المنبرالحر

تمهل أبا سعود.. تمهل / ناصر حسين

تمهل رفيقنا الغالي فما حان وقت الرحيل بعد.
تمهل لتشاركنا فرحنا وابتهاجنا واعراسنا التي سنقيمها في طول البلاد وعرضها ونحن نعلن للعالم اجمع نصرنا على قوى الظلام والفاشية وطرد زمر داعش الارهابية من ام الربيعين وتحرير الحويجه وعنه والقائم من رجسهم، شاكرين للجميع ما قدموه لنا من مساعدة ممجدين ما قدمناه من شباب بعمر الورود شهداء، طلقوا مباهج الحياة وتصدوا ببطولة للزمر الداعشية التي تجمعت علينا من اكثر من ثمانين دولة.
تمهل رفيقنا الغالي فالطموح الذي اشرت اليه وانت توقع في السابع عشر من تموز 1973 وثيقة التحالف وتعلن امام الجميع بأننا ندخل هذا التحالف "لنجنب شعبنا" المزيد من التضحيات والمزيد من الدماء والمزيد من الآلام، فالطموح باق يا ابا سعود، مازال في البلد مستغِلون ومستغلَون، مازال في البلد انسان يستغل اخاه الانسان.
تمهل ابا سعود لترى كيف سيتغلب شعبك بصموده وتصميمه واصراره على نهج المحاصصة الطائفية العرقية الذي فرضه علينا المستر بريمر والذي فرضته علينا الحياة وقرار مجلس الأمن الذي شرعن الاحتلال وكلفه بإدارة الشأن العراقي لمدة عام كامل قابل للتجديد، والذي شكل اس البلاء ومصدر جميع الازمات والصراعات التي مرّ بها البلد منذ سقوط نظام الطاغية وحتى اللحظة الحاضرة.
تمهل ابا سعود تمهل، لترى بعينك كيف يتساقط رموز الفساد المالي والاداري مفسدو جهاز الدولة ونظام الحكم، سرّاق المال العام بأيدي رجال القضاء العراقي الشرفاء ليبعثوا بهم الى المستقر الذي يستحقونه – السجن ومزبلة التاريخ- ويستعيدون منهم كل ما سرقوه من ثروات الشعب العراقي، وسيرون بأنفسهم ان لا عاصم يعصمهم من قبضة القضاء العراقي والانتربول الدولي، لا جوازات السفر الاجنبية التي يحملونها في جيوبهم ولا أية حماية لا داخلية ولا دولية.
تمهل ابا سعود تمهل، لترى شعبك يشمر الساعدين ويبني لنفسه دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وفق دستور ديمقراطي، ويقيم العدالة الاجتماعية الحقيقية وليس الشكلية في ربوع الرافدين.
سنفتقدك يا ابا سعود، فما زلت اتذكر جيدا يوم افتتحنا مقرا لحزبنا في مدينة الحلة عام 1973 أي حالة وجوم سيطرت علينا، لأن ابا قيود لم يكن بيننا ذلك اليوم فقد غيبته عنا وبالرغم منا الاجهزة القمعية للمقبورين ناظم كزار وصدام حسين.
تمهل ابا سعود، وان كان منطق الحياة له منحى آخر فهذا الشاعر الزهاوي يخاطب ابنة الشاعر عبد المحسن الكاظمي التي اخذت تبكي اباها عندما رحل عن الدنيا في القاهرة بعيدا عن شعبه ووطنه :
( رباب صبرا فالحياة فريسة والموت ذئب ان سطى لا ينثني )
صباح اليوم الاول من حزيران ولم اكن قد اطلعت على نعي الحزب له على صفحات طريق الشعب أخبرني سائق سيارة تاكسي عن وفاة الرفيق ابو سعود – عزيز محمد – الذي ارتبط اسمه بالحزب الشيوعي العراقي واصبح جزءا يحكي تأريخه منذ اربعينيات القرن الماضي.
ولد الرفيق عزيز محمد في قرية من قرى كردستان العراق إبناً للأمة الكردية التي جزأتها الاطماع الاستعمارية البغيضة مثلما جزأت الامة العربية اتفاقيات سايكس بيكو السرّية حالها حال فلسطين التي جزّأها قرار مجلس الامن الدولي عام 1947.
وهو ابن العشرين التحق بإحدى الكتل الحزبية التي جعلتها ظروف معينة ان تكون خارج الإطار التنظيمي للحزب الشيوعي العراقي الذي كان آنذاك يخطو اولى خطواته التنظيمية لإعادة بناء الحزب التي تصدرها الشهيد الخالد "فهد" بعد عودته من موسكو اوائل عام 1938 حيث عقد الكونفرنس الاول للحزب عام 1944 والذي اقر الميثاق الوطني للحزب وتم عقد المؤتمر الاول للحزب في آذار 1945 وأقر النظام الداخلي فأتفقت جميع تلك الكتل على حلّ نفسها وجعلت مسألة الألتحاق بصفوف الحزب متروكة لأعضائها ليقرر كل منهم موقفه بنفسه، وقد اختار الرفيق عزيز محمد الانتساب للحزب حاله حال الكثيرين من مدنيين وعسكريين كالشهيد مهدي حميد والضابط الوطني المعروف عائد كاطع العوادي وحمزة سلمان ونافع يونس وعمر الياس وغيرهم.
اواخر عام 1948 اوائل عام 1949 وجهت الاجهزة القمعية للنظام الملكي ضربتها الانتقامية للحزب الذي تصدر رفاقه وثبة كانون الثاني عام 1948 التي اطاحت بحكومة صالح جبر ومعاهدة بورتسموث قبل ان ترى النور، فاحتاجت جهود الحزب لاعادة بناء منظمة العاصمة وهي مركز الحركة الثورية في العراق ان ينتقل الرفيق عزيز محمد من كردستان الى بغداد ليقيم هو ووالدته في احد البيوت الحزبية.
حدثتني ذات يوم الرفيقة الراحلة زكية خليفة كيف تحدثت صحف النظام الملكي بأرتياح عندما استطاعت اجهزتهم الامنية كبس ذلك البيت واعتقال الرفيق عزيز الذي تحدثوا وبإنبهار عن شبابه وجمالية طلعته وشياكته التي لم تفارقه طيلة حياته.
عندما أصدر سكرتير اللجنة المركزية بهاء الدين نوري ميثاقا جديدا للحزب وبأسمه الحزبي – ميثاق باسم – ليكون بديلا عن الميثاق الوطني الذي اعدّه الشهيد فهد وأقره الكونفرنس الاول للحزب عام 1944 كان الرفيق عزيز محمد سجينا ولم يرضه ذلك التصرف من بهاء الدين نوري كتصرف فردي يتعارض مع جماعية العمل وبين مفرداته – ميثاق باسم – توجهات متياسرة تتجاوز مرحلة التحرر الوطني التي كان العراق يعيشها، وكانت المهمة الاساسية الاولى للنضال آنذاك تتمثل في التخلص من السيطرة الاستعمارية غير المباشرة على العراق ونيل السيادة والاستقلال الوطني التامين وبتجاهل تام للحديث الشهير للشهيد فهد مع عبد الله مسعود القريني عندما قال له ( وان كنا شيوعيين لكننا لا ندعو للشيوعية فنحن لا يمكننا ليّ يد التأريخ ).
الرفيق عزيز دوّن وجهة نظره وكان يؤدي بذلك واجبه الحزبي في ان يساهم في رسم سياسة الحزب... الّا ان الفردية في العمل والبيروقراطية في السلوك كان لهما الدور البارز في الوقوف بحدة تجاه وجهات النظر تلك، سواء التي طرحها عزيز محمد او الشهيد جمال الحيدري او الشهيد حمزه سلمان او الشهيد حسن عوينه، مما تسبب في تشكيل راية الشغيلة واصدار جريدة بنفس الاسم وأن يكون في الساحة السياسية حزب شيوعي لسان حاله جريدة القاعدة وتنظيم شيوعي بأسم راية الشغيلة ولسان حاله جريدة راية الشغيلة.
عام 1955 وبعد عودة الشهيد سلام عادل من لندن حيث حضر اجتماع الاحزاب الشيوعية لبلدان الكومنولث واجتماع اللجنة المركزية للحزب واعفاء حميد عثمان من موقع السكرتير الذي تبوأه بعد هروبه عام 1954 من سجن بعقوبة على ضوء محاسبته عن تصرفاته المتشنجة تجاه الاطراف السياسية الأخرى واصداره ميثاقا جديدا للحزب اسماه (اطلاقات أيار) وانتخاب الشهيد سلام عادل سكرتيرا للجنة المركزية للحزب، وضعت نفسها مسألة وحدة الحزب على بساط البحث باعتبارها المهمة التنظيمية الاولى. كان الطرفان – الحزب وراية الشغيلة- يحسان بمدى ثقل تلك الحال على عمل الحزب وانها حالة لا مبرر لأستمرارها بعد التطورات العميقة في عمل الحزب سياسيا وتنظيميا. فكان ان التقى في قرية الجدية في ناحية العباسية القريبة من مدينة الكوفة وفي بيت الرفيق الراحل عبد الامير مظلوم وفدان يمثلان الحزب وراية الشغيلة. مثل الحزب الشهيد سلام عادل ومثل راية الشغيلة الرفيق الراحل حسين سلطان صبي، وحلت راية الشغيلة وتوحد الحزب وعقد الكونفرنس الحزبي الثاني عام 1956 والحزب موحد الصفوف وانتخبت لجنة مركزية جديدة للحزب ضمت السكرتير الشهيد سلام عادل والشهيد جمال الحيدري لعضوية المكتب السياسي وصدرت الجريدة البديل ( اتحاد الشعب ).
وانتصرت ارادة الشعب بقيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 واطلق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين، والتحق العديد من قادة الحزب الذين كانوا سجناء او مبعدين في بدرة بعضوية اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب، وكان ان اصبح الرفيق عزيز محمد عضوا في المكتب السياسي ومسؤولا عن التنظيم العسكري. واتذكر جيدا ان انقلابيي شباط 1963 كانوا يكثرون من نداءاتهم لزمر الحرس القومي التي تصول وتجول في الشوارع والطرقات تدعوها الى القبض على الرفيق عزيز محمد، وقد كانت صحفهم تنشر اوامر القبض الصادرة في حقه معززه بصور مختلفه له.
آنذاك انسحب الرفيق عزيز محمد الى كردستان ليشكل هو والرفيق عمر علي الشيخ مركزاً قياديا للحزب على نطاق كردستان ليضاف الى المراكز الحزبية الاخرى التي تشكلت في بغداد وفي الفرات وفي الخارج..
في العام 1964 غادر الى براغ لحضور اجتماع اللجنة المركزية للحزب، الاجتماع الذي اقر خط آب / 1964 وفي الاجتماع انتخب الرفيق ابو سعود لموقع السكرتير الاول للحزب. وبعد اشهر معدودات حضر مؤتمر الحزب الشيوعي الهندي. ومن الكلمة التي القاها امام المؤتمر والتي بثتها اذاعة الحزب استنتجنا في سجن الرمادي – انا كنت آنذاك سجينا في سجن الرمادي – ان قيادة الحزب تتهيأ لتصحيح خط الحزب السياسي الذي اقره اجتماع براغ، وهذا ما تم فعلاً حيث عقدت اللجنة المركزية للحزب اجتماعا لها في نيسان 1965 وأصدرت بلاغا دعت فيه الى اسقاط طغمة عارف يحيى الدكتاتورية الرجعية. وقد كان من بين قرارات اجتماع نيسان 1965 قرار بعودة كافة رفاق اللجنة المركزية للحزب الى داخل الوطن ليعيشوا بين ابناء شعبهم يتعرفوا تعرفاً مباشراً على همـوم شعبهم ومزاجه، وكان طبيعيا ان يكون الرفيق عزيز محمد الذي لم يغادر الوطن عام 1963 بل توجه إلى جبال كردستان ليكون هناك قائداً انصاريا في قواعد البيشمركه الشيوعيين وقائداً سياسياً موجهاً لنشاط الشيوعيين العراقيين داخل الوطن وخارجه أول المبادرين للعودة إلى الوطن، وأن يرفض رفضاً قاطعاً الرسالة التي بعث بها اليه من موسكو عزيز الحاج علي حيدر المرشح لعضوية اللجنة المركزية آنذاك – والتي يطلب فيها استثناءه من القرار، وأصر على أن يعود إلى الوطن حاله حال الآخرين. وكان في حينه حريصاً على كل طاقة حزبية مهما صغرت، وكان حريصاً أيضاً على الاستماع إلى آراء الرفاق ووجهات نظرهم. ولهذا نجده عندما قررت اللجنة المركزية للحزب في اجتماع نيسان 1965 إدانة خط آب باعتباره ((سياسة يمينية ذيلية )) طلب من الرفاق تدوين ما لديهم من وجهات نظر بخصوص خط آب ومسبباته، وعن سياسة الحزب بشكل عام، وما أن دخلنا العام 1966 حتى أصبحت بين يدي الكادر الحزبي وثيقتا تقييم لسياسة الحزب في تلك الفترة أحداهما معدة من قبل عامر وبهاء، والأخرى معدة من قبل زكي وعزيز الحاج. وعندما اجتمعت اللجنة المركزية في شباط 1967 وأطلعت على ما قدمت شبكة الكادر الحزبي من ملاحظات بخصوص الوثيقتين قررت أحالة الوثائق إلى المؤتمر الوطني للحزب، فهو صاحب القول الفصل في اقرار التقييم، وعليه تقرر تشكيل لجنة للاعداد للمؤتمر برئاسة عزيز الحاج، وحدد موعد المؤتمر في كانون الأول 1967 على أن تجتمع اللجنة المركزية في تموز لوضع اللمسات الأخيرة على التحضيرات للمؤتمر. ونتيجة للمحاولة الانقلابية للاستيلاء على قيادة الحزب التي تصدرها عزيز الحاج في أيلول 1967 استعيض عن المؤتمر بالكونفرنس الثالث وقد عقد المؤتمر فعلاً في آب – أيلول 1970 حيث أعادت اللجنة المركزية التي أنتخبها المؤتمر انتخاب الرفيق عزيز محمد سكرتيراً لها. تماماً مثلما فعلت اللجنة المركزية التي انتخبها الكونفرنس الثالث للحزب.
في تلك الفترة وحتى أواخر عام 1971 كانت منظمات الحزب تواجه حملة مطاردة شرسة من جانب امن الثنائي ناظم كزار – صدام حسين، ووصلت بهم الوقاحة حدّ مداهمة بيت الرفيق عزيز محمد والعبث بمحتوياته عام 1971 وعليه اضطرت اللجنة المركزية الى أن تتخذ قراراً بان يكون الرفيق عزيز خارج بغداد، فقد اعدم لنا سكرتير للحزب عام 1949 واستشهد لنا تحت التعذيب الوحشي سكرتير للحزب لذا كان ينبغي حماية الرفيق عزيز محمد من إن تناله يد السلطات الأمنية البعثية وان يكون لنا سكرتير ثالث للحزب شهيداً أيضاً أمر صعب جداً. وما أن هدأت الأمور أواخر عام 1971 واضطر البعث لتغيير تكتيكة وأوعز إلى الأمن للتوقف عن مطاردة الشيوعيين حتى عاد الى بغداد ليكون قريباً من الإحداث المتسارعة أوائل السبعينات، داخلياً وعربياً..
في تلك الفترة أي ما بعد عام 1971 كان لنا الكثير من اللقاءات في مقر اللجنة المركزية للحزب فقد كانت قيادة الحزب تعقد وكحد أدنى ندوة سياسية أو فكرية في مقر اللجنة المركزية يتحدث فيها احد قادة الحزب أو علماء متخصصون في الفلسلفة أو الاقتصاد السياسي من مختلف البلدان الاشتراكية.
في إحدى جلسات المؤتمر الثالث عام 1976تحدث احد الرفاق وهو من القادة، لم يكن موفقاً في حديثه حيث اضطر الرفيق محمد حسن مبارك إلى إن يلتفت إلي ويقول ( ما هذا التشوش ؟ ) فقلت له ( كما تسمع يا أبا هشام ).
الرفيق عزيز محمد وهو المسؤول الأول عن إدارة جلسات المؤتمر لم يقاطعه، لم يوقفه عن الكلام حتى عندما تجاوز الفسحة الزمنية المقررة للكلام لكل مندوب. ومن حرصه على تجميع كافة الطاقات لم يحذف اسمه من قائمة المرشحين لعضوية اللجنة المركزية المعدة للتصويت عليها وهو المشوش فكرياً، ذلك التشويش الذي شكل لاحقاً الجذر الفكري لموقفه من النظام الصدامي ومن الحزب.
عندما دخلت غرفة عمل الرفيق أبو سليم في عام 1973 وجدت الرفيق عزيز أيضاً. ودار بيننا حديث حول مساهمة قيادة الحزب في حفل افتتاح مقر الديوانية وحسم الموقف الرفيق أبو سعود عندما طلب مني إبلاغ الرفاق في محلية الديوانية تحياته وان وفداً من قيادة الحزب سيحضر الحفل وقد حضر الوفد يوم حفل الافتتاح صباح اليوم المقرر ولم يغادرنا عائداً إلى بغداد إلا مساءً.
أواخر عام 1973 كان للرفاق الذين انتدبهم الحزب لتمثيل المنظمات الحزبية في لجان الجبهة في المحافظات لقاءً موسعاً في مقر الثقافة الجديدة في بغداد، وكان قد حضر اللقاء العديد من قادة الحزب منهم الرفيقان عزيز محمد ورحيم عجينة.
وأتذكر كيف رحب أجمل الترحيب بالرفيق هاشم جلاب الذي وقف وسط القاعة لحظة وصوله إلى الاجتماع ليقول معرفاً بنفسه (جئتكم من الكوت، فانا رفيقكم هاشم جلاب) لم نكن نعلم أن اللجنة المركزية للحزب لديها اجتماع يعقد بعد انتهاء اللقاء. ولدى انتهائه بدأنا بمغادرة القاعة فأحاط بعض الرفاق بالدكتور رحيم ودخلوا معه في حديث مطول.
لاحظت وقتها ان الرفيق عزيز من خلال الحاح احد الرفاق عليه حول موعد اجتماع اللجنة المركزية يستصعب قطع حديث الدكتور رحيم مع رفاق الحزب، وبقي منتظراً انتباهه هو الى موعده وإنهاء الحديث مع الرفاق.
عام 1974 كانت قد عقدت على قاعة نقابة المعلمين في المنصور ندوة علمية حول التحالف بين المنظومة الاشتراكية وحركة التحرر الوطني بمبادرة من مجلة الوقت وسكرتارية اللجنة العليا للجبهة استمرت جلساتها أربعة أيام كاملة وقد حضرت كافة جلساتها.
في إحدى فترات الاستراحة جمعتنا الصدفة الرفيق أبو سعود والرفيق على يعته – سكرتير اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية المغربي – هكذا كان يسمى الحزب الشيوعي المغربي – وأنا.
لم ينطق الرفيق أبو سعود ولا كلمة واحدة عن عملنا نحن، كان متلهفاً ان يسمع من الرفيق علي يعته أنباءً سارة عن نضال الرفاق المغاربة وتطور الأوضاع في المغرب الشقيق.
وفي إحدى الجلسات توجه رئيس وفد حزب البعث في الندوة (وهو مازال على قيد الحياة يسكن احدى الدول الأوروبية يمتلك أحدى الفضائيات الناطقة باللغة العربية ويصدر جريدة يومية توزع في مختلف المدن العراقية ) توجه بسؤال محرج إلى الرفيق ممثل الحزب الشيوعي السوري الشقيق حول توقيع الحكومة السورية اتفاقية فصل القوات مع إسرائيل و (( الا يعتبر ذلك خيانة وطنية لمصالح الشعب السوري والقضية الفلسطينية )) هكذا وبالتحديد كانت صيغة السؤال. تناول المايك من أمام الرفيق أبو سعود وأجاب جواباً مقتضباً أتذكره وبالنص (( قدمت الى بغداد بالطائرة من براغ دون المرور بدمشق كي أطلع على ما حصل من أتفاق وأنا لست ناطقاً بلسان الحكومة السورية كي يوجه السؤال لي أنا )) واقفل المايك وأعاد وضعه أمام الرفيق عزيز والتفت الي وهو يقول (( بدهم يحرجونه، موش هيك يا رفيق )) !!
ومرت الأيام، ومرت السنين وها هو الرفيق أبو سعود يودعنا وداعه الأبدي، لكنه سيبقى ماثلاً أمامنا في نضاله المتفاني كقائد للحزب، في تضحياته الجسام، في صمود البطولي يوم واجه الجلادين وهو في عز الشباب وفي قتاله ضد النظام الفاشي في سفوح كردستان.
لقد كان الرفيق عزيز محمد مناضلاً باسلاً من أجل أن يكون العراق حراً مستقلاً ويعيش شعب العراق سعيداً موفور الكرامة.
فالمجد كل المجد للرفيق العزيز أبي سعود والعهد بان تبقى راية الحزب عالية خفاقة.