المنبرالحر

هل من نهاية لمسلسل الاختطافات؟ / جواد وادي

منذ التغيير الذي أنهى حقبة الحكم البعثي الفاشي ونحن العراقيين الذين كنا حطبا لمحارق ذلك الحكم الأرعن الذي ما أن يخرج من مغامرة خاسرة حتى يخطط لأخرى أكثر هولا، دون أن يعي ولو بمستوى تفكير الأطفال الرضّع، من العبر والدروس الكارثية التي حصدها من سابقتها، وكأنه يريد أن يبلّغ رسالة مفادها أن بلدا مثل العراق لا يصلح له إلا زجه في مخاوف دائمة تترتب عنها جعل الناس في هلع مستمر، حتى تجبره مسلسلات الحروب أن يخشى الانسان المغلوب على أمره، حتى من خياله، وهذا ما تسنى له فعلا ذلك السلوك الهمجي الأرعن الذي شمل جميع العراقيين دونما تمييز، إلا أولئك المخبولين من ذلك الحزب القمعي المخيف، حتى آلت به الأمور ما ألت إليه، من خراب ودمار وضحايا ومشردين ودماء ما جفت بعد، وارتهان العراق لعقود قادمة تحت رحمة المجهول، والاستطراد في هذه الفواجع لا حصر لها. وما نحن فيه اليوم إلا امتدادا لتلك المهالك المتواصلة.
قصدنا من هذا التذكير أن ندفع بمن لهم سلطة القرار اليوم وفي معظمهم من ضحايا الحقبة البعثية المدمرة، ما يقومون به من تجاوزات فاقت في خطورتها كل تصورات البشر، الأسوياء منهم والمشكوك في قدراتهم العقلية، بأن سلوكهم الذي قد يكون في طريقه لأن يضاهي ما كان مجرمو البعث يفعلونه، لبسط سلطتهم بالحديد والنار، في ذات الاتجاه الكارثي الذي سيحصد الأخضر واليابس، إن لم يكونوا قد اقتربوا من أهوال تلك المرحلة السوداء من تاريخ العراق الجريح، من خطف وتجاوزات وتغييب، نتيجة قصورهم الفكري وعدم قدرتهم من استيعاب الدروس الفاجعة وهي لا تبتعد عنهم سوى سنوات قليلة، لنراهم قد سدوا كل مجسّاتهم لفهم ما فات، ويحتكموا لرجاحة العقل الذي اذا ما تغلبت عليه النوازع العدوانية لأي سبب كان، تحول السلوك البشري الى ما يشبه الفعل الهائج الذي لا يميز بين السلوك البشري عن ذلك البهيمي، لتتجه البوصلة نحو خراب جديد، وكوارث قادمة، وسيخرج الجميع خاسرا بامتياز "وكأنك يا بوزيد ما غزيت".
لا أظن أن عاقلا عانى ما عاناه من شطط البعثيين وتهديدهم لحياة الناس بكل الأعمار والانتماءات والمشارب، وتحويل العراق إلى محارق وخراب لا مثيل لها، أن يطلق العنان لنفسه المريضة بفعل نظام المحاصصة وما جلبته وستجلبه من كوارث قادمة، ونظام طائفي تتناسل حالات تحكّمه بمفاصل الدولة، وفرض سطوة ظلامية على البلاد والعباد، دونما أحساس آدمي، قبل أن يكون دينيا أو قوميا أو اثنيا، أن بلدا جريحا لا يزال ينز دما وصديدا وأنين، وحالة البلطجة تستفحل وتتفاقم يوما بعد يوم لفرض سطوة مذهبية وطائفية يقينا سيكون مآلها إلى حرائق، ستنالهم قبل غيرهم، لأن لغة السلاح ولي الأذرع وبث الرعب وفرض سيطرة الأمر الواقع المبني أساسا على أسس من رمال هشة سرعان ما تنهال على رؤوس أصحابها قبل "خصومهم"، من خلال تشكيل فصائل منفلتة ولا تحكمها قوانين ولا قيم ولا أخلاق، وتبتعد كثيرا عن الإسلام برحمته لا بالفتك بالآخر، إن كان ذلك الآخر، يخالف تلك المليشيات اعتقادا وإيمانا وسلوكا وفهما وتصورا، ولكن ما يجمع الكل هو العراق في ظل تعايش انساني وأخوي وروح مواطنة حقة يجللها الحب والقبول والاعتراف بما أنت عليه، وهذا هو السبيل الوحيد للخروج من المحنة، لأن جميل القول يدعو إلى أن "الدين لله والوطن للجميع" وليس للمليشيات المنفلتة والسلاح المدمر بتغييب العقل والمنطق وفرض وصاية غبراء، اثبتت كل التجارب السابقة أنها أسباب هدم وليست للبناء، وليتعظ من تعطّل عقله أو عطّله راهنا، بسبب تفشي الفساد والسحت الحرام أو ممارسات لا تناسب إلا المخبولين من البشر، أن وقت الظلم طال أم قصر لا محالة منقلب عليهم، والبقاء للوطن وناسه الطيبين البناة الحقيقيين لخروجه من مسلسل كوارثه، حين انتخى العراقي المظلوم، القادمين الجدد أن يخرجوه من عنق الزجاجة التي حشره ازلام البعث فيها، لا أن يدفعه المغضوب عليهم بالأمس، كما يدعون، إلى قعر ذات الزجاجة القاتمة، وتتعقد ظروف حياته، ليبقى الخوف سيد حياته التي ما تمتعت يوما بهدأة وسلام وأمل يعيد له الثقة بحب الحياة والمستقبل له ولأطفاله وكل العراقيين.
هكذا هو كلامي لمن ترك عقله على رف مترب، وأطلق العنان لنوازعه المريضة التي أخضعها لفهم خاطئ أو طمع مادي أو رهن حياته تحت رحمة من يدفعه للفناء، ناسيا أن هناك مواطنين أبرياء لهم الحق في العيش بحرية وكرامة وقد يلتقي معهم بمحبة الوطن، لا بسن حراب الموت الذي ستطال الجميع.
كفوا أيها المسلحون المغرر بهم عن سلوك البلطجة ومصادرة حريات الناس وكم الأفواه وأساليب الاختطاف التي لا تليق إلا بالجبناء وأنصاف البشر، لأن الغلبة اليوم لا للسلاح وقوة البطش الأرعن.
بل للمحاججة العارفة والمشبعة بالفكر النير والاختلاف الحضاري وهذا هو السبيل الوحيد لقيادة الجميع لبر الأمان.
وأخيرا أقول لكل من له سلطة القرار السياسي في العراق وخصوصا الرئاسات الثلاث، وكل قوى الحراك المدني المبارك، وكل الأحرار جميعا، انهم مطالبون بفرض سلطة القانون بكل الوسائل، وفضح الخارجين عن القانون والمنفلتين من مليشيات ومسلحين أيا كانت انتماءاتهم، لأن الصمت إزاء ما حدث ويحدث من تغليب شريعة الغاب أمر خطير جدا، ولنهمس في أذن السيد رئيس الوزراء أخيرا:
امنحنا فرصة أننا نعيش تحت سلطة القانون لنتمتع بالأمن. ونطمئن لما تصرح وتعلن عنه دائما.
ومن لم يساهم بفضح هؤلاء البلطجية ومحاسبتهم ليكونوا عبرة للجميع، فإنه سيكون مساهما بأفعالهم الاجرامية وهو بهذا الصمت الذي سيجلب الكوارث القادمة، لان ما حدث مؤخرا للشباب الأبرياء من التيار المدني، سيتكرر لاحقا، والقادم أدهى أن لم تقوموا بواجباتكم ومهامكم الوطنية.
وقد أعذر من أنذر
اللهم إني بلغت.