المنبرالحر

الدساتير في دولة العراق الحديث (1) / فارس كريم فارس

نتناول في هذه المادة سلسة من المقالات تلقي الضوء من خلال العرض والتحليل للظروف والعوامل والتعقيدات التي رافقت وضع البنية القانونية للدولة العراقية الحديثة, منذ نشؤها 1921م, ومدى تطورها او تخلفها وتأثير ذلك على قوة الدولة ورسوخ مؤسساتها او بالعكس, وكذلك مدى تعبيرها عن مصالح وحقوق الشعب وضمان حريته وتطوره ورفاهه, وما قام به الحكام فعليا خلال طيلة هذه العقود العجاف, وما المطلوب لتغيير واصلاح الواقع الراهن من الناحية القانونية والدستورية, سنتبين كل ذلك من خلال تقسيم هذه المقالات تحت العناوين التالية:
الدستور الدائم او (القانون الاساسي للدولة العراقية) عام1925م وتعديلاته.
الدساتير المؤقتة في العهد الجمهوري من 1958-2003م.
الدستور الدائم لعام 2005م, في ظل الاحتلال الامريكي المباشر للعراق.
أ‌- الدستور الدائم او (القانون الاساسي للدولة العراقية) عام1925م وتعديلاته.
العراق دولة لا تعرف الدستور بمعناه الحديث الا بعد الاحتلال البريطاني, حيث تم طرح موضوع الدستور ومن ثم اقراره في سنة 1925, ونستطيع القول ان موضوع الدستور فرض نفسه على المستعمرين البريطانيين بعد ثورة العشرين التي قام بها الشعب العراقي ضد الاحتلال البريطاني في 30 حزيران يونيو 1920 حيث كان احد المطالب هو انه:- لابد من ان يحكم العراق ملك عربي مقيد بدستور, وكان ذلك بمثابة احد المطالب الرئيسة للثورة.
شهد العراق اقرار دستور دائم وهو الاول سنة 1925 في ظل الاحتلال البريطاني للعراق واثناء الحكم الملكي الذي استمر الى ثورة يوليو 1958, وصدر في العراق بعد هذه الثورة عدد من الدساتير لكن جميعها مؤقتة وفي ظل الحكومات الانقلابية المتعاقبة, حتى الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 وفي ظله اقر دستور دائم عام 2005 وهو يمثل الدستور الثاني الدائم في التاريخ العراقي الحديث.
ما يخص دستور 1925 والذي سمي ايضا بالقانون الاساسي العراقي لعام 1925 وهو عبارة عن اول وثيقة تمثل دستور دائم للدولة العراقية كتب في بغداد في 21/اذار/1925 بعد تنصيب الملك فيصل على العراق وتشكيل حكومة مؤقتة برئاسة عبد الرحمن النقيب كنتيجة لمقررات مؤتمر القاهرة الذى عقد بتاريخ 12/اذار/1921 بعد اندلاع ثورة العشرين وارغام البريطانيين لتأسيس حكم وطني في العراق وحكمه بصيغة الانتداب/ كان من مهام الحكومة المؤقتة التهيئة لانتخاب مجلس نيابي وسن قانون اساسي( دستور دائم) وهذا ما حصل فعلا حيث قدمت لجنة بريطانية مسودة للدستور رفضها الملك فيصل واشترط بضم عراقيين قانونيين اليها فانضم اليها كل من ساسون حسقيل, ناجي السويدى, رؤوف الجادرجي, يوسف غنيمة.
تم اقرار القانون الاساسي في 21/اذار 1925 حيث تكون من 124 ماده و 10 ابواب اقر بمادته الثانية بان العراق دولة ذات سيادة ومستقلة حره........ وحكومة ملكية وراثية, وشكلها نيابي , والباب الاول جاء تحت عنوان حقوق الشعب في 4 مادة ضمن المساواة بين افراد الشعب العراقي بعض الحريات العامة, كتأسيس جمعيات ممارسة الشعائر الدينية, حرية النشر والاعتقاد.. الخ, وتناول الباب الثاني_ الملك وحقوقه في ثمانية مواد حيث يمثل الملك راس الدولة الاعلى وهو مصون غير مسؤول ويصدق القوانين ويصدر الاوامر بأجراء الانتخابات العامة وله الحق في افتتاح او رفض او تأجيل اوحل مجلس الامة, اي السلطة التشريعية في البلد والملك يختار رئيس الوزراء ويعيين الوزراء ويقبل استقالتهم وهو كذلك يعين اعضاء مجلس الاعيان ويقبل استقالتهم. وللملك بناء على اقتراح الوزير المسؤول يعين ويعزل جميع الممثلين السياسيين والموظفين الملكيين والقضاة والحكام ويمنح الرتب العسكرية والاوسمة وللملك ايضا القيادة العامة لجميع القوات المسلحة وهو يعلن الحرب بموافقة مجلس الوزراء... الخ.
الباب الثالث:_ السلطة التشريعية في 36 مادة حيث السلطة التشريعية منوطة بمجلس الامة مع الملك, ومجلس الامة يتألف من مجلس الاعيان ومجلس النواب, يتألف مجلس الاعيان من عدد لا يتجاوز العشريين يعنهم الملك ومدة العضوية فيه لثمان سنوات ويتبدل نصفهم كل اربع سنوات , يتألف مجلس النواب بالانتخاب بنسبة واحد عن كل عشرين الف نسمة من الذكور.
الباب الرابع:_ الوزارة في 4 مواد. لا يتجاوز عدد الوزراء 9 ولا يقل عن ستة يختارهم رئيس الوزراء بعد تعينه من قبل الملك وهم مسؤولين بالتضامن امام مجلس النواب ويمكن لمجلس النواب حجب الثقة عن الحكومة فعليها ان تستقيل ويعرض رئيس الوزراء ما يوصي به مجلس الوزراء من الامور على الملك لتلقي اوامره...
الباب الخامس:_ السلطة القضائية في 21 مادة وتقسم المحاكم الى ثلاث اصناف: محاكم مدنية / محاكم دينية / محاكم خصوصية وهي مصونة من التدخل في شؤونها وتقسم المحاكم الدينية الى: المحاكم الشرعية / المجالس الروحانية الطائفية
وتؤلف محكمة عليا لمحاكمة الوزراء واعضاء مجلس الامة المتهمين بجرائم سياسية ولمحاكمة حكام التمييز بالأمور المتعلقة بتفسير القوانين وموافقتها للقانون الاساسي.
الباب السادس:_ الامور المالية في 18 مادة / الباب السابع:_ ادارة الاقليم في 4 مواد
الباب الثامن:_ تأييد القوانين والاحكام في 5 مواد / الباب التاسع:_ تبديل احكام في 2 مادة/ الباب العاشر:_ مواد عمومية في 4 مواد
وثبت تاريخ ومكان كتابته وتواقيع الملك فيصل ورئيس الوزراء والوزراء.
صدر قانون تعديل القانون الاساسي العراقي الصادر في 21/اذار/25 في 29/تموز/ 1925
يتألف التعديل من عشره مواد اهم ما تناوله عن تغيب الملك من البلاد وتعيين نائب او(هيئة نيابية) عنه بموافقة مجلس الوزراء وشروط ذلك وكذلك حول المخصصات السنوية والسفر لعضو مجلس الاعيان والنواب وقضايا شكلية ....... الخ وثبت توقيع الملك فيصل ورئيس الوزراء والوزراء والمكان والتاريخ.
قانون التعديل الثاني للقانون الاساسي لسنة 1925
تتكون من 50 مادة تتضمن تصحيحات قواعدية لبعض المفردات والفقرات وكذلك تثبيت قضايا تفصيلية لبعض المواد الاخرى وتوسيع فقرات ومواد اخرى بالشروحات والتوضيحات او اضافة عبارات تأكيدية او جعل الفقرات اكثر مرونة وتوسيع بعض الصلاحيات ..... الخ.
وثبت المكان بغداد والتاريخ 27/تشرين الاول/1943 مع تواقيع الوصي عبد الاله ورئيس الوزراء نوري السعيد وجميع الوزراء الاخرين.
وهكذا اصبح العراق دولة ملكية دستورية وفق دستور 1925. حيث تضمن الدستور مبدأين رئيسين: اولهما, اضفاء مسحة ديمقراطية من خلال ربط الوزارة وبقائها بموافقة السلطة التشريعية المنتخبة. وبذلك تم نظريا, اخضاع الوزارة للمجلس النيابي. وثانيهما, اعتماد مبدا الفصل بين السلطات. ومع ان نصوص الدستور المذكور اوحت بإيجاد نظام برلماني حاول ان يكون قريبا من الصيغة التقليدية للأنظمة الديمقراطية الليبرالية الغربية, فان هذه الديمقراطية وتخصص السلطات في النظام الملكي العراقي, لم تخرج الى حيز التنفيذ بسبب الانحرافات الدستورية التي مكنت الملك من الهيمنة على السلطات الثلاث.
وهكذا نرى ان هذه الحقبة التاريخية, لنظام حكم برلماني دستوري فيه الكثير من النواقص والانحرافات لكنه كان يوفر الحد الادنى من عناصر النظام الديمقراطي بما يخص فصل السلطات الثلاث, وممارسة الانتخابات واختيار ولو جزئي للمؤسسات, وبعض الحقوق الاساسية والحريات العامة رغم الجانب السلبي المتمثل بخضوع وتأثير بريطانيا الكبير على النظام السياسي, وهيمنة الملك التنفيذية على مفاصل الدولة كافة, مما ادى الى خلق ملكية شبه مطلقة لا تختلف عن الملكية المطلقة سوى بوجود برلمان مزيف. ورغم ذلك يبقى النظام الملكي اهون على الشعب العراقي بعد ما اذاقته الانظمة الدكتاتورية اللاحقة سوم العذاب وبحور من الدماء والخراب لاحقا, الا انه لا نريد ان يفهم من ذلك ان النظام الملكي كان نظام مثالي وجيد, ونريد تزكيته كما يحاول البعض الترويج لذلك. لا ابدا...فبالإضافة الى ما تم توضيحه من نواقص وانحرافات وسلطات مطلقة للملك وتزييف دائم للانتخابات وكل ذلك من الناحية القانونية والدستورية, فان النظام الملكي, كان نظاما يكرس ويمثل مصالح الطبقات الثرية والتجار المرتبطين بالأجنبي والمُلاّك والاقطاعيين وما يمثلوه من جشع ونهب لخيرات البلد واضطهاد واستغلال كبير للعمال والكادحين وخاصة للفلاحين البسطاء الذين كانوا يعاملون كالعبيد, كما عرف النظام الملكي بالعراق بقوة اجهزته الامنية وملاحقة القوى الوطنية والمثقفين والمخلصين لمصالح الشعب والوطن, فأول احكام جائرة صدرت بحق الوطنيين العراقيين كانت من قبل النظام الملكي وابرزها اعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي, والضباط الاكراد والوطنيين وقصف القرى الكردية بالطائرات وامتلاء السجون بالوطنيين والمعارضين لنهج الحكومات المتعاقبة في ظل النظام الملكي. وكان الفقر والبطالة تضرب اطنابها في العراق كله وخاصة في الريف. >>>>>>>> يتبع