المنبرالحر

لا إكراه في الدين والحرية للجميع / د. محمد علي زيني

أرى من الواجب، ونحن ما زلنا في شهر رمضان الكريم، أن أُذكّر بأن الله جل جلاله قد أمر بأن لا إكراه في الدين! وقد تبين للرسول محمد (ص) أمر الله هذا في الأيام الأولى من الهجرة حين كان المسلمون آنذاك فقراءً وجياعاً. ذلك أن الرسول الأكرم أشار في بادئ الأمر على الصحابة بأن الصدقات يجب توزيعها على فقراء المسلمين فقط. ولكن ذلك الرأي عولج بوحي الآية (272) من سورة البقرة التي نزلت فوراً على الرسول وهي تقول " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تُنفقوا من خيرٍ فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجهِ الله وما تُنفقوا من خيرٍ يوفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون"، وبموجب هذه الآية أمر محمد(ص) أصحابه بتوزيع الصدقات على ذوي الحاجة من الفقراء دون الألتفات لدينهم أو معتقداتهم. وبهذه الآية يخاطب الله جل جلاله رسوله بأنه، إضافة الى تقديم العون للفقراء، ليس عليه هداية الناس فهي ليست من شأنه وإنما عليه البلاغ فقط، والله يهدي من يشاء. هذا هو جوهر الاسلام! العناية بالأنسان الذي كرّمه الله، واحترام معتقداته مهما كانت، وعدم المساس بها أو تغييرها قسراً لأن هذا مخالف لشرع الله.
ليست تلك هي الآية الوحيدة التي نزلت على الرسول بهذا المعنى وإنما هناك آيات قرآنية أُخرى تمنع قسر الأنسان على الأخذ بدين معين ومن بينها: "فذكّر إنما أنت مُذكّر. لستَ عليهم بمسيطر" (الغاشية: 21 و22)، و"ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس: 99)، و"ولو شاء ربّك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين" (هود: 118). وبهذه الآيات الكريمة وأمثالها نجد أن الله جلّ وعلا يكرر القول بأنه لو شاء لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، ولو شاء الله لجعل الناس أمةً واحدةً. ولكنه لم يفعل ذلك لحكمة، وهي أنه أعطى الله الأنسان القدرة على التفكير بواسطة العقل كي يفرز الصالح من الطالح مستضيئاً بتعاليم الرسل وبما تقتضيه الفطرة السليمة للانسان. ووهب الله، سبحانه وتعالى، مخلوقه الأنسان الحرية في الأختيار – بدون قسر من الرسُل إذ ما على الرسُل إلاّ البلاغ المبين – وسيحاسب اللهُ الانسانَ في الآخرة بناءً على اختياراته التي اتّبعها في الدنيا، وسيكون الثواب هناك والعقاب على ضوء ما يقرره الله، جلّت قدرته. وهذا كل مافي الأمر، لا أكثر ولا أقل. ولم يسمح الله لأنبيائه بفرض الأيمان على الناس بالقوة والقسر، وهذا الأمر يتعدى بالطبع الى الحاكم الذي هو أدنى درجات من النبي، والعديد من هؤلاء تقمص عنوان "خليفة النبي أو "أمير المؤمنين" أو "خادم الحرمين"، وأصبح يجلد ويذبح ويقتل بإسم الله، ناهيك عن جلاوزة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الذين يجوبون الأسواق والمحلات والشوارع لإكراه الناس على التديّن – ولا إكراه في الدين!
ولو كان الأكراه في الدين مسموحا به لكان من باب أولى أن يشاء الله به ولا يتركه لعبيده من الحكام الذين سيستغلونه لخدمة مآربهم الدنيوية. ولكنه لم يشأ أن يجعل الناس أمة واحدة، وإلا لأصبح الأنسان كالحيوان وكالنمل والنحل، يتبع حياةً رتيبة تقودها الغريزة فقط. ولكن الناس ما يزالون مختلفين، وهذه سنة الله، وبهذا تتطور البشرية لأن محرك التطور هو الاختلاف! أخيراً لو شاء الله لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، وهذا صحيح طبعاً. ولكن ستصبح حالة الانسان، في ظل هذه المشيئة، كحالة الملائكة، لا إرادة ولا حرية لهم في الاختيار، فهم (الملائكة) مسيّرون أو "مبرمجون" كما يشاء الله. عندئذ ستنتفي، إذن، مسألة الآخرة والحساب والثواب والعقاب. ولكن الله، جل جلاله، أهدى الانسان العقل وجعل له إرادة ووهبه الحرية في الاختيار والتصرف. فالانسان إذن هو أعلى من الملائكة وأرفع عند الله منهم، لأن الله وهب الانسان الحرية، وهي أغلى شيء يمكن أن يملكه المخلوق. ولهذا السبب أمر الله ملائكته بالسجود لآدم، ذي العقل والحرية ورمز الانسانية.
والأن ماذا يمكن أن نقول للدواعش وهم أحط مخلوقات الأرض! إنهم يُكرهون الناس على إسلامهم، وأي إسلام إسلامهم! حتى السعودية المتحالفة حالياً مع إسرائيل، ومنبع المذهب الوهابي الكاره لكل الأديان الأخرى والمذاهب الاسلامية – عدى الحنابلة - والذي يدعو شيوخه الله لتمكين "المجاهدين" من رقاب اليهود والنصارى والشيعة والشيوعية، والذي فرّخ القاعدة نزولاً الى جبهة النصرة، أقول حتى السعودية قد أصابها نوع من الحياء والخجل من داعش وأفعالها.
فطوبى، إذاً، للجيش العراقي المغوار والقوات المسلحة البطلة في مقاتلة أبناء الخنا الدواعش ومحقهم والقضاء عليهم، فالدواعش ليسوا إلا دنس الشياطين على أرض الله الطيبة.