المنبرالحر

اللينينية حاضرة في فكر وتنظيم واستراتيجيات الاحزاب الشيوعية (2-3) / فلاح علي

هنالك قضية هامة جداً من مواقف لينين الفكرية المناهضة للامبريالية والشوفينية والتعصب متمثله في تاكيده على حق تقرير المصير للشعوب وللاقليات القومية , واعتبره حق ديمقراطي يتطلب دعمه . وهذا يعد مرتكز فكري وسياسي للاحزاب الشيوعية واليسارية اليوم .
نظرية لينين في بناء الحزب :
لينين كرس جهده ووقته وخاض صراعات فكرية حادة من اجل بناء الحزب الثوري , الذي تمكن هذا الحزب من تهيأة وانضاج الظروف السياسية لتفجير وانجاح ثورة اكتوبرالاشتراكية في روسيا عام 1917 رغم ان الظروف او العوامل الاقتصادية كانت غير ناضجة في روسيا. واكدت التجارب انه بدون حزب ثوري قائم على مبادئ الديمقراطية لا يمكن انجاز المهام سواء كانت مهام الحد الادنى اوالمهام الاستراتيجية. كما اكدت التجارب اليوم انه من يتخلى عن فكر ومبادئ لينين في بناء الحزب فهو يتخلى ليس فقط عن اللينينية وانما عن الماركسية ايضاً . ان هكذا حزب ثوري تكمن مهمته ليس فقط لتحقيق النصر وانما لمواجهة المنعطفات الحادة كالهجمات في ظروف صعبة ومعقدة , ومن ما خطة لينين نظرياً عند وضعه للمبادئ التنظيمة والرؤية الفكرية لبناء الحزب , هو ان الحزب الثوري ان يمتلك الامكانية في الانتقال من شكل نضالي الى آخر بوقت سريع اضافة الى ربطة بين اشكال النضال على ان لا يؤثر هذا الانتقال على وحدته الفكرية والتنظيمية . وهذا ما اكدتة الممارسة العملية للحركة الثورية , كماحصل في روسيا وحزبها الشيوعي وعدة بلدان ومنها الحزب الشيوعي العراقي . والمثال الحي هو بعد الهجمة الدكتاتورية على الحزب وانسحابه من الجبهة الوطنية في عام 1978 ففي فترة قياسية قصيرة غير الحزب خطه السياسي وتبنى اسلوب الكفاح المسلح والتحق المئات من عضوات واعضاء الحزب والمئات من جماهيره وكانوا في عمر الزهور وحملوا السلاح وخاضوا النضال المسلح وكان نضالاً بطولياً وصعباً وشاقاً , ورغم هذا الانتقال السريع من شكل نضالي الى آخرحافظ الحزب على وحدتة الفكرية والتنظيمية وخاض اكثر من اسلوب نضالي في آن واحد وذلك حسب ظروف المنطقة هذه هي من سمات الحزب الثوري القائم على مبادئ فكرية وتنظيمية ولديه هدف بناء الاشتراكية . ان الحزب منذ تأسيسة مثل مدرسة للنضال الوطني والديمقراطي في البلد ولكن تجربة الكفاح المسلح اعطتة خبرة وتجربة في النضال الثوري على صعيد المنطقة والعالم واصبح بحق مدرسة ثورية . وضع لينين مبادئ وقواعد تنظيمية للحزب قائمة على مبدأ رئيس هو المركزية الديمقراطية , ارى في الممارسة الواعية ليس هنالك ما يؤكد من وجود تعارض بين مبادئ لينين في بناء الحزب وتعزيزالديمقراطية الداخلية فهنالك ربط جدلي فيما بينهما. لا سيما ان الحزب الشيوعي هو حزب للطبقة العاملة وجماهير الشعب وشغيلة اليد والفكر يجمعهم هدف انهاء الاضطهاد والحرمان والظلم واستغلال انسان لأنسان .
هنا يطرح سؤال : هل ان مبدأ المركزية الديمقراطية يجعل الحزب اقل ديمقراطية ؟ التجربة تؤكد انه في الوعي الفكري والممارسة الديمقراطية فأن الحزب وفق هذا المبدأ اذا طبق بشكل سليم يكون اكثر ديمقراطية من اي حزب آخر . لا سيما وانه حزب الطبقة العاملة والشغيلة التي هي الاكثر ديمقراطية في اي مجتمع , كما انه لا يوجد في هذا الحزب تمايز بين القادة والاعضاء كما هو جاري في كل الاحزاب الاخرى بما فيها الاحزاب الاصلاحية . لا سيما ان سياسة الحزب يساهم في رسمها كل اعضاء الحزب وهي خاضعة للنقاش وللأختبار والتدقيق من خلال الممارسة والاعتراف بالخطأ وتصحيحة لاحقاً . وان القرارات تتخذ بالاغلبية .
الديمقراطية في التنظيم هي عامل محفز للوعي والابداع والنتاج والنشاط والتأثير والفعالية والحضور وتساعد على توظيف الامكانيات وزيادة القدرات وتعزز من دور التنظيم والحزب في التاثيرالسياسي والحضور الجماهيري . وارتباطاً بالفكر اللينيني الذي هو فكراً ديمقراطياً من هنا نجد ان الاحزاب الشيوعية في الممارسة هي احزاب تبنى وفق مبادئ ديمقراطية , وليس كما هي الاحزاب الشمولية والقومية.
بالعودة للنظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي :
المادة رقم 1 والتي تتضمن المبادئ التنظيمية للحزب ونشاطة نجدها تكرس مبدأ الديمقراطية في حياة الحزب وبنائه والأرتقاء بدوره في تحقيق المهام الآنية والاستراتيجية : ومما جاء فيها (الحزب الشيوعي العراقي اتحاد طوعي لمواطنات ومواطنين يجمعهم الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والفلاحين والجماهير الكادحة وعن الحقوق والمطالب الوطنية لسائر فئات الشعب، والكفاح من أجل تأمين التطور الديمقراطي الحر والمستقل للبلاد، ولتحقيق التحولات الاجتماعية وصولاً إلى بناء الاشتراكية فيها.تتجسد مبادئ تنظيم الحزب، وحياته الداخلية، وعمله القيادي، ونشاطه ككيان سياسي ديمقراطي موحد،) في : مثبت في هذه المادة 7 مبادئ والمبدأ رقم 6 حول الديمقراطية الداخلية يحوي على 8 فقرات تتوضح فيها معاني الديمقراطية الداخلية في الحزب ومنظماتة . صحيح لم تتم الاشارة لمبدأ المركزية الديمقراطية , لكن كل هذه الفقرات الواردة في المادة رقم 1 تمثل بمجموعها عناصر وقواعد عمل داخلية مشتقة من المبدأ اللينيني الاساسي هو مبدأ المركزية الديمقراطية , ولكن الغلبة فيه هنا للديمقراطية الداخلية .
فيما يخص فكر الحزب وسياسته :
جاء في مقدمة برنامج الحزب الذي اقره المؤتمر الوطني العاشر في الصفحة الاولى التالي :
(يسترشد الحزب في كفاحه وفي مجمل سياسته وتنظيمه ونشاطه، بالفكر الماركسي وبدروس التجارب الاشتراكية والتراث الاشتراكي عامة، ويسعى إلى تجسيد ذلك في ظروف العراق الملموسة بابداع، استناداً إلى دراسة عميقة لواقع مجتمعنا المعاصر وما يشهده من تطورات في الميادين كافة.كذلك يستوحي كل ما هو تقدمي في إرث حضارة وادي الرافدين، والحضارة العربية الإسلامية، وسائر الحضارات الإنسانية، ...... الخ ). يلاحظ هنا ان الاشارة الى دروس التجارب الاشتراكية والتراث الاشتراكي عامة هي تمثل امتداد لمرتكز فكري لينيني من ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى وتجارب اوربا الشرقية وبلدان اخرى .الجانب الفكري للحزب هنا نراه يتمثل بالتجديد والانفتاح وهو امتداد لنهج الديمقراطية والتجديد الذي اقره المؤتمر الخامس , لا سيما انفتاحه على حضارات وتجارب الشعوب ذات المحتوى الثوري والانساني ومنها حضارة وادي الرافدين وسائر الحضارات الانسانية . حيث كما هو معروف ان العدالة الاجتماعية متجذرة في حضارة وادي الرافدين وفي الممارسة مثل ذلك غنى لفكر الحزب واعطاه زخماً وحضوراً وتأثيراً والتفاف جماهير شعبية واسعة من كافة الطبقات والفئات الاجتماعية حول الحزب وفكره وزاد من حضورة وتأثيرة السياسي , والمثال الحي الحزب كان اول من رفع شعار الدولة المدنية الديمقراطية , اليوم شعار الدولة المدنية الديمقراطية هو الاكثر شعبية في البلاد والغالبية من جماهير الشعب تطالب به مما دفع بعض القوى المعتدلة الى تبني الشعار نظراً لشعبيته . و انطلاقاً من ان الفكر الماركسي اللينيني الذي جوهرة ثوري انساني ينهي استغلال الانسان لأنسان ويسود فيه العدل والمساواة وهذا يحصل في ظل بناء الاشتراكية كهدف نهائي , في الممارسة نجد ان الحزب الشيوعي العراقي في الوقت الذي يناضل من اجل انجاز اهداف آنية سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية وثقافية , وضع هدفه الاستراتيجي البعيد المدى في بناء الاشتراكية ووضع في خطه السياسي الترابط الديالكتيكي بين انجاز مهام الحد الادنى والمهام الاستراتيجية . من هذا تركز الاحزاب الشيوعية اليوم نضالاتها من اجل تحقيق المهام الآنية على صعيد وظروف وواقع كل بلد , وهذا يعد مرتكزاً لينينياً في الفكر والسياسة . ومما اشارت اليه وثيقة خيارنا الاشتراكي التي اقرها المؤتمر الوطني الثامن للحزب التالي : وقد توصل حزبنا إلى إن التجديد عملية " معقدة ومركبة وشاملة"، وليس قراراً فوقياً، أو أمراً حزبياً صادراً من هيئات الحزب القيادية، أو استجابة ظرفية لأوضاع طارئة، أو مسايرة لصرعة سياسية أو فكرية جديدة، أو إجراء عابرا لإصلاح جانب دون غيره. انه، بالأحرى، عملية موضوعية وحاجة أصيلة، وضرورة حتمية لبقاء الحزب (كقوة فكرية - سياسية وتنظيمية) بمستوى يبرر وجوده ودوره المنشود في التعبير عن مصالح الطبقة العاملة والفلاحين وجميع شغيلة اليد والفكر، (القريبة والبعيدة المدى،هنا المقصود بالمهام او الاهداف القريبة والبعيدة ) وتحقيق مطامح الشعب في الديمقراطية والسلام والتنمية والتقدم الاجتماعي.
أن التجديد بالنسبة الى حزبنا هو سمة لا تنفصل عن طبيعته وتكوينه، وعن هويته الفكرية ومنهجه الفلسفي. والحزب يفهم التجديد كعملية مستمرة ، غير منقطعة. وهذا المنطق يحكم حركة الحزب ( الذي هو كائن حي بتنظيمه، وآليات عمله، وعلاقاته ونشاطه)، فلكي يبقى فعالاً وحيوياً، لابد له أن يتطور ويتجدد باستمرار وإلا أصابه الجمود والتخلف.
يتبع