المنبرالحر

الفنان بدري حسون فريد ومحنته الصحية / جواد وادي

1. يا للهول وانت تمر بهذه المحنة الصحية التي تتعاظم يوما بعد آخر، استاذنا الكبير والمسرحي الرائد الذي اسس للبنات المسرح العراقي الأولى، وما اعترتك من محن واغتراب وشظف عيش ونحن نقف على مدى العوز الذي كنت عليه يوم كنت تسكن في قبو حقير مظلم ورطب والامراض تستوطن جسدك العصي على الانحناء والهزيمة، في مدينة الرباط عاصمة المملكة المغربية، حين كنا نزورك بين فترة وأخرى، الفنان والشاعر فراس عبد المجيد، الفنان والروائي كاظم الصبر، والاستاذ مثال عبد الوهاب وكاتب هذه السطور، يومها كنا نحس ونشعر بمدى الضيم الذي كنت تعانيه، وكنت ترفض بإباء اي عون او مساعدة حتى وان كانت بصيغة السلف، أو الاقتراض، لتكتفي بمبلغ 150 دولار راتبك الشهري لقاء تدريسك في المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي في العاصمة الرباط، يذهب ثلثاه لكراء ذلك القبو الرث، مع بعض العون الذي يأتيك من ولدك البار،
كيف ننسى تلك الأزمة التي اقعدتك الفراش، وكنت يومها مهدد بالعمى، وغير قادر على سداد العملية في مستشفى الشيخ زايد، فكتبنا وناشدنا مسؤولي العراق، دون موافقتك طبعا، لأنك كنت تأبى اي نوع من المساعدة، ذلك الشموخ الذي تعلمنا منه الكثير، وعرفنا من يكون بدري حسون فريد، ذلك الهرم الشامخ الذي أبى ان يكون يوما بوقا لنظام القمع البعثي مقارنة بالبقية ممن هادنوا وتحولوا الى ابواق ومشاريع استجداء ومذلة، لعرض بضاعتهم للنفخ في قربة الطاغية الأجرب، الأمر الذي اضطررت بسببه للنفاذ بجلدك من العراق، تاركا كل أنواع المغريات البعثية، وكنت يومها تحفل بالامتيازات والسكن المرفه والعيش الرغيد ووظيفتك المتميزة، انما غلّبت الكرامة والنقاء الانساني اللتان كانتا سمة وجودك بمواقفك النبيلة والاصيلة لتعيش في عوز وفاقة وتسكن في قبو تهرب منه حتى الفئران،
كنتُ يومها قد توصلت بمراسلات تبدي استعدادها لتغطية تكاليف العملية، وكان من ضمن المتصلين بي الفنان نصير شمة، لكنك كنت تبدي رفضك وبقوة، حتى جاءت المساعدة التي تبناها المرحوم وطيب الذكر، جلال الماشطة، وكان يومها مستشارا للسيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية، الأمر الذي كان يدعونا للفخر والحيرة في آن، ذلك الشموخ وتلك الأنفة وانت تجلل حضورك، معنا بفرح غريب نعرف انك كنت تقاوم ما انت فيه من ألم وعذاب واحساس بالغربة وشدة المواجع، وبصمت لا يعرف كنهه الا من يعاشرك ويقترب منك ويشعر بحجم ايلامك،
كنت في فرح غامر يومها، حين استلمت الجزء الاول من كتابك الموسوم "قصتي مع المسرح"، وانت تحضنه وتتكلم عنه بفرح طفولي، وعرفانا بهذا المنجز الوثيقة، قمت انا بكتابة قراءة له، فكانت فرحتك لا توصف، اردفتها بقراءة ثانية للجزء الثاني، الامر الذي حداك لتقديم الشكر والامتنان وكذا الاعجاب بما قمت به، وانا اعتبر ذلك تشريفا لي للكتابة عن قامة مسرحية ابداعية بحجم بدري حسون فريد، وقبلها كنتَ في غاية السرور حين كتبتُ عن اصدارك الهام "فن الالقاء" الصادر في المغرب،
فقط اود ان اعلم القارئ الكريم، ان الاستاذ بدري زارني في داري بمدينة اسفي المغربية صحبة الفنان حسن هادي بمناسبة تقديمهما عرضين في تلك المدينة فكانت سهرة بقيت عالقة في وجداني حين بكيتَ انت كما الأطفال، وانت معي في السيارة وقتها كنا نستمع المطرب اليمني الاثير على قلبك ابو بكر سالم وهو يغني احدى اغانيه القريبة على قلبك، فبكينا معاً، استذكارا للوطن الجريح،
حسرتي والمي بانك تعاني هذه المحنة الآن دون ان اراك وارافقك في هذه الايام العصيبة،
ستبقى استاذنا الجليل منارة عز وشموخ ومدرسة تنير دروب الاجيال القادمة لتلك الاواصر التي قلّما تتوفر لدى مبدع آخر، عشق وقاسى وعانى وضحى من اجل رفعة المسرح العراقي، فهل اعبطوك فنانو اليوم ولو الجزء اليسير بما قدمته من منجز وطني عظيم،
انحني اجلالا لذكراك الطيبة، فناننا الكبير،
شافاك الله مما انت فيه من محنة صحية،
وتبا لكل من ادار ظهره للوقوف إلى جانبك
عزاؤك الوحيد بزوجتك الفاضلة التي كم كنت تتكلم عنها بحب وعرفان ووفاء وعشق طاغ وانت صحبتنا في المغرب
وكذا مع كل النبلاء من الفنانين والمثقفين الذين ما زالوا بذات الوفاء لخدماتك الجليلة لمسرحنا العراقي بوقوفهم معك
قلوبنا معك فناننا الكبير بدري حسون فريد