الخارج، على الرغم من المطالبات الكثيرة، والجهود التي بذلت هنا وهناك لتفعيل هذا المفصل الحيوي من عمل الاتحاد. والثانية هي عدم الالتفات إلى تعريف الاجيال الجديدة والوسط الطلابي بالتاريخ المجيد للاتحاد، والذي يحتل نشاط فروعه في الخارج دورا محوريا فيه وخصوصا في السنين التي تصاعد فيها قمع السلطة الوحشي لكل ما هو وطني وديمقراطي.
تنحصر مهمة هذه الوقفة السريعة بتقديم لمحات سريعة من تجربة العمل الطلابي خارج الوطن وبالتالي سوف لا تركز على السرد التاريخي ولا على ذكر اسماء الناشطين الذين شاركوا في هذه المسيرة الحافلة، ولا حتى على قوافل الشهداء الأماجد الذين طرزوا مسيرة الاتحاد بمجد الصمود والاستشهاد.
يعود انطلاق عمل الجمعيات والروابط خارج الوطن الى نهاية اربعينيات وخمسينات القرن العشرين. وقد كان لهذه الجمعيات والروابط على قلتها في حينها دور مهم في تجميع الطلبة الدارسين، وربطهم بالوطن، والتعريف بالنضال الديمقراطي المتنامي ضد النظام الملكي. وفي نقل تجارب البلدان المتقدمة التي درس فيها الزملاء الرواد الى الوطن وهي تجارب مهمة ساهمت في دفع عجلة التقدم في البلاد الى امام.
وجاء انتصار ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ليفتح الابواب واسعة امام مئات الطلبة والمتفوقين العراقيين للدراسة في البلدان الأوربية وبلدان العالم المتقدمة الأخرى، وخصوصا ابناء الفقراء والفئات الوسطى. ويعود ذلك الى عدة اسباب لعل ابرزها توسيع حكومة الثورة لفرص ابناء الفقراء في الاستفادة من البعثات الدراسية الحكومية، وتوسع ونمو دور المنظمات الديمقراطية العراقية في منظمات الشبيبة والطلبة والنساء العالمية، وما ترتب على ذلك من فرص اكبر لإرسال الدارسين، وخصوصا إلى البلدان الاشتراكية السابقة.
لقد ادى انقلاب 8 شباط الأسود الى تغيير مهم في نشاط الجمعيات والروابط الطلابية خارج الوطن، اذ اصبح عليها ان تقوم الى جانب مهامها المهنية والديمقراطية بدور اساس في فضح طبيعة الانقلاب، وتصعيد التضامن مع ضحاياه، وفي سياق هذه العملية، تحول الكثير من هذه الجمعيات، وبدرجة أكبر في البلدان الغربية الى اطار وطني ديمقراطي للمناهضين للدكتاتورية، وبيتا لكل الديمقراطيين العراقيين التواقين إلى المساهمة في هذا الجهد النبيل.
وتكرس هذ الواقع بعد اعادة نشاط الجمعيات والروابط في نهاية عام 1978 وبداية عام 1979 ، بعد ان توقف عملها اسوة بعمل المنظمات الديمقراطية نتيجة لقرار التجميد المثير للجدل في عام 1975 . وشكل اعادة نشاط الجمعيات والروابط وتأسيس فروع جديدة للاتحاد في بعض البلدان، انطلاقة واسعة ونوعية استمرت بزخم الى حين اسقاط الدكتاتورية في نيسان 2003 .
لقد تميز نشاط الجمعيات والروابط اضافة الى عملها التنظيمي، كمنظمات طلابية تهتم بكل ما يتعلق بالحياة الدراسية والاكاديمية وتفاصيل حياة الدارسين اليومية مثل الإقامة السكن مشاكل الطلبة مع مؤسسات الدول المضيفة، عقد مؤتمرات سنوية لهذه الجمعيات وانتخاب لجانها القيادية، تمثيل الاتحاد واتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي في المنظمات الديمقراطية الإقليمية والعالمية، تشكيل الوفود بالتشاور مع قيادة الاتحاد للمشاركة في المهرجانات العالمية للطلبة والشبيبة، ومنذ بداية التسعينيات كان دور الجمعيات يكتسب اهمية في تنفيذ هذه المهمة بالنظر للصعوبات الجدية التي كانت تعانيها تنظيمات الاتحاد وركائزه السرية داخل الوطن.
ومن التقاليد الجميلة التي ارستها الجمعيات والروابط الطلابية هي الاحتفال، الى جانب المناسبات التي تخص الاتحاد كذكرى التأسيس، بالمناسبات الوطنية والقومية كالذكرى السنوية لثورة الرابع عشر من تموز باعتبارها عيدا وطنيا، والاحتفال بعيد النوروز الذي اكتسب بعدا نضاليا عميقا في مواجهة الدكتاتورية، وتأشيرا للحس الوطني والأممي الذي كان يتمتع به اعضا الاتحاد على اختلاف هوياتهم الفرعية، بقضية الشعب الكردي وحقوقه المشروعة. وكذلك الاحتفال بالعديد من انتفاضات شعبنا الباسلة، من كانون الثاني 1948 الى انتفاضة آذار المجيدة 1991 .
لقد لعبت الجمعيات والراوبط دورا بارزا في تصعيد التضامن مع شعبنا وفضح جرائم الدكتاتورية،. وقد نجحت العديد من جمعياتنا و روابطنا في العمل في مجالس الطلبة في الجامعات، خصوصا في البلدان الغربية، وفي اقامة اوسع العلاقات مع الحركات الاجتماعية والتقدمية مثل حركات السلام، والحركات المضادة للعولمة، وحركات الدفاع عن البيئة، وتحريم السلاح النووي والكيمياوي، وكذلك مع المؤسسات الاجتماعية للكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية. ونجحت هذه الجمعيات في دفع برلمانين أوربيين ومنظمات مهمة في تشكيل لجان للتضامن مع نضال الشعب العراقي ضد الدكتاتورية والحروب والحصار. وقد فاق دور هذه الجمعيات في مجال التضامن دور البعض من احزاب المعارضة السياسية العراقية التي كانت تمتلك المال وتتمتع بدعم اقليمي متنوع وواسع. وفي اطار هذ الجهد النبيل عقد اعضاء هذه الجمعيات مئات الندوات وبمختلف لغات العالم للتعريف بالنضال الصعب للشعب العراقي وحضروا مئات المؤتمرات العالمية، فضلا عن عدد هائل من الاجتماعات الإقليمية والوطنية التي كانت تنظمها الحركات الاجتماعية العالمية، وخصوصا في سنوات تصاعد القمع واندلاع الحروب: فاجعة حلبجة ، الانفال، احتلال الكويت وما تلاه من حرب، الحصار الجائر على شعبنا والمطالبة برفعه، وآخرها الغزو الامريكي الأخير للعراق.
لقد كان صوت العراق حاضرا في مئات وربما آلاف التظاهرات والتجمعات عبر الكلمات التي كان يلقيها ممثلو اتحاد الطلبة في البلد المعين. ولا يمكن إغفال إصدار الصحف والمجلات الدورية، ومئات البيانات التضامنية وبلغات عدة في الكثير من المناسبات، فضلا عن ترجمة العديد من الوثائق المهمة التي فضحت جرائم الدكتاتورية، ومنها قوائم بأسماء ضحايا حملة "تنظيف السجون" سيئة الصيت.
ولابد من الاشارة الى المشاركة الجسورة لزميلاتنا وزملائنا في عمل حركة الانصار، والتي قدموا فيها كوكبة من المع بنات وابناء العراق شهداء اماجد في معركة تحدي الدكتاتورية. وفي تقديري ان هذه المشاركة بحاجة الى وقفة تفصيلية جادة يمكن لمن شارك فيها من الزميلات والزملاء التصدي لها.
ومنذ منتصف التسعينات جرت محاولات جادة لم يكتب لها النجاح الكامل في التركيز مجددا على العمل الطلابي - الشبابي وتجميع الشبيبة العراقية المهاجرة والمولودة في المنافي من خلال تنظيم سيمنارات شبابية بمشاركة منظمات طلابية وشبابية من البلدان المضيّفة.
لقد اكدت التجربة بشكل لا يقبل التأويل اهمية نشاط فروع المنظمات الديمقراطية خارج الوطن. ويكتسب اليوم هذا النشاط اهمية قصوى، ولذلك فجميع المعنيين مطالبين بتوظيف هذا الإرث النضالي المجيد للنهوض مجددا بما هو قائم والتوسع في تأسيس او احياء نشاط فروع الاتحاد خارج البلاد، بمضامين جديدة تستجيب لحاجة الطالب والمنفي العراقي، وبأشكال تنظيمية تغرف من التجربة السابقة دون استنساخها ميكانيكيا.
وختاما تهنئة من القلب لحملة مشاعل الأمل والحرية والتقدم في جامعات العراق ومؤسساته التعلمية. والمجد كل المجد لشهداء الاتحاد الأبرار، وتحية لكل من ساهم في هذه المسيرة الساعية الى الشمس.