المنبرالحر

أما حان وقت البناء .. والنماء ؟ / صادق محمد عبد الكريم الدبش

منذ سنوات والعراق يدور في دائرة مغلقة ، وقد تعرض الى أفدح الخسائر ، وأصابه الدمار والوهن ، وتعرضت بنيته التحتية ونسيجه الاجتماع الى الهزات العنيفة ، والتي أفقدته توازنه ، وهو تهديد لحاضره ومستقبله .
والسبب المباشر هو لغياب الدولة ولبنائها الرصين ، وعيوب ذلك يكمن في النظام السياسي القائم ومنذ سنوات على ( فلسفة ونهج وسياسة .. الاسلام السياسي الذي يحكم البلد من عام 2006 وحتى يومنا هذا )
فالدين هو منظومة قيمية وأخلاقية ومجموعة من القواعد الفقهية والشرعية ، تتعلق بعلاقة الفرد بخالقه ، وهو خيار فردي !.. وحق مكتسب للفرد في ما يريد الانتساب اليه من عدمه ، وهو حر في هذا الاختيار .
أما الدولة وفلسفتها وأحكامها وقوانينها فهي تخص المجتمع ، كله ولا يستثني أحد من المتواجدين على الرقعة الجغرافية لهذه الدولة .
فالجمع بين هذين الأمرين ( يعني بين الدولة ككيان وما يحيط بها من موجبات وأعراف وقوانين ، مختلفة اختلاف بين ، ومتوازي مع الدين وشرعته وفقهه وأصوله وغاياته .
مثلم أسلفنا !ّ... الدين هو" مجموعة من المعتقدات والتشريعات والشعائر والطقوس والمؤسسات التي تحيط بحياة الإنسان .
والمحاولات التي قام بها قادة قوى الاسلام السياسي ، وممارساته في ادارة الدولة ، من خلال فرض رؤيتهم وفلسفتهم ونهجهم ، على شعب بأكمله ، فهذا بحد ذاته مصادرة وانتهاك لحق الناس في الاختيار !
والمحاولات التي مارستها هذه القوى لأسلمة الدولة والمجتمع ، وأثارة للنعرة الطائفية والعنصرية ، والاصرار بفرض رؤيتهم وثقافتهم ، بمصادرة وقمع حق وحرية المرأة ، وتكميم أفواه المثقفين والتضييق على الأنشطة الفنية ، وفرض الحجاب على المرأة بشكل سافر !.. مباشر كان ذلك وغير مباشر ، وبحجج وتبريرات مفضوحة وكاذبة ، واعاقة كل التشريعات التي تنصفها وتوسع حريتها وحقوقها ، وقمع لثقافة الاختلاف وانكار الأخر .. وغيرها من الأمور التي أدت الى تراجع كبير في مناحي كثيرة في الدولة والمجتمع .
شعبنا وخلال العقد الأخير لحكم قوى الاسلام السياسي ، قد خبرهم ..وشهد حماقاتهم وما ارتكبوه !.. وتأثير ذلك على حياة الناس ، والواقع هو الذي يتكلم !.. عن حجم الجرائم والسرقات والتراجعات والاخفاقات والانهيارات التي حدثت أبان حكمهم المظلم ولا مجال لاعادة وتكرار ذلك فقد سئم الناس من تعداد تل الكوارث ، والذي أدى الى افقار الملايين ، ونتيجة لفساد المتربعين على السلطة فقد أفرغت خزينة البلاد ، وهذه الملايين التي كانت تنتظر الخلاص من الجوع والظلم والحرمان والمرض والدكتاتورية والقمع والأرهاب ، المتعطشين للحرية والانعتاق والديمقراطية والسلام والعدل والمساوات لم تحصل على شئ ، غير الموت والجوع وغياب الخدمات والخراب الذي طاتل كل شئ .
فوجئ السواد الاعظم منهم وبعد تجربة مريرة عمرها عقد من السنين ...والذين جاؤوهم ليحكموهم باسم الله والرسول والأئمة الأطهار ، وصدقهم الناس وساروا خلفهم وانتخبوهم وأيدوهم بكل شاردة وواردة ولثلاث دورات انتخابية ، على اعتبار أن هؤلاء هم من يخاف الله وأهل بيته !..وهم من يحرص على حقوق الفقراء والمتعففين والمحرومين والبؤساء !!!، وانتظروا كل هذه السنوات العجاف ، وتبين في أخر المطاف !!.. بأن هؤلاء لا يعرفون الله ولا نبيه ولا أئمتهم ...وهم مُْنكِرين لدينهم ولشريعته السمحاء ..! واتخذوه غطاء وخيمة وعباءة لتمرير مشاريعهم ومصالحهم ، واستخدموا مختلف الوسائل ، المشروعة و غير المشروعة ، ليملؤ خزائنهم وجيوبهم ويحولوها كرصيد في حساباتهم في البنوك الخارجية ، سرقوها من ثروات هذا البلد وعلى حساب بؤس الملايين من الجياع والمحرومين ، وتبرقعوا بعباءة الدين للعبور على أجساد هؤلاء !؟.. وعلى جماجمهم ودمائهم ودموعهم ، فذهب الألاف من الضحايا الأبرياء ومن كل ألأطياف والألوان من هذا الشعب الصابر والمكافح .
ولطائفيتهم المقيتة الماسخة لكل شئ جميل ، افتعلوا وغذوا وبشكل محموم النعرات الطائفية والأثنية والمناطقية والحزبية وصعدوا من وتيرتها ، فصادروا الحريات والحقوق ، وساد الظلام والرعب والتخلف ،وأستشرى الفساد المالي والأداري والسياسي ، وتصاعدت وتيرة العنف الطائفي .
أن قوى السلام السياسي التي حاولت احتكار السلطة ومصادرة أي رأي مخالف ، والتي مازالت على نهجها هذا !...وتكريس سياسة الالغاء والأقصاء والأبعاد والتهديد والوعيد واحتكار السلطة ، في سبيل تمرير سياساتهم الهوجاء ، وفرض أرادتهم على الجميع ، ومحاولات اسكات كل الأصوات التي كانت وما زالت تنادي بالدولة المدنية الديمقراطية العلمانية ، ومن أجل العدل والمساوات والتقدم .
واعتبرت هذه المناشدات والنداءات والأنشطة المختلفة ،بأنها معادية للنظام السياسي وللدين !.. والدعوة للالحاد واالمجون والتحلل حسب ما يجول في مخيلاتهم المريضة والجاهلة !... ويُفْتون بما يَدْعٌم دَعَواتٍهم وادعاءاتهم الكاذبة والمضللة والمجافية للحقيقة !!.. ولخداع الجماهير واسكاتهم عن المطالبة بحقوقهم التي فرطت بها هذه الأحزاب الحاكمة .
ونتيجة لهذه التراكمات الكبيرة ، والتراجعات الكارثية في مستوى معيشة الناس وما أصابهم من حيف وظلم ، والمتتبع يتلمس هذا في خياة السواد الأعظم من الناس ، فبانت حقيقتهم وبانت عوراتهم !..ففشلت هذه الطبقة الفاسدة !.. المتربعة على دست الحكم منذ عقد ويزيد من السنين ، واتضح لهذه الملايين زيف أدعاء هؤلاء الذين يحكموهم بأسم الدين ، وافتضح زيفهم وخداعهم !!.. وأن هذه القوى أبعد ما تكون من الدين وقيمه ، هذه القيم والمبادئ الانسانية ، وشعائره ومبادءه السمحاء ، وأن كل دعواتهم كانت كاذبة ومفبركة ومضللة ، ومن أجل مأربهم ونزواتهم وأهوائهم ومصالحهم !!.. والتي تتقاطع مع مصالح الناس وتطلعاتهم وأهدافهم في العيش الكريم .
فخرجت علينا الملايين وهي تنادي وبصوت مدوي وهادر ، الذي زلزل الأرض من تحت أقدام هؤلاء السراق والمفسدين والفاسدين والطائفيين حتى النخاع ، وتهتف ( بأسم الدين باكونه الحرامية ) وكشفت الجماهير بعفويتها وبصدق حدسها وهي تعبر عن مصالحها ...كشفت عن زيفهم وتظليلهم ودجلهم !.. هذا النظام المتهرئ والفاسد ، ونواياه الخبيثة وما يضمره من مكائد وأحابيل ، وما أرتكبه من جرائم وسرقات وأثام .
وبالرغم من كل هذا الذي حدث ، والهزيمة المنكرة لهذه القوى الشريرة والظلامية وموقف الجماهير في سوح التظاهر في العديد من المحافظات ومنذ ما يزيد على العامين ، مازالت هذه القوى المأزومة تحاول أن تشكك بموقف الملايين المنتفضة والثائرة ، لتخرج علينا ومن دون حياء !!.. وبخطاباتهم المفضوحة !!...بأن ما يحدث في سوح الاحتجاجات هو عمل مدبر!!.. من قوى ركبت الموجة مثل ما حدث في الأنبار قبل أكثر من ثلاث سنوات وفي نينوى وأماكن أخرى !!!...وهذا خطاب غبي وأهوج ويجافي الحقيقة ، والبعيد كل البعد عن كل التراكمات والأحداث المتسلسلة من التراجعات والهزائم ، وهو خطاب هابط في جوهره وفحواه .
على قوى الاسلام السياسي ان تقر بحقائق ما استنتجته الملاين من أبناء شعبنا !... بأنكم قد فشلتم في أدارة الدولة والمجتمع ، بتحقيق أماني وتطلعات هذه الجماهير ، التي نفضت يدها منكم وتبرئت من نهجكم وسياساتكم الهوجاء ومن ما تدينون به ، ومن افتراءاتكم وأكاذيبكم على الله والدين وعلى الناس الذين صدقوكم لفترة سنوات !! ...واعتقدتم بأن الجماهير سوف تبقى في سباتها ؟.وما أوهمتكم بنات أفكاركم ومخيلتكم ، وما اعتقدتموه !..ولن تحسبوا للجماهير حساب ، ولا لحراكها وحدسها وصدق توجهاتها .
لن تحترموا شعبكم ... وأرادته وترعو مصالحه !..فأخذتكم العزة بالاثم ، وركبتم موجة مصالحكم الأنانية الضيقة والقصيرة المدى ...وفقدتم بصركم وبصيرتكم ..وساقتكم أهوائكم ونزواتكم وفسادكم الى الحضيض .
أتركوا السياسة لأهلها ، وأاركوا ( دينكم السياسي ) وأرجعوا لأسلامكم الحنيف ، وأدعوا الى الله بالحكمة والموعضة الحسنة ، فَتُحْسِنوا لدينكم ودنياكم ، فأن التقوى هي مخافة الله ..ومخافة الله يعني أن تخشاه في السر والعلانية ، وهو سبيلكم الى الرشاد والصدق في أقوالكم وأفعالكم .
خلاصة تجربة قوى الاسلام السياسي ، وما ارتكبوه من خطأ وخطيئة ، وما سلبوه وسرقوه ونهبوه ، وما أل اليه الشعب والوطن من مصير ، لهو درس بليغ !!... ويحتاج من قوى شعبنا الديمقراطية والتقدمية والمستقلة ومن الاسلاميون المتنورون ، ومنظمات المجتمع المدني وكل المثقفين والكتاب والأدباء ورجال الفكر والسياسة في الدولة والمجتمع ، أن يستخلصوا الدروس من هذه التجربة القاسية ، التي مازلنا لن نخرج من دائرتها ومخلفاتها وتراكماتها الهائلة ، مما يتوجب على الجميع أن يبقى متيقضا وحذرا ومستعدا لكل التطورات والمفاجئات ، وعلى هؤلاء جميعا أن يسعوا وبشكل حثيث على تحسين خطابهم السياسي ، وأن يكون متناغم مع حركة الجماهير ، وأن لا يتخلف في هدفه ومراميه وجوهره عن حس الجماهير وتطلعاتها ورغباتها الملحة في التغيير .. وأن تتيقض كل هذه القوى من الذي تحيكه قوى الاسلام السياسي المتشبثة بالسلطة والممانعة لكل أشكال التغيير .
أنا على ثقة بأن التغيير قادم واليوم وليس بعد حين ، وبعزيمة واصرار وثبات كل قوى الخير ، النازعة نحو الدولة الديمقراطية العلمانية الاتحادية المخلص الحقيقي لشعبنا ووطننا ، بتوحيد صفوفها وتستثمر طاقاتها وامكاناتها للوصول لتحقيق هذه الاهداف النبيلة ، في ائتلافهم في كتلة وطنية جامعة وتحت مظلة العراق ووحدته و بكل مكوناته ، متعايشين ومتساوين في الحقوق والواجبات ، ومن غير تمييز كما كانوا منذ ألاف السنين .
والتصدي للطائفية والعنصرية ولسياسة الالغاء والاقصاء وللارهاب والفساد ، ونبذ ثقافة التصحر والتخلف والظلام ، وترسيخ ثقافة التعايش ودمقرطة الدولة والمجتمع وتعميق الحريات العامة والخاصة ، واحقاق حق المرأة والدفاع عن حريتها وكرامتها ومساواتها بالرجل ، والدفاع عن حرية الرأي وعن التنوع الفكري والثقافي ، واحترام تنوع مجتمعنا وتشكيلته الاثنية والدينية والطائفية والمناطقية ، وبأن جمال العراق هو بفسيفسائه وتنوعه ، فهو باقة ورد متعدد الألوان والأشكال ، واحترام حق الاختيار وحريته ، وضمان ذلك دستوريا وقانونيا وأخلاقيا ، وغير ذلك من حقوق أقرتها الشرائع والقوانين والمنظمات الدولية .
دعم كل ما من شئنه أن يعمق برامج وتشريعات وخطط التغيير المرتقب ، ومساندة كل خطوة للسير نحو هذا الهدف ، وعلى رأسها وفي مقدمتها قانون الانتخابات العادل وليس على شاكلة سانت ليغو ( 1،7 ) سيئ الصيت المصادر لأصوات الناخبين ، ومفوضية مستقلة للانتخابات ، وعدم استغلال الدولة ومؤسساتها لخدمة جهة على حساب الأخرى ، وتشريع قانون من أين لك هذا ، وتأمين عودت النازحين والمهجرين والمهاجرين الى مناطق سكناهم وتعويضهم عن كل الخسائر التي لحقت بهم نتيجة الأعمال العسكرية ، ورفض كل المحاولات التي ترمي الى تغيرات ديموغرافية ، وبدوافع عنصرية أو لتغيير البنية السكانية هنا أو هناك .
التصدي لكل المحاولات التي ربما ستحدث من هذه الجهة أو تلك ، لاعاقة عملية أعادة بناء الدولة ومؤسساتها المختلفة ، وفضحها وتعريتها ولجمها والحد من نشاطاتها المؤذية للبدء في عملية اعادة البناء .
والسعي لتوسيع مساحة الحريات والنشاطات ، وفي مجالات المجتمع المدني كالمهرجانات والفعاليات الفنية والثقافية والادبية ، فهي الأخرى مدخل من داخل دمقرطة الدولة والمجتمع .
نعمل جميعا وبتلاحم كل شرائح ومكونات وطوائف شعبنا ، وتوحيد جهدنا وعملنا لهزيمة الارهاب والارهابيين والطائفية والتخلف ، وكل القوى التي تسعى لبقاء العراق في دائرة العنف والتمزق والاحتراب والخرب .
لا تراجع عن مسيرة شعبنا ووطننا ، بل السير بخطى حثيثة للعبور الى شاطئ الأمان والسلام والتقدم والديمقراطية .