المنبرالحر

في المسألة الامنية وما حولها: عسكرة الدولة والمجتمع لن تحقق السلم الاهلي.. / فخري كريم

اغرب ما تسرب من لقاء القادة العسكريين "من الصف الثاني" مع اللجنة الامنية في البرلمان، تحويل المساءلة، أو الأدق تبادل الرأي اذ لا يحق للبرلمان غير ذلك بحسب ما تكرس عملياً خلافاً لاحكام الدستور، حول اسباب استمرار التدهور الامني وتوسع العمليات الارهابية، الى مطلبين، الواحد منهما اكثر مدعاة للاستهجان من الاخر.
فالقادة " المُفَرج" عنهم من القيادة العامة للقوات المسلحة، للمثول المستأنس به امام اللجنة البرلمانية، وليس البرلمان، وجدوها مناسبة للمطالبة بزيادة رواتبهم ومخصصاتهم، كمطلب اول، وزيادة عديد المنتسبين الى الجيش والقوات الامنية، كمطلب ثانٍ ، ليصبح ممكناً الارتقاء بها الى مستوى تحديات القاعدة والمنظمات الارهابية المسلحة الاخرى.
وبالنتائج التي ترتبت على اللقاء المذكور، اصبح منعدماً، من الان فصاعداً اي مطالبات باستدعاء مسؤول امني الى البرلمان، او البحث عن مخرج للازمة تحت قبة البرلمان. فالسلطة التنفيذية باتت كلية القدرة، ومطلقة الصلاحيات في ادارة شؤون البلاد بعيداً عن اي سلطة رقابية، او اي نوع من المساءلة من الشعب. والبرلمان صار منكفئاً على حاله، غير هيّابٍ من انكشاف عجزه امام الرأي العام، وغير مستعد لتفسير اسباب هذا العجز، وطلب المشورة لتجاوزه.
بل ان ما اصبح مقلقاً، تراجع الثقة بجدوى او تأثير مواصلة الاحتجاجات الفئوية، التي بقيت حتى الان محصورة في مجاميع شبابية وطلابية، او اوساط منغلقة على نفسها من العاملين في النقابات والاتحادات المهنية ومنظمات المجتمع المدني التي تراوح في مواقعها من الازمة المستفحلة المتجددة على مدار الساعة واليوم، وهي مشغولة باعادة انتاج اساليبها التي فقدت فعاليتها، ولم تعد تتناسب مع وتيرة التدهور في الاوضاع، وما تتطلبه من حراكٍ وديناميكية وقوى مستعدة لتحمل المسؤولية وتبعاتها.
لقد تنامى عديد القوات المسلحة، وبات يهدد من حيث التوسع والاستخدام في المهام القمعية، بعسكرة الدولة والمجتمع، ويجعل من المتعذر اعادة تموقعها في اطار مهامها الدفاعية ومسؤولياتها الوطنية في الدفاع عن السيادة والاستقلال الوطني.
وليس من الواضح ان المعنيين بامر البلاد قد اقتنعوا بفشل اعتماد الحل العسكري الامني في مواجهة مسلسل الموت اليومي، والاختراقات الارهابية، وخفة تنفيذ المهام الاجرامية، ووصولها دون صعوبة الى مختلف المدن والاهداف، مع هذا الكم الذي يكاد يتجاوز ما كان عليه في العهد السابق من التجييش والعسكرة المتنامية النفوذ والسطوة.
واياً كانت الاسباب في انعدام القناعة لدى القائد العام او الفريق الحاكم، بعجز المواجهة مع القاعدة والمنظمات التكفيرية المسلحة المستعدة للانتحار المجاني، واستخدام كل وسائل القتل والتخريب، فان السنوات العشر من الفشل في مكافحة وتجفيف منابع ومصادر الارهاب، تكفي للاتعاظ والبحث عن الوسائل التي لم يجر اعتمادها حتى الان في المواجهة.
وليس جديداً القول، ان تضافر ثلاث وسائل متلازمة، هو الكفيل دون غيره في تحقيق الامن والاستقرار واعادة وضع العراق الجريح على طريق البناء والديمقراطية.
ان اكثر الوسائل فعالية في مكافحة الارهاب واجتثاث جذوره يتمثل في "المصالحة المجتمعية" وليس الفوقية المعتمدة حتى الان، باكثر الصيغ تعارضاً مع المصالحة المطلوبة. والمصالحة المجتمعية، لا تقتضي وزارة او مؤسسة للمتابعة، بل سياسة منهجية مترابطة، في اطار استراتيجية وطنية تشترك فيها كل القوى والاحزاب والمنظمات والشخصيات، تعيد حياكة نسيج المجتمع الذي مزقته الانقسامات الطائفية، وترسي في قاعدة الدولة وخياراتها، المواطنة الحرة المتساوية دون تمييز واقصاء وضغائن تاريخية، وتشيع بين مكونات المجتمع مناخ الوحدة والتلاقي والمصلحة المشتركة في اقامة دولة مدنية ديمقراطية مستقرة.
وهذه المصالحة المجتمعية، ستجعل من كل مواطنٍ حرٍ، لا فرق في انتمائه الديني والمذهبي والطائفي والعقائدي والسياسي، عيناً ساهرة ، تراقب وتحصي كل حركة تستهدف امن الجميع، حياتهم وحرياتهم وممتلكاتهم. وهي الكفيلة، دون داعٍ لتحفيزٍ او مطالبةٍ او توعيةٍ، بازالة كل خيمة تكفير او ارهاب، وازاحة البيئة الآمنة لها في كل انحاء البلاد.
لكن المصالحة المجتمعية لن تكتسب فعاليتها، بلا عامل " كافرٍ " آخر، يتمثل في تنشيط الدورة الاقتصادية الملوثة بالفساد، وايجاد مئات الاف فرص العمل للعاطلين، واستحداث اشكال من صيغ وصناديق التكافل الاجتماعي، وتخصيص صناديق اعانة جيش الفقراء على الخروج من حالتهم اللاانسانية.
ان ثالوث المصالحة المجتمعية، وانتشال اوسع شرائح المجتمع من البطالة والفقر المدقع، واستعادة العافية للاقتصاد ودورته الطبيعية وتنشيطها، يكمل ويتمم مع الجهد العسكري والامني "بعد ترشيده وترشيقه وتثقيفه" ثالوث القدرة على الحاق الهزيمة بالارهاب، وتامين متطلبات السلم الاهلي والاستقرار والتنمية المستدامة.
واذا ما امكن تحقيق هذا الهدف الوطني النبيل، الذي هو مُراد كل عراقية وعراقي، فان مصاريع باب الامل المغلقة ستنفتح، ولن يكون لذلك اي تبعات سلبية على القادة المتطلعين لمواصلة التحكم بمصائرنا، ولن يقطع رزق اي لصٍ او فاسد، مادام الخير وفيرا، وعجلة الاقتصاد تدور على رحىً متوازنة وبوتائر متصاعدة.
تعالوا نوقع معكم "ميثاق شرفٍ" على التزامنا بعدم ملاحقة احدٍ منكم، وفتح ملفات فضائحه..
ما رأيكم؟.. لا تنازل اكبر وابعد من هكذا تنازل.