المنبرالحر

الدساتير في دولة العراق الحديث (2) / فارس كريم فارس

ب‌- الدساتير المؤقتة في العهد الجمهوري من 1958-2003م.
وقد بدأت حقبة تاريخية, لنظام حكم جمهوري يحمل بذور لنظام سياسي دكتاتوري حيث نمت هذه البذور وعلت وتقوت جذوعها واغصانها في التاريخ العراقي الحديث, وخاصة بعد انقلاب شباط الاسود 1963, حيث حملت الكوارث والحروب وازدهرت الافكار والاساليب الفاشية وداست على الحقوق والحريات وسحقت الانسان العراقي بين رحى سلطتها الشمولية لعقود عده اجهضت فيها التقدم والديمقراطية والتنمية والقيم والاخلاق السليمة. وافضت بنا الى احتلال استعماري مباشر جديد والى مخاوف جدية من تمزيق وتقسيم العراق.
اما الدساتير المؤقتة في ظل العهد الجمهوري فهي:
1) الدستور العراقي المؤقت لعام 1958.
2) قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة (بعد انقلاب 8 شباط) رقم 25 لسنة 1963.
3) الدستور العراقي المؤقت لعام 1964.
4) الدستور العراقي المؤقت لعام 1968.
5) الدستور العراقي المؤقت لعام 1970.
6) مشروع الدستور العراقي لعام 1990.
1- الدستور المؤقت لعام 1958
تم في مقدمته (اعلان سقوط القانون الاساسي العراقي وتعديلاته كافة منذ 14 تموز 1958) واعلن هذا الدستور المؤقت ( للعمل بأحكامه في فترة الانتقال الى ان يتم تشريع الدستور الدائم !!!!) متى؟؟ لم يحدد التاريخ!! وهذا يعني الزمن مفتوح ومقرون بمشيئة الحكام!!
يتكون من اربعة ابواب و 30 مادة
الباب الاول- الجمهورية العراقية في 6 مواد
الدولة العراقية جمهورية مستقلة ذات سيادة كاملة وهو جزء من الامة العربية ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية (وهذه احدى اهم النقاط الايجابية للدستور المؤقت الجديد بشان القضية الكردية)/ الباب الثاني- مصدر السلطات والحقوق والواجبات العامة في 13 مادة/ المادة السابعة تقول الشعب مصدر السلطة ولكن لم يذكر شيء عن كيفية ان يكون الشعب مصدر للسلطة !!! ويعتبر المواطنين سواسية وتضمن حرية الاعتقاد والاديان والملكية /الباب الثالث- نظام الحكم في 6 مواد يفهم منه انه نظام جمهوري رئاسي ( حيث يتولى مجلس السيادة المكون من رئيس وعضوين, رئاسة الجمهورية) ويتولى مجلس الوزراء السلطة التشريعية بتصديق مجلس السيادة ..الخ /الباب الرابع- احكام انتقالية في 4 مواد, كتب ببغداد27-تموز-1958. دون تدوين اسماء وتواقيع من كتبه.
وكان يمكن ان تكون الانطلاقة للحركة العسكرية في 14تموز وبإسناد الجماهير الشعبية التي حولتها الى بداية ثورة حقيقية ضد التخلف والخضوع للأجنبي التي كانت تمتاز بها الملكية في العراق, انطلاقة لنظام حكم جديد يتمسك بالديمقراطية السياسية وبجعل الشعب حقا مصدر للسلطات من خلال مجلس تأسيسي و التهيئة للانتخابات ودستور دائم يفصل السلطات الثلاث ويضمن التعددية السياسية والتداول السلمي والحقوق المدنية والحريات الفردية.......ولكن سار التاريخ بعكس ما هو مأمول به, في طريق وعر جلب الكوارث والويلات والحروب, طريق الدكتاتورية والاستهانة بالشعب وحقوقه وحريته وسيادته.
2- قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة (بعد انقلاب 8 شباط) رقم 25 لسنة 1963
يتكون من 20 مادة وخالي من التبويب / حيث خول الانقلابين انفسهم من خلال ما سمي (المجلس الوطني لقيادة الدولة ) جميع السلطات عمليا ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ), وجعلوا من رئيس الجمهورية هو الرئيس الاعلى للدولة والقائد العام للقوات المسلحة وهو المخول بأبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية وتعيين كبار موظفي الدولة ويوقع القوانين والتشريعات ويصدر المراسيم بما يخص تأليف الوزارة او قبول استقالتها او اقالتها وكذلك تعيين الوزراء....الخ (يعني صلاحياته اكبر من صلاحيات الملك في النظام الملكي السابق), والغى الدستور المؤقت لعام 1958 واعتبر هذا القانون نافذ من تاريخ 8 شباط 1963. وذيل بعبارة كتب في بغداد 4 نيسان 1963, دون ذكر اسماء من كتبوا القانون او تواقيعهم.
3- الدستور المؤقت لعام 1964م (بعد انقلاب تشرين 63 لـ عبد السلام عارف)
يتكون من خمسة ابواب واربع فصول و106 مادة / الباب الاول – الدولة في 3 مواد, جاء فيه : الجمهورية العراقية دولة ديمقراطية اشتراكية تستمد.....من التراث العربي وروح الاسلام.... , وذات سيادة , واعتبر الاسلام دين الدولة الرسمي والقاعدة الاساسية لدستورها واللغة العربية لغتها الرسمية...الخ/الباب الثاني – المقومات الاساسية للمجتمع العراقي في 14 مادة /الباب الثالث – الحقوق والواجبات العامة في 21 مادة.
واهم ما جاء في الباب الثاني والثالث من بنود اشارت الى؛ تكافؤ الفرص امام الجميع, النظام الاقتصادي يهدف الى التنمية والعدالة الاجتماعية, الثروات الطبيعية ملك للدولة, الملكية الخاصة مصونة, تحديد الحد الاقصى للملكية الزراعية, دعم الاسرة وحماية الامومة والطفولة, تقديم خدمات الضمان الاجتماعي في حالة الشيخوخة او العجز المرض او البطالة, كما جاء المادة 19 – العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات ويقر الحقوق القومية للأكراد ضمن الشعب العراقي في وحدة وطنية متأخية.
العقوبة شخصية وحظر التعذيب وحق الدفاع للمتهمين, حرية الاديان والشعائر وحرية الراي والصحافة والطباعة والنشر مكفولة في حدود القانون وكذلك حرية تكوين الجمعيات وحق التعليم والرعاية الصحية والانتخاب ....الخ, ويمكن القول ان تثبيت كل ذلك كان من اجل, رغبة تتملك عبد السلام عارف والقوميين لتمييز انفسهم عن البعثيين والجرائم البشعة التي ارتكبت بحق الشعب العراقي ابان انقلاب شباط الاسود حيث تجاوزت هذه الجرائم كل القوانين الوضعية والسماوية, وكرد فعل نصي اكثر من كونه حرص لتغيير جذري بالأوضاع او تحقيق هذه الحقوق عمليا, كما سنرى لاحقا من تكريس لنظام حكم دكتاتوري فردي.... ).
الباب الرابع – نظام الحكم – الفصل الاول / رئيس الجمهورية في 21 مادة (رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية , يعين رئيس الوزراء ونوابه والوزراء ويقبل استقالاتهم ويعفيهم من مناصبهم, وهو يصادق على القوانين والأنظمة ويقيم المعاهدات والاتفاقيات الدولية ويعين الضباط ويحيلهم على التقاعد ويعين الموظفين والقضاة والحكام وهو القائد العام للقوات المسلحة ويعلن حالة الطوارئ والحرب وقبول الهدنة بعد موافقة مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني, وهو الذي يشكل مجلس الدفاع الوطني ويرأسه ويصدر القوانين, وبالاشتراك مع الحكومة يضع السياسة العامة للدولة في جميع نواحيها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ويشرف على تنفيذها ..............الخ.
الفصل الثاني – السلطة التشريعية - يحدد مجلس الامة كونها السلطة التشريعية حيث ينتخب جزء منه بشكل سري وعام والجزء الاخر يعينه رئيس الجمهورية وهو الذي يحدد العدد, وما جاء في الفصل الثاني السلطة التشريعية المشار اليه اعلاه, قد الغي عمليا ما جاء فيها من خلال الفقرة ج من المادة 63 حيث تؤكد هذه الفقرة على : استمرار مجلس الوزراء على ممارسة السلطة التشريعية الى حين انعقاد المجلس التشريعي !!!!!!! كما خول المجلس التشريعي ممارسة دور السلطة التشريعية الى حين انعقاد مجلس الامة !!!!!! ووقت تحديد انعقاد مجلس الامة تذكره الفقرة ج من المادة 62 حيث توضح : انه يجب ان يتم دعوة مجلس الامة للانعقاد في مدة اقصاها سنتان تبدا من تاريخ 10- 05 – 1968( ولا يعرف لماذا تم تحديد هذا التاريخ حصرا) يعني ذلك ينعقد المجلس سنة 1970( تاريخ كتابة هذا الدستور هو سنة 1964 اي بعد 6 سنوات وكل ذلك يدل على مدى استهانة من استلم مقاليد السلطة بالشعب والاستخفاف به!!!!) اي عمليا تعتبر جميع الفقرات الخاصة بالسلطة التشريعية ..هي مجمدة وان السلطات الثلاث محتكرة بيد رئيس الجمهورية والحكومة وهذا في جوهره امتداد للحقبة الجديدة منذ 1958 و شباط 1963م.
الفصل الثالث – السلطة التنفيذية في اربع نقاط و20 مادة /الفصل الرابع – السلطة القضائية في 9 مواد /الباب الخامس – احكام عامة في 4 مواد /الباب السادس – احكام انتقالية في 9 مواد وفيه : ان يستمر رئيس الجمهورية الحالي على ممارسة مهام منصبه الى ان ينتخب رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الدستور الدائم / يبقى هذا الدستور المؤقت نافذ المفعول حتى نفاذ الدستور الدائم الذي يقره مجلس الامة او قيام دولة الوحدة /يُلغى الدستور المؤقت في 27 تموز 1958 , كتب في بغداد في 29-4-1964 ودون ذكر اسماء وتواقيع كاتبيه.
4- دستور 21 ايلول 1968 المؤقت (بعد انقلاب تموز 1968م).
يتكون من خمسة ابواب واربعة فصول و95 مادة , وهو في هيكليته ومضمونه يتشابه مع الدستور المؤقت لسنة 64. جميع الفصول في 46 مادة تجعل من ما يسمى مجلس قيادة الثورة هي السلطة الاعلى في الدولة, تحتكر مع من يراسها كل السلطات التشريعية والتنفيذية ,,فرئيس مجلس قيادة الثورة هو رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس الحكومة ومجلس الوزراء وهم يعينون القضاة ويقيلونهم ويضعون مختلف التشريعات والقوانين وينفذونها ..
وثبت عبارة , يلغى الدستور المؤقت الصادر في 10-05 –1964 وتعديلاته/كتب في بغداد في 21 ايلول 1968 دون تثبيت الاسماء والتواقيع.
5- الدستور العراقي المؤقت في 16 تموز 1970
تضمن خمسة ابواب و67 مادة وعلى نفس منوال الدساتير المؤقتة السابقة, وعموما ان الحقوق السياسية التي تضمنتها مواد هذا الدستور كسابقاته لا تملك اي قيمة قانونية من الناحية الفعلية, بسبب سياسة التبعيث التي مارستها الحكومة العراقية منذ عام 1968م وحتى الغزو الامريكي في 2003م حيث تم حصر تولي الوظائف العامة الهامة في الدولة بأعضاء حزب البعث وكذلك في عضوية المجلس الوطني وكل ذلك كان يتناقض مع المواد الدستورية ويلغي اي نتيجة قانونية فعلية للحقوق السياسية.
6- مشروع الدستور العراقي لسنة 1990م
لقد اقترح اجراء بعض التعديلات في التسعينات من القرن الماضي بعد الحرب العراقية الايرانية وغزو الكويت على الدستور المؤقت لعام 1970, واشيع في حينها الانتقال من "الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية" وسن قوانين جديدة للأحزاب والصحافة والنشر......الخ ولكن لم يكتب لها النور (لان اسباب طرحها في ذلك الوقت جاء بعد الهزيمة العسكرية والسياسية والانسحاب العشوائي من الكويت ....والخسائر الجسيمة التي تكبدها الجيش والشعب العراقي نتيجة المغامرة العسكرية للحكم الدكتاتوري الفردي الشمولي في غزوه لدولة الكويت الشقيقة, ولاحقا لامتصاص اثار انتفاضة اذار المجيدة سنة 1991 وليس الوصول الى قناعة بضرورة التغيير لدى راس النظام, بل لخداع الشعب والراي العام العالمي).
وتم انشاء مجلس وطني واجراء انتخابات صورية وتمت "بيعة القائد" الذي حاز على 99,99 بالمئة من الاصوات, فلم يتغير من جوهر النظام السياسي شيء فبقى امتدادا للحقبة ما بعد الملكية بل في اسوء حالاتها مرارة وكوارث من حيث احتكار السلطة السياسية وسيادة نظام الحزب الواحد والغاء الاخر وتغييب الحريات والحقوق الاساسية للمواطن والتنكيل السياسي والقومي واطلاق يد الاجهزة الامنية والعسكرية في القمع وفقدان اي مظهر من مظاهر المجتمع المدني وحقوق الانسان.
ويمكن الاستنتاج على ان ابرز سمات الدساتير المؤقتة منذ 1958م – 2003م هي:
• تم العمل بهذه الدساتير المؤقتة اسميا وليس فعليا رغم تكريسها للأنظمة الشمولية واحتوائها على بعض الحقوق السياسية التي لم تر النور في ظل الانظمة الدكتاتورية التي حكمت العراق.
• من خلال صدور هذ العدد من الدساتير المؤقتة في العراق يمكن القول بان العراق يعتبر الدولة الوحيدة في العالم الذي يعيش في ظل دساتير مؤقتة لفترة اكثر من 45 سنة من ثورة تموز يوليو 1958م الى الاحتلال الامريكي للعراق نيسان ابريل 2003 م.
• اشتركت كافة الدساتير المؤقتة التي تم الاشارة اليها بالعديد من القواسم التي رسخت جميعها انظمة حكم فردية دكتاتورية, كما تميزت هذه الفترة التي تقارب من نصف قرن بانتهاك صارخ لحقوق المواطن العراقي. اذ تضمنت كافة التقارير الدورية الصادرة من منظمة العفو الدولية والمنظمات العالمية والاقليمية والمنظمة العربية لحقوق الانسان بعد تأسيسها عام 1983 ادانة واضحة وصريحة للأنظمة العراقية المتعاقبة بسبب انتهاكها حقوق المواطن العراقي وان وجدت بدرجات متفاوتة.
• في كافة الدساتير المؤقتة التي تصدرها مختلف دول العالم يجري تحديد فترة العمل فيها, ولكن المشرع العراقي خرج عن ما هو مألوف في العرف الدستوري, فلم يحدد في تلك الدساتير المؤقتة فترة عمل في اي منها باستثناء الدستور العراقي المؤقت الصادر عام 1965 والذي حددت فترة العمل فيه لمدة عام واحد ثم يصار الى انتخاب المجلس الوطني الذي سيقوم بدوره بإقرار الدستور الدائم للبلاد, ولكن حكومة عبد الرحمن محمد عارف تراجعت عن ذلك واستمرت بالعمل وفق ذلك الدستور رغم انتهاء العام المحدد فيه لعمله حتى تمت الاطاحة بالنظام عام 1968.
• كما تم حصر السلطتين التشريعية والتنفيذية بيد رئيس الدولة, مع انعدام الرقابة القضائية, وانعدام الفصل بين السلطات, وعدم خضوع الحكومة للقانون, اي غياب كامل لمبدا الشرعية القانونية وانعدام الحقوق السياسية من الناحية القانونية وفقدان اي قيمة فعلية للحقوق العامة بسبب استمرار حالة الطوارئ في البلاد في ظل المحاكم العسكرية والعرفية ومحاكم امن الدولة.
ان وجود دساتير مؤقتة منذ ثورة تموز 1958 حتى انهيار النظام والاحتلال الامريكي للعراق في 2003 حيث كان العمل مستمر الى ذلك الحين وفق الدستور المؤقت لعام 1970, لا يعني سوى استمرار الظروف الاستثنائية وحالة عدم الاستقرار السياسي في العراق طيلة تلك الفترة, فالدستور الدائم لأي دولة يضع حدودا لاختصاص السلطات العامة في الدولة ويشكل في الوقت نفسه قيودا لكل سلطة من السلطات لا تستطيع تجاوزها, وبخلافه تكون هذه السلطات قد خالفت الدستور وفقدت شرعيتها. فالدستور الدائم والحالة هذه يكون قيدا على سلطات الدولة. >>>>>>يتبع