المنبرالحر

الإنقسامات الحزبية وأثرها على الواقع السياسي /رضوان العسكري

الإنقسامات والإنشقاقات الحزبية أمراً طبيعياً بحد ذاته، فكثيراً ما تحدث تلك الأمور في العديد من الأحزاب والحركات والتيارات السياسية، شيعية كانت أم سنية, اسلامية أو علمانية, عربية أو كردية، فهذه طبيعة التكتلات الأيدلوجية، فإتساعها يزيد في تعدد وجهات النظر,واختلاف الرؤى والتوجهات، لكن حدوثها لم يكن وليدة اللحظة، أو تحدث بشكل فجائي، وإنما تمر بمراحل عدة، نتيجة عدم التوفيق بين وجهات نظر كلا الطرفين، مما يؤدى في النهاية إلى انشقاق والإنقسام، الذي يزيد في التعددية الحزبية، وسنتخذ بعض الأحزاب الإسلامية الشيعية مثالاً على ذلك، (حزب الدعوة الإسلامي, والتيار الصدري, والمجلس الأعلى).
فقد شهد حزب الدعوة عدة انقسامات منذ بداية تأسيسه، في تموز 1957، وحتى هذه اللحظة، وكانت أولى بذور الانقسام في أواخر الستينيات، عندما انشق (سامي البدري) من الحزب وأسس حركة (جند الإمام)، والذي يعيش حالياً في الكرادة وسط بغداد، إتهم حينها الدعوة بعدم الاهتمام بالشعائر الدينية، ثم تلاه انقسام ثان بعد مؤتمر القواعد، الذي انعقد في عام 1979، ثم إنقسام ثالث بعد لجوء الحزب الى إيران ثم إنقسام رابع بعد "مؤتمر الإمام المهدي" الذي أقيم عام 1980، ثم حدث اكبر خروج لقياداته الكبيرة المؤسسة، امثال (السيد محمد مهدي الحكيم، السيد محمد باقر الحكيم، السيد كاظم الحائري، الشيخ مهدي الآصفي، السيد مرتضى العسكري، الشيخ علي الكوراني، السيد محمد حسين فضل الله والسيد محمد مهدي شمس الدين وأخيراً السيد محمد باقر الصدر الذي ترك الحزب).
وبدأت تتوسع هوة الإنقسامات المتتالية وتشكيل حركات وأحزاب وكتل تحت مسميات متعددة منها:
1. حزب الدعوة الحاكم ويمثل الجناح الرئيسي بزعامة (نوري المالكي).
2. حزب الدعوة تنظيم العراق بقيادة (عبد الكريم العنزي وخضير الخزاعي).
3. حركة الدعوة الإسلامية بزعامة المرحوم (عزالدين سليم)، وبعد اغتياله تزعمها (محمد الغلاوي).
4. تيار الإصلاح الوطني بزعامة (ابراهيم الجعفري)، الذي عمد إلى تحويل كل مكاتب حزب الدعوة التي تدين له بالولاء لصالح الحركه الجديدة ، في مدن عديدة أبرزها النجف.
5. كتلة التضامن الإسلامي بزعامة آية الله (محمد باقر الناصري).
كما حدث في الفترة السابقة حراك داخل «حزب الدعوة»، بزعامة (نوري المالكي) عن تشكيل حركة جديدة، أطلقت على نفسها اسم «حزب الدعوة الإسلامية الأساس- تصحيح المسار»، لكن توقف العمل بها الى أجلٍ مسمى، وبالإضافة الى هذا، فهناك اخبار تردد بين فترة وأخرى عن إنشقاق جديد يقوده رئيس مجلس الوزراء الحالي (حيدر العبادي)، بالإضافة الى هذا فكان حزب الدعوة يملك ميليشيات صغيرة يصل عددها إلى 2500 مقاتل، تسمى قوات (الشهيد الصدر)، وبعد صدور القرار رقم 91 في عام 2004 الذي يقضي بحل الميليشيات وضمها إلى القوات النظامية، تم تحويلهم إلى قوات حماية، لمقرات الحزب وكبار قادته.
اما عن التيار الصدري الحديث العهد بالعمل السياسي، الذي تشكل أبان سقوط النظام البعثي، وكان عبارة عن تيار غير منتظم، وهو مجموعة من انصار ومقلدي الشهيد السيد (محمد صادق الصدر) رضوان الله عليه، الذين التفوا حول نجله السيد (مقتدى الصدر)، بإعتبارة ممثلاً لذلك الخط، لينصب نفسه زعيماً عليهم، فحدثت تباينات وإختلافات في وجهات النظر مع زعيمهم، أدت الى العديد من الإنشقاقات، ولا يبدو انها ستتوقف، وكان من أبرزها:
1. عصائب أهل الحق بقيادة الشيخ (قيس الخزعلي)
2. حزب الله النجباء بقيادة الشيخ (أكرم الكعبي).
3. كتائب التيار الرسالى بقيادة الشيخ (جلال الشحماني).
4. قوات ابو الفضل العباس بقيادة الشيخ (اوس الخفاجي).
5. جيش المؤمل بقيادة (سعد سوار).
6. تشكيل الحسين الثائر بقيادة (الشيخ عبد الزهرة السويعدي).
أدت تلك الانشقاقات الى وقوع اشتباكات عسكرية، بين أنصاره وبين (عصائب اهل الحق) من جه (وجيش المؤمل) من جهه اخرى، واكثر ما اغاض زعيم التيار الصدري، هو الجهه التي تمول تلك الحركات المنشقة، والأنكى من هذا دخولهم تحت لواء المالكي، وهذا الأمر زاد من حدة الخلاف بين (المالكي والصدر).
إن ما يدعو للغرابة ليست تلك الانشقاقات، فهذا الامر طبيعي كما اسلفنا، فعند حدوث هذا الكم الهائل من الإنقسامات في تلك الاحزاب، لم نرى للإعلام اي ردت فعل اتجاهها، وكأن تلك الأمور لم تحدث، ولم تتطرق لها مواقع السوشل ميديا إلا قليلاً، وبعضها لم يتحدث عنها نهائيا، الغريب في الامر هو إهتمام الإعلام العربي والمحلي, كالصحف والإذاعات, والفضائيات, ومواقع السوشل ميديا، بإنقسام المجلس الأعلى، وترك الحكيم له, وتشكيل تيار الحكمة الوطني، فكان هذا الحدث الأكبر الذي اخذ مأخذه من الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والإعلام الألكتروني، بحيث اصبح شغل الشارع، وحديث الناس في الدائرة والمقهى والسيارة بل في كل مكان، ناهيك عن التقولات والتأويلات والتكهنان والتنبآت، عن القادم وما ستؤول اليه الأمور،لكنه لم يكن بحجم الإنشقاق الأول لبدر، فلم يكن بنفس الطابع الذي سبق، فلقد اخذ حيزاً كبيراً من مساحة الإعلام، ولا يزال لحد الآن بنفس الوتيرة.
الواضح من هذا الإهتمام الإعلامي، بهذا التحول الجريئ، إن للحكيم اثرا على الواقع السياسي العراقي، ولم يكن كما يتصوره البعض إنشقاقا او انقساما عاديا، يحدث لكل الأحزاب، وإنما يدل على قوة قرار الحكيم، الذي غير الكثير من المفاهيم والأيدلوجيات الحزبية المتبعة سابقاً، ويعتبره المراقبون تحولا فريدا في المشهد السياسي العراقي، مع القبول الكبير الواضح لتيار الحكمة، في الشارع العراقي، حيث يعتبرونه تحولا في المعادلة السياسية.