المنبرالحر

مؤتمر طوارئ لإنعاش الاستثمار / رياض عبيد سعودي

كل من يعتقد أن الاستثمار يمكن أن يحقق الأهداف المخطط لها رغم مرور اكثر من ست سنوات على صدور قانونه فهو واهم. وكل مسؤول من قياديي الدولة أقنعته وعود الدول، على صعيد الحكومات او المستثمرين من القطاع الخاص في العراق فأن قناعاته غير دقيقة، لأنه لا يمكن المجازفة في الاستثمار في اقتصاد غير معافى ونظام مصرفي ضعيف وبلد يشهد يوميا العديد من خروقات الإرهاب، وبالإضافة الى ذلك وضعه السياسي غير المستقر.
لا يمكن أن يكون هذا البلد مثاليا للاستثمار، هذا بالإضافة إلى التعقيدات والمشاكل التي تواجه المستثمر عند محاولة الدخول باستثماراته الى العراق والتي تجبره في كثير من الأحيان على المغادرة، ورغم أن العراق لا يحتاج إلى مزيد من تمويل الاستثمارات إلا انه يحتاج الخبرات والتنفيذ الجيد والسريع والتكنولوجيا المتطورة. وكل هذا يأتي به المستثمر الجيد عند تنفيذ مشروعه الاستثماري، فالسعودية ودول الخليج في مقدمة الدول التي تستقطب الاستثمارات سواء البيئية بين الدول العربية او من دول العالم وهي تحتاج الى خبرات وتكنولوجيا متطورة، والإدارة الحديثة للمشروعات أكثر من حاجتها إلى التمويل مما يضيف للاستثمار وظائف في منتهى الأهمية.
ان الاستثمار في العراق رغم ملامح النجاح في بعض المحافظات إلا أنه على العموم لم يستطع ان يحقق أهدافه، فأكثر من نصف الاجازات الاستثمارية الممنوحة غير منفذة وجزء آخر بدأ بتنفيذه وتوقف العمل به لاعتبارات عديدة، فمشاريع الاسكان تكاد تكون متوقفة بسبب صعوبات تخصيص الاراضي، وعلى العموم فأن قراءة علمية لنتائج النشاط لمعظم هيآت الاستثمار وحتى الهيئة الوطنية للاستثمار لم ترق الى مستوى الرغبة في تحقيق أنجازات يمكن الوقوف عليها بأهتمام وامتياز، مبررين ذلك بالمشاكل التي تواجهها.
ان المتابع لمشاكل الاستثمار يرى بوضوح ان الكثير منها ليس معقداً لدرجة انعدام المعالجة ولكن الأمر يحتاج الى الحزم الحكومي في تنفيذ قراراتها. فلا يعقل ان تعمل المؤسسات كلا حسب ما تمليه عليه مصلحته بغض النظر عن المصلحة الوطنية، مما أفرز العديد من التقاطعات التشريعية في بعض الاحيان والادارية في احيان كثيرة، فالمشكلة الأكثر أهمية التي تواجه الاستثماري وهي تخصيص الارض، فأن قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 وتعديلاته ينص على قيام هيآت الاستثمار بالتخصيص للاراضي ولكن ذلك يصطدم بموافقة الجهات الاخرى فهي تعمل بقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل وتظل عمليات التخصيص متوقفة رغم ما صدر حولها من قرارات لمجلس الوزراء فالدوائر البلدية وامانة بغداد تعمل بشكل فيه الكثير من التعارض في موقفها والذي يؤدي في معظم الحالات الى تأخير التخصيص الى اكثر من سنة بحيث يضطر المستثمر الى ترك المشروع والمغادرة، يضاف الى هذه المشكلة وجه آخر وهو ان لجان تقدير بدل ايجار الاراضي تبالغ كثيرا في تقدير البدلات والى درجة ترهق المستثمر وتفقد المشروع اقتصاديته. واصبحت هذه المشكلة مثار شكوى واسعة من المستثمرين ولم تجد هيآت الاستثمار حلولاً موضوعية لها حيث ان لها انعكاساتها السلبية المباشرة على البدء بتنفيذ المشاريع، وما من قرار بهذا الخصوص إلا وتقدم المستثمر تظلماً مشفوعاً بتاييد هيآت الاستثمار.
إن مثل هذا التشدد ليس له مبرر معقول، مقارنة بحجم المحفزات والامتيازات التي منحها قانون الاستثمار وهي اكبر بكثير من عائد بدلات الإيجار، فلا يصح مع كل هذه التسهيلات أن يقف الموظفون أعضاء لجان تقدير بدلات الإيجار ضد هذه الرغبة الحكومية.
وليس هذا ما يواجه الاستثمار فقط وإنما هناك ضعف في أداء لجان المندوبين التي أوكل إليها حل كل التعقيدات التي تواجه المستثمر إلا أنها دائماً ما تكون عاجزة عن تحقيق ذلك، اولا بسبب كون أعضاء هذه اللجان من مستويات إدارية لا تؤهلها لاتخاذ القرار المناسب، وثانياً لأنها تعمل بدون صلاحيات ضرورية تمكنها من حل المشكلات التي تعترض عملها. ولذلك تبقى المعاملة المتعلقة بالاستثمار تدور بين الدوائر فترة طويلة لاستحصال موافقاتها في حين أنها في دول أخرى ومجاورة تنجز في يوم واحد.
ولا تنتهي الحال عند هذا الوصف لما يواجه الاستثمار وأنما يمتد الى تعقيدات أخرى ذات طابع مادي، فالبنى التحتية متخلفة وتمثل عبئا ثقيلا على المستثمر، فكيف يعمل المشروع من دون طاقة كهربائية تكفي للتشغيل، وكيف يعمل المشروع بدون ان يحصل على حاجته من رعاية، والى أي مدى يستطيع ان يتواصل مع سوق منتجاته او سوق مواده الأولية والطرق غير صالحة وتحتاج إلى كثير من مشاريع التأهيل؟ وليس من المعقول ان يتبنى المستثمر لوحده اقامة هذه المشاريع لأنها مكلفة أولا وهي تضعف الجدوى الاقتصادية للمشروع الاستثماري ثانياً.
وفي نهاية الأمر فأن كل عمليات الاستثمار تعتمد في جزء من كلفتها على التمويل الداخلي في شكل ائتمانات مالية أو مشاركات مع البنوك ولا بد لمستثمر متخصص أن يبحث عن تأمين هذه الحاجة الضرورية من الداخل، هذا بالإضافة إلى المعاناة من مشكلة الاستقرار الأمني الهش وتأثيراته النفسية على المستثمرين مهما كانت جنسياتهم وخوفهم من وضع أموالهم في بلد غير آمنة واقتصاده غير مستقر.
إذن ألا يستحق هذا الواقع الذي يعيشه الاستثمار منذ صدور قانونه ولحد الآن لم تتبن الحكومة ثورة بيضاء أو غرفة طوارئ لإزالة كل هذه المعوقات التي تمت الإشارة إليها وأخرى خاصة تواجه هيئة الاستثمار في محافظاتها والتي لا تقل أهمية وخطورة عن المعوقات التي اشرنا إليها. لهذا نقترح أن تقوم الهيئة الوطنية للاستثمار في التحضير لمؤتمر وطني لهيآت الاستثمار وبحضور عدد كبير من المسؤولين والمستثمرين لتحديد كل المشاكل والمعوقات التي تواجه هذا المشروع الوطني المهم وتشكيل لجان قانونية واقتصادية لبحث النتائج التي يتمخض عنها المؤتمر لوضعها أمام متخذي القرار لمعالجتها بصورة شاملة ودقيقة.