المنبرالحر

الدكتاتور يعلن موت الدولة: ظاهرة احمد نوري المالكي وشرعنة الفساد/ فخري كريم

بقيت في حالة شك موجع، حول ما يصلني من معلومات وتفجعات ضحايا احمد المالكي من المواطنين اصحاب العقارات في المنطقة الخضراء، ومن رجال الاعمال واصحاب الشركات الخاصة. وحاولت طوال سنوات ان اجد المبررات المقنعة التي تدفع الشك عن السيد نوري المالكي، وما اذا كان على علمٍ بفضائح ولده، ام ان العصابة الملتفة حول احمد تموه عليه الامور وتُظهر تصرفاته على انها خارج اي شبهة او ظنٍ بالتجاوز.
لقد بدأت هذه الظاهرة المؤرقة خلال الولاية الاولى للمالكي، واذكر انني انتفضت على نفسي، وعنّفتُها وخرجت عن سياق المهمة "التطوعية" التي انتدبت نفسي اليها، كممثل لرئيس الجمهورية وكبير مستشاريه، من منطلق الوفاء لصديقٍ حاول ان يكون مختلفاً، ووافقت على اجراء حوارٍ مع قناة "الحرة" في واشنطن قلت فيه ان المالكي اخذ ينزع نحو تكريس دكتاتورية من طراز جديد. كان ما قلته اول اشارة لظاهرة نوري المالكي، وبقيت على رأيي ذاك، مما دفعني الى اعفاء صديقي الرئيس من الحرج فأعفيت نفسي من المهمة، ولم يقبل هو.
وطوال الولاية الاولى تابعت تطور الظاهرة، وعمّق قناعتي بها تصريح المالكي الشهير "ما ننطيها". يومها قلت للرئيس: "انها فضيحة لا يجرؤ على لملمتها غير مطالبته باعتذار علني". لكن ذلك لم يحصل، وبدأت الظاهرة تنمّي نفسها، مثل كل ظاهرة زلل تبدأ بخطأ "عائلي" غير مقصود، او غفلة من العائلة، او عوزٍ واملاقٍ، يؤدي الى السقوط!
وكانت لحظة "غفلتي" الشخصية مع تعقد المشهد السياسي عشية الانتخابات التشريعية، وتصاعد الصراع الطائفي، وبروز ظاهرة "الشّد الخارجي" العربي والاقليمي، وتحولهما الى عامل داخلي في الصراع، فـ"كٓبٓوت" ويا ليتني لم أعش حتى أشهد نتائج ذلك!

( ٢ )

في اول لقاءٍ لي مع المالكي في مكتبه، ذكر بين قضايا كثيرة ما يتعرض له ولده الشاب من تعريض واستهداف "انه شاب يافع يساعدني في مكتبي كموظف صغير، ومن حقي أن أضع في المكتب من يكون موضع ثقتي، وهم يريدون ان يدسوا عليّ عناصرهم ليوظّفوها لخدمة اغراضهم!". وراح يضيف "انت تعرف انهم جميعاً عينوا ابناءهم وبناتهم كمستشارين ومدراء لمكاتبهم دون استحقاق"، واستعرض سيرة القادة من حلفائه. لم اعلق يومها ولم افتح السيرة الفضائحية لولده، وكيف اصبح الناس يقرنون اسمه باسمي عدي وقصي صدام حسين.
بدأ اسم احمد المالكي يُذكر بقوة مع حادثة اختطاف الاعلامية "....." واضطرارها لمغادرة العراق بعد التهديدات التي تلقتها، ولم تشفع لها او تطمنئها تأكيدات بعض قادة التحالف الوطني بتوفير مأوىً آمن لها وحمايتها، لشدة ما روَعٓها تهديد جلاوزة احمد المالكي. ثم تتالت "بطولاته المالية" واخذت فضائح تعاملاته مع عالم المال الحرام، واستخواء رجال الاعمال وسيطرته على عقارات المواطنين والدولة، تتعاظم من موقعه في مكتب والده مع بدء ولاية الوالد الثانية، وبعد ان استكمل حلقات مسلسل ملفات الفساد التي يبدو انه لملمها وشارك في استدراج المحيطين به اليها، بدراية منهم او غفلة او طمعاً في مالٍ حرام.

( ٣ )

وبغض النظر عن كل ما يحيط بالنجل المدلل للمالكي من اشاعات وظلال فسادٍ مالي وتجاوزات، فان الفعل السياسي الشائن تمثل بما اقدم عليه رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، حين اعلن ولده "بطلاً" استطاع ان يتولى قيادة قوة عسكرية اتحادية ويلاحق "لصاً" اعتدى على عقارات الدولة وامتلك سيارات غير مرقمة، واسلحة غير مرخصة (نسي الوالد ان يضيف انها كلها كانت تُستخدم للنشاطات الارهابية!)، وامكنه ان يلقي القبض على "اللص"، في حين تخاذل ضباط الجيش والشرطة الاتحادية عن القيام بالمهمة البطولية للصبي احمد. ونسي الوالد هذه المرة ان يقول: وهل كان احدٌ من الضباط يمتلك الجرأة للتطّفل على ما اصبح معروفاً في المكتب بانه من صميم مهام احمد نوري كامل المالكي؟!
نسي المالكي، او تناسى، انه لم يكن ليضع ولده مسؤولاً عن عقارات الدولة لولا معرفته بشطارته و"قدرته البطولية"، في الضرب على اي يدٍ تتجرأ على الاقتراب منه. نسي ان اقرب مقربيه الذين يرافقونه كظله صاروا يعرفون ان احمد " بطل ابيه " ويُحرّم على الجميع الاقتراب منه .! ورضي كل واحد منهم بحصته في "مصائد الدولة" و"كمائن رجال الاعمال" على ان لا تزيد عن عشرات الاف الدولارات ليس اكثر!، الا اذا حصل الامر بمنتهى السرية وخلف الابواب المستورة عن كاميرات المراقبة.

( ٤ )

ونحن اليوم امام عودة غير محمودة "للحدث الجلل" الذي اشار اليه المالكي في لقائه الفجائعي المشؤوم، ورأى فيه ما يجعل من الصبي المعجزة احمد "بطلاً" لم يحالفه الحظ ليمنحه والده وسام الرافدين من الدرجة الاولى، لان مجلس النواب لم يتفرغ بعد لتشريعٍ جديد لاوسمة العراق "الديمقراطي".
وفي العودة، لا بد من التأكيد على الاشاعات التي تقول ان احمد المالكي، بمساعدة قريبه وكاتم اسراره، يدرس بحكم وظيفته الصغيرة في مكتب والده، كل ملفات الشركات ورجال الاعمال والعقود التي يحصلون عليها، ثم يبدأ، كما تشير الاشاعات، مسلسل الملاحقة البوليسية لكل واحدٍ منهم على انفراد، ووضعه امام "شرفه الوطني" بدفع "المقسوم" من ارباحه الحرام، وفي خطوة لاحقة القبول بعرضٍ مغرٍ قوامه التعاون معه ومشاركته في مشاريعه، واختصار مسيرة مروره على الدوائر وفاقدي الشرف من المرتشين الصغار. والشريك البطل مستعد لارساء كل ما يريد من عقود ومشاريع!
هذه اشاعات مغرضة، لا تصدقوها، الا اذا استمعتم او قرأتم بياناً تكذيبيا من مكتب رئيس مجلس الوزراء.

( ٥ )

وسأعرض وقائع الاكذوبة التي اوردها المالكي في معرض تنصيب ولده الضال، بطلاً مزيّفاً.
لقد تعقب احمد المالكي، عن طريق ممثله ياسر، اكثر من رجل اعمال - لن اخوض في تفاصيل ذلك الان- واستطاع ان يحصل على ما يريد منهم حسب قرار احمد "بالخاوة" المحسوبة على الارباح والحقوق الشرعية، لكل من اللص وحامي اللص!
لم يكن في هذه الحوادث التي تداولتها الاشاعات ومحافل رجال الاعمال واوساط التحالف الوطني، اي اثر او حقيقة لما قال به المؤمن المختار نوري المالكي، لا اسلحة غير مرخصة، ولا سيارات غير مجازة ولا مواد تفجير، بل ممانعة عن الدفع (حسب الحقوق الشرعية)!
وكان فائز، القريب الآخر، فارسها المغوار الذي لم يسمه المالكي بطلاً، ربما لانه على غير وئام مع والده المغضوب عليه، واستطاع ان يهرب من المنطقة الخضراء، بعد ان أُسقط في يد المالكي باحدى تلفيقات ولده حول حادثة مماثلة لما اشار اليها في حديثه الساخر.

( ٦ )

اكثر من حادثة من بطولات احمد سردتُ وقائعها على قادة في حزب الدعوة ودولة القانون، واسندتُ بعضها بوثائق تُكّذب ادعاءات المالكي وولده، وطالبتهم بوضع حد لهذه المسخرة المنكرة التي تخالف كل شرع سماوي او دنيوي، وتتعارض مع ابسط القيم الاخلاقية والاعراف والتقاليد، بل واستحلفت بعضهم بالقرآن ان يتخذوا موقفاً مشرفاً اذا ما بينت لهم ما يقنعهم بفساد فائز واحمد وعصابة اللصوص التي تلاحق الناس.
بالمناسبة، لم اقبل بحلفهم القرآن قبل الوضوء، استغباءً مني بأن في ذلك ردعاً لمن تسوّل له نفسه معصية كتاب الله واحكامه!

( ٧ )

منذ تأسيس الدولة العراقية، مرورا بكل الانظمة الدكتاتورية المتعاقبة، وتخصيصاً لاكثرها استبداداً، لم يجرؤ اي من قادتها على فعلة شائنة، يسمي فيها ابنه بطلاً، ويستخف بقواته المسلحة ويحتقر قادتها وضباطها ومنتسبيها، ويتهمهم بالتخاذل والجبن والتردد في ملاحقة "لص"!
حتى صدام حسين لم يجرؤ على تحقير شعبه ودولته، كما فعل المالكي، زعيم حزب الدعوة. الزعيم الوحيد الذي فعل ذلك معمر القذافي عندما سمّى الليبيين "جرذاناً".
كما لم يتطاول قائد عام للقوات المسلحة، او يقوم بهدم معنويات قواته وهي في حالة حرب مع الارهاب، كما فعل المالكي. وكيف سيثق الشعب بقدرة القوات "المتخاذلة" عن ملاحقة رجل اعمال،على إلحاق الهزيمة بالقاعدة والمنظمات الارهابية والقتلة على الهوية والميليشيات شبه العلنية التي تستبيح ارواح واملاك المواطنين، على مرمى ومسمع من القوات الامنية والسيطرات المرتبطة بمكتب القائد العام؟
لقد سقط المالكي في "فخ" اطماعه السلطوية، واوهام عظمته المزيفة وتخاذل القادة من حوله، فجاهر بحنثه بالقسم على حماية الدستور والقانون وضوابط وظيفته، حين اعلن عن تكليف ولده بقيادة قوات مسلحة، وهو مجرد موظف صغير في مكتبه، الا اذا كان صحيحا انه عينه نائباً للقائد العام "كأمر واقع" من وراء ظهر البرلمان، كما فعل مع كل قادة الجيش ورؤساء الاجهزة الامنية والمخابراتية، والعقد الاساسية في شبه الدولة المتداعية!
والحنث بالقسم جريمة توجب المحاكمة والاعتقال والاقصاء عن اي وظيفة رسمية وحرمان عن الحقوق المدنية!

( ٨ )

ان كلام المالكي انما هو رسالة علنية لكل الشركات ورجال الاعمال، ينصحهم فيها بالاستجابة لطلبات احمد، ولا خيار آخر لهم سوى الخضوع دون اعتراض او محاولة استئناف.
واذا لم يفرض البرلمان وقادة التحالف، قرارا على المالكي بالتراجع العلني والاعتذار باعفاء ابنه من كل مسؤولية، وإبعاده الى خارج البلاد، فإن ذلك يعني منتهى التواطؤ والاتفاق على نهاية الدولة، بما هي عليه من انقاض.
شركاء في جريمة الماكي ونجله، كل قادة الكتل الذين استمرأوا حالة الصمت حيال الاستباحات التي ترتكب على مدار الساعة، فلا ينتفضون على هذا الواقع الفاسد.
والشريك الاول، قادة التحالف الوطني كلهم، ولا عذر لهم او شفاعة بانتظار الانتخابات للحكم الفصل، فكل من الفاسد والمزور والكاذب، قمين بفعل كل موبقة لانقاذ مصيره من العاقبة التي تظل بانتظاره مهما طال الامد.
سأنتظر تكذيب زبانية المالكي، لاضع النقاط على الحروف، فأذكر تفاصيل الحوادث والفضائح بالاسماء والوقائع.
بالمناسبة، سيد احمد، هل مازلت تلاحق رجال الاعمال برسائل هاتفية بصفتك رقم واحد؟