المنبرالحر

بهرز ... وقطع الماء عنها !/ صادق محمد عبد الكريم الدبش

سبق لي أن كتبت مرارا عن بهرز وما تعيشه من مشكلات .. وما قاسته من نوائب !... وما تعرضت أليه من أحداث جسيمة ومؤلمة ، بسيطرة داعش وقبلها القاعدة والمجاميع الأرهابية لفترات غير قليلة ، وما أرتكبته من جرائم بحق أهلها ، وما قامت بها الميليشيات من أستباحة المدينة وسبي أهلها قتلا وتشريدا ، وحرقا للبيوت والمساجد، ولسيارات المواطنين التي تم حرقها ، وذهب في يوم واحد بعد دخول هذه العصابات الخارجة عن القانون ، أكثر من ثلاثين ضحية وتم قتلهم بدم بارد وبدوافع طائفية ، وسجلت هذه الجرائم جميعها ضد مجهول ، ولم يتم الكشف عن منفذيها ومرتكبيها ، ولم يتم التعويض عن تلك الجرائم ، وعن الخسائر والتي ذهبت أدراج الرياح .
ناهيك عن الذين تمت تصفيتهم ، وجميعها سجلت ضد مجهول ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : ماجد نعمان الصافي ونجله ، وسامي الهودراوي ، القاضي أسعد عبد الجبار حاج أبراهيم ، محمد رعد قدوري حاج أيراهيم ، منير جبار ياسين أبو الياس ، نجاخ حمدوش ، ياسين عزيز عبد الكريم الدبش ، فاخر جميل مصطفى عبد الكريم الدبش ، مدير مفوضية الأنتخابات في محافظة ديالى المحامي عامر لطيف أل يحيى وخارسه الشخصي الذين تم أختطافهم من بستانهم ، ولليوم لم يتم العثور عليهم ، والقائمة تطول ولا مجال لذكر الجميع ، وكل العذر والأحترام للضحايا الذين لم أتمكن من أدراج أسمائهم ، وأنحني أجلالا وأحتراما لذكراهم ولذويهم كل المحبة والتقدير .
هذا غيض من فيض من المعاناة التي تحملها أهالي بهرز الذين هم أهلي وأحبتي .
وهناك ما هو مهم ، أو لا يقل معاناة عن الذي ذكرناه .
ناحية بهرز .. أو ( ناحية شنونا ) او مملكة أشنونا ، ففيها أثار تأريخية مهمة كتل الأسمر ، تقع جنوب بعقوبة تبعد أقل من ثلاثة كيلومترات عن بعقوبة ، يشقها نهر خريسان الى نصفين .. قادما من بغقوبة ، وهو موردها الوحيد من الماء، لسقي البساتين التي كانت لا تشابهها بساتين لجودتها وخصوبة أرضها ولجمالها الخلاب :
كانت جنة من جنان الأرض ، وفيها من كل أنواع الفواكه ، وتمتاز بالجودة والوفرة ، وقل نظيرها ، وكانت السلة الغذائية لمناطق عديدة من العراق ، أضافة لبغداد ، والشورجة وتل محمد ، ولا تخلو بهرز من أي نوع من هذه الفواكه وكذلك التمور وأنواعها ، وكانت مئات العوائل تعتاش من خير هذه البساتين ، اضافة الى عشرات من الأيدي العاملة التي تعمل بأجر يومي عند أصحاب تلك البساتين .
وفاتني أن أذكر أن بهرز متشاطئة مع نهر ديالى الخالد من جهة الغرب !
مع شديد الأسف تموت هذه البساتين عطشا وهي محاطة بنهرين عظيمين وكما قال الشاعر ( كالعيس في البيداء يقتلها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول ) ،
أنا هنا لست في معرض التعليل !.. وما هي الأسباب ومن هو المتسبب في ضياع هذه الثروة التي رعاها أباؤنا وأجدادنا ، على أمتداد قرن مضى !!.. بل يزيد على ذلك بكثير ، وبُذل الغالي والنفيس ، لتكون جنة من جنان الأرض ، يتغنى بها الشعراء والمثقفون ، ونستمع في هذه البساتين ، لأصوات هواة المقام العراقي ومطربيه ، وهم يطربونا عند أفيائها وأشجارها الوارفة الظلال وغزيرة الثمار .
ومنذ سنوات والناس تطالب بنجدة بهرز!.. وأيصال المياه لبساتينها ، التي تحولت اليوم ، ونتيجة للأهمال المتعمد ، بالرغم من كل المناشدات والأستغاثات ، ولكن لا مجيب ! تحولت هذه البساتين الى أثر يعد عين.
كانت ثروة لا تقدر بثمن ، واليوم تحتاج الى سنوات وربما لأكثر من عقد أو عقدين لأعادة أعمارها ، وتحتاج الى مبالغ طائلة ، أذا ما أعيد توفير المياه لهذه البساتين ، والتي تم تجريف الكثير منها وتحويلها الى بيوت سكنية ، لأن الملاكين الذين يملكون تلك البساتين ، تحولوا الى فقراء ولا يملكون شيئا !!؟ ، بعد أن كانوا يًعتبرون من الطبقة الوسطى ومن أغنياء المزارعين ، فتحولوا بسبب موت بساتينهم الى العمل بمهن ليست مهنهم والكثير منهم عاطلين عن العمل لليوم ، والظروف حكمت عليهم واقعا جديدا ، واقعا مؤلما وقاسيا ، وينتابهم الحزن والأسى على ما فقدوه من ثروة ومال !.. وهو مصدر رزقهم الوحيد ، بل كانوا يعتبرون هذه البساتين أشبه بأولادهم ويرعوها كما يرعون عوائلهم !
من المسؤول عن كل هذا الخراب الذي لحق بالمدينة وببساتينها وبأهلها الصابرين ؟
ومن سيعوضهم عن كل الذي خسروه ؟.. وكيف ومتى ؟
ولماذا هذا التعمد والأهمال ؟.. وعدم الأصغاء الى ما يعانيه الناس ، ولماذا يوجد لدينا حكومات محلية وحكومة فيدرالية .. يعني مثل ما يقول المثل ( أسمنا بالحصاد ومنجلنا مكسور) ؟!
ما هي واجبات هذه الحكومات ؟...وهل تخلوا عن مسؤولياتهم تجاه الناس وما يعانوه ؟
ومن سيحاسب المقصرين والمتسببين بهذه الكارثة البيئية ، وتدمير الثروة النباتية التي تشكل المصدر الرئيس لسلة العراق الغذائية ، ونحن أحوج أليها من أي وقت مضى !
وهل تدمير البشر والحجر والضرع والشجر ؟.. هو ضمن الصراع الطائفي والمناطقي ، وهل يجوز شرعا وقانونا معاقبة الأرض ومن عليها ؟؟.. لأعتبارات لا أنسانية ومخجلة ، عنصرية وطائفية .
!
أنا ومعي أهالي ناحية بهرز ، ينتظرون جوابا وافيا وكافيا عن أنقطاع الماء في نهر خريسان ، !
ومنذ سنوات !!.. والأسراع بأعادة الحياة لبهرز ولنهرها خريسان ، لتعود الحياة الى المدينة وبساتينها، وللبدء بأعادة أعمار هذه البساتين ، ومنح القروض المجزية لأصحاب هذه البساتين لتساعدهم في أعادة الأعمار ، وتوفير الأمن والأمان لعموم بهرز ولبساتينها ،
ولنعود نتغنى بجمالها الساحر ، وبتغريد بلابلها وهديل حمامها ، واليوم ومع شديد الأسف حتى الغربان لم تعد تنعق فيها لخلوها من أسباب الحياة !
ولتعود تصدح الأصوات الشجية مطرب المقام العراقي ناظم شكر ، وزملائه من المطربين والمجيدين والهوات للمقام العراقي ، والمبدعين من الشعراء والأدباء لتوفير أجواء لهم للابداع والعطاء .
ولنغني بزهو وعبق هذه المدينة ، كما تغنىبها من قبل الدكتور حسن الأمين بالنهرين الخالدين ، وهذه بعض من أبياته : ديالى نهركٍ العذبً... عليه رفرف الحًبً
وطاب الزهر والعشب .. على شطي خريسانا
رئينا الحب ألوانا .