المنبرالحر

إغلاق أمريكا / محمد شريف أبو ميسم

في الأول من تشرين الأول الجاري أصبحت الحكومة الأمريكية دون تمويل بعد أن أصر الجمهوريون على رفض اقرار الموازنة حتى يستجيب الرئيس أوباما لمطالبهم بتأجيل برنامج الرعاية الصحية، المعروف باسم <>أوباما كير>> الخاص بتوفير الرعاية الصحية لـ40 مليون أمريكى وهو أحد أبرز وعوده الانتخابية.
هذا الرفض الذي جاء على خلفية ( الخشية من ترسيخ نظام اقتصاد الدولة كما يدعي الجمهوريون ) أفضى الى إغلاق المؤسسات والدوائر الحكومية الفيدرالية باستثناء المصالح الحيوية ، وهو ما يعد بمثابة شلل اقتصادي لما سيتسبب عنه من تعطّل حوالى 800 ألف موظف يعملون فى الدوائر الحكومية الفيدرالية بسبب عدم وجود اعتمادات لصرف أجورهم.
هذا هو الملمح العام لأزمة يقوم بصناعتها الساسة الأمريكيون، وهي ليست الأزمة الأولى فيما يتعلق بتاريخ اقرار الموازنات أو صرف التخصيصات، عبر ما يسمونه « اغلاق أمريكا» بسبب الخلاف حول القضايا المالية ، فعلى مدى الفترة من 30 أيلول 1986 حتى 6 كانون الثاني 1996، تم إغلاق الحكومة الأمريكية 17 مرة بحسب ما أوردته بعض التقارير، لفترات تراوحت بين يوم واحد إلى شهر تقريبا، وهذه هي المرة الـ 18 التي تغلق فيها الحكومة الأمريكية أبوابها.
بيد ان إغلاق هذه المرة جاء والأسواق العالمية تعيش حالة من القلق والتوتر والحساسية العالية ازاء أي خبر سياسي.. على اثر الشد والجذب ( في أسواق النفط ، وأسواق المال والذهب والمعادن الأخرى ) الناجم عن تداعيات التحولات في الشرق الأوسط ، واستمرار الصراع المذهبي الذي نجحت اسرائيل في صناعته من بقايا حطام التاريخ بشكل محكم للإطاحة بفكرة العداء العربي الاسرائيلي وولادة عداء طائفي طويل الأجل في المنطقة .. وتزامن الأمر مع مشروع التقارب الأمريكي الايراني ما يلفت النظر لوجود الأصابع الاسرائيلية في موقف الجمهوريين حسب مراقبين، وستكشف لنا الأسابيع المقبلة اذا ما استمرت الأزمة لأكثر من الاسبوع الحالي بصمات هذه الأصابع ، اذ سيزداد الضغط على أوباما الذي يحاول جاهدا تنفيذ وعوده الانتخابية الداخلية التي تركزت على برنامج الضمان الصحي ، ووعوده ببرنامج الانفتاح على الآخر خارجيا وعدم الخوض في حروب جديدة، وسيكون أوباما أمام خيارين أحلاهما هو الفوز بتحقيق وعوده للناخبين في برنامجه الصحي مع اجراء بعض التعديلات بما يرضي الجمهوريين مقابل التخلي عن التقارب مع ايران.. وبخلافه فان من يسمونهم بـ» حزب الشاي» داخل الجمهوريين سيدفعون باتجاه الاغلاق لفترة أطول ، ما يعني المزيد من الضغط على أوباما ومزيد من المكاسب الفئوية بوصفهم نخبة من أصحاب الشركات العملاقة والعابرة للقارات أو ممثلين لهم من خلال تداعيات هذا الموقف حيث ستنخفض قيمة الدولار أكثر بعد أن تسبب الإغلاق الحالي في خفض قيمتة بنحو 0.5 بالمئة تقريبا، الأمر الذي يضر باقتصاديات الدول النفطية.. فإذا ما أخذنا في الاعتبار إجمالي الإيرادات من النفط فإن ذلك يعني خسارة بمليارات الدولارات بجانب انخفاض سعر النفط، حيث تراجع منذ بداية الاغلاق لحين كتابة هذا المقال بنحو 9 دولارات..وانخفاض قيمة الدولار لا يقتصر ضرره على الدول النفطية، اذ سينسحب الضرر على الاقصادات المنافسة للولايات المتحدة مثل الدول الصناعية في أوروبا واليابان، حيث يتسبب تراجع الدولار في ارتفاع قيمة عملات هذه الدول ومن ثم تراجع قدراتها التنافسية، رغم سعيها لإبقاء عملاتها ضعيفة حتى تستطيع المنافسة.. ومن المتوقع إذا استمر الإغلاق أن يؤثر سلبا في معدلات نمو الاقتصاد الأمريكي الأمر الذي يعظم من نقمة الرأي العام الأمريكي ويستخدم للاطاحة بالديموقراطيين في الانتخابات المقبلة.