المنبرالحر

صير برلماني.. ولا تصير وطني! / حميد حرّان

في العراق حرب - شئنا أم أبينا - هي الأشرس والأخطر، على مصير البلد ومستقبل أجياله، معركة وجود قد لا تُحمدُ عُقباها فعلى ضوء نتائجها يتحدد مستقبل البلاد... الشيب والشباب الغيارى الذين يتسابقون في خنادق الموت على تنفيذ واجب تطهير الأرض ممن دنسوها يضربون المثل الأعلى بالتضحية ونكران الذات، يهبون دماءهم الزكية وأرواحهم الطاهرة، في الحرب هناك الكثير من المتغيرات التي تستوجب حضورا مكثفا لمصادر التشريع والتنفيذ في قيادة البلد للتعامل مع كل مستجد، لكن العجيب الغريب إن مجلسنا النيابي (أدام الله عزه ومتعنا ببركات منجزاته وجعلنا ممن يحظون برضاه!) غادر الساحة في زمن إشتداد أوار المعركة، ليتمتع أعضاؤه بعطلة نهاية الفصل التشريعي الذي لم يُشرع ما ينفع الناس، وربما غادرنا السادة النواب، الى دول الأجواء المعتدلة ليصوموا شهر رمضان هناك، بدلاً من مواجهة حر العراق اللاهب، مستغلين ما زودهم به الوطن من مال، وجوازات سفر دبلوماسية، تاركين فقراء العراق بين مقاتل يتعفر بغبار المعركة وعشرات الآلاف من الأيتام والأرامل والثكالى وعوائل نازحة تفتقد لأبسط مقومات الحياة، وأمهات وأباء، يفترسهم القلق على مصير الأبناء، ومع كل ذلك يسمون أنفسهم دون أدنى شعور بالخجل (ممثلو الشعب) !! ولا أعرف أي شعب يمثلون؟
من مآسينا إننا لم نجد بين المسؤولين العراقيين من يصلح قدوة، ففي مثل هذه الظروف، قرأنا وسمعنا عمن نختلف أو نتفق معهم من القادة، في أماكن أخرى من العالم، ضربوا المثل بالتضحية بالنفس والأبن والوقت والمال، من أجل أن يُكرسوا حضورهم في مُلمات أوطانهم، غاندي الذي تبنى الهند فذاب فيها أرضاً وشعباً، حتى تلقى رصاصات الغدر القاتلة، السيد حسن نصر الله الذي قدم فلذة كبده قربانا في معارك لبنان، ستالين الذي رفض مبادلة أبنه الأسير بضابط ألماني أسير وتركه لمصيره، سلفادور الليندي التشيلي الذي واجه المؤامرة مقاتلاً في القصر الرئاسي، ورفض عروض الإنقلابيين بالمحافظة على حياته قائلاً : وماذا أقول لعوائل من إستشهد معي وصمد بوجه الدبابات بسلاحه الشخصي حتى الموت؟ ومن يُقلِب صفحات التاريخ يجد المزيد والمزيد.. أما هنا فقد فهمت قيادات العراق إن البلد أصبح غنيمة لهم، وليسوا مطالبين بأن يكونوا وطنيين، لأن الوطنية حصة الفقراء التي تركوها لهم دون منافس، تركوا لهم شرف الدفاع عن الوطن، والتضحية بأنفسهم وأبنائهم، بينما يتمتعون هم وأبناؤهم بملذات ما في مشارق الأرض ومغاربها، حتى قيل إن أحد أبنائهم أحرق مئات الدولارات على شرف مرافقة إحدى العواهر في ماخور لبناني، بينما كانت عوائل الشهداء لا تجد الكفاف .
(الصيحه) هو صوت تُطلقه من يُراد إغتصابها، وحين تصرخ، يهب لنجدتها كل غيور، لينقذها من براثن من يُريدُ بها السوء، ومن الطبيعي أن يكون أقرب الناس لها أولهم في نجدتها!. لكن (نوريه) حين إستنجدت هب الجميع لنجدتها وقتلوا من حاول إنتهاك عذريتها، بإستثناء أخويها (مسعد وسعدون)! فقد كان الأول يغط في نوم (الضحى)، وهو نوم (المدللين)! والثاني يجول بفرسه حول القرية يسمع النداء ولا يستجيب، إستقبلاها عند باب الدار، حين عادت لبيت أهلها محفوفة بأهازيج الغيارى ... بصقت بوجهيهما وقالت : ( من مسعد وسعدون غسلت إديه .. لاشرف لاناموس بس الأذيه).