المنبرالحر

أين يقع العراق في مؤشر الابتكار / عادل عبد الزهرة شبيب

حسب تقارير المنظمات الدولية المتخصصة , احتل العراق المراتب الاولى من بين دول العالم الأكثر فساد واكثر الدول سوءا في قطاع التعليم واسوأ دول العالم في نشاط الأعمال واكثر الدول تخلفا وغيرها من الصفات السلبية التي تميز بها العراق بفضل الادارة السيئة للبلاد، وبفضل نظام المحاصصة المقيت وغياب الاستراتيجيات اللازمة .
واليوم صدر التقرير السنوي لمؤشر الابتكار العالمي لعام 2017 والذي يوضح حالة الابتكار في العالم ويقيسها على (127) دولة من دول العالم المختلفة، حيث بين تربعت سويسرا على عرش التصنيف العالمي للابتكار للسنة السابعة على التوالي، واحتلت السويد المرتبة الثانية وهولندا الثالثة في حين احتلت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة المرتبتين الرابعة والخامسة على التوالي. اما اليمن فاحتلت المرتبة الأخيرة رقم 127. وقد خلت القائمة من ذكر العراق وذلك لانعدام الابتكار والاختراع فيه (اذ انه من افضل الدول في ابتكار اساليب الفساد ونهب المال العام)، فحسب مصدر (اورينت بلانيت، مدار للبحوث والتطوير (USPTO الذي رصد براءات الاختراع لعدد من الدول للفترة من 2003 ولغاية 2013، كان للعراق براءة اختراع واحدة فقط لعام 2008 بينما كانت لديه قبل 2003 تسع براءات اختراع. في حين لدى الولايات المتحدة الامريكية (133593) براءة اختراع للفترة نفسها وهي تعادل ما يقارب 75 ضعفا لعدد (1818) براءة اختراع في كل الدول العربية مجتمعة لنفس الفترة (2003 – 2013). وهذا يدلل على عدم وجود ثقافة الابتكار في المنطقة عموما.
يعتبر تقرير الابتكار لعام 2017 العاشر لهذه السنة ابتداء من انطلاقه في عام 2007 وهي النسخة التي تركز على الابتكار في النظم الغذائية والزراعية. حيث اكد التقرير ان قطاع الزراعة والغذاء سيواجهان مستويات عالية في الطلب العالمي وزيادة المنافسة على الموارد الطبيعية المحدودة، خاصة في ظل تغير المناخ.
فما الذي يعنيه مؤشر الابتكار العالمي؟
مؤشر الابتكار العالمي 2017 هو تقرير يشارك في نشره كل من جامعة كورنيل والمعهد الاوربي لإدارة الأعمال (الانسياد) والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) (وهي احدى وكالات الامم المتحدة المتخصصة)، وينشر المؤشر سنويا منذ عام 2007. والمؤشر اداة قياس رئيسة بالنسبة لمديري الأعمال وواضعي السياسات وغيرهم ممن يريدون الاطلاع على حالة الابتكار في العالم حيث يستخدم المؤشر من قبل هؤلاء باستمرار لتقييم التقدم المحرز. ويقر التقرير بدور الابتكار كمحرك للنمو والازدهار في الميدان الاقتصادي. وفيما يخص الابتكار سيتم تحديد التقدم الاجتماعي والاقتصادي للبلاد بشكل متزايد من خلال قدرتها على الابتكار والتكيف بسرعة مع البيئات الجديدة، كما ان البحث العلمي والتكنولوجي والتنمية والابداع وخلق الأفكار التجارية الجديدة والقدرة على تنفيذ نماذج أعمال جديدة سوف تحدد على نحو متزايد ايضا نجاح الدولة.
يمكن تعريف الابتكار : بأنه عملية انتاج سلع و خدمات جديدة ترتكز على المعرفة المتوفرة التي ينتجها البحث العلمي سواء كانت تكنولوجية او غير تكنولوجية. فعلى سبيل المثال أدى البحث العلمي الى اختراع الآلة البخارية بينما أدى الابتكار الى وضع هذه الآلة على سكة وانتاج القطار.
ولتشجيع الابتكار في بلد ما، يجب بناء نظام وطني للابتكار والذي يعرفه البروفيسور (فيليب غريفيث) المدير السابق لمعهد الدراسات المتقدمة في جامعة برينستون بأنه : ((النظام الذي يخلق الظروف الملائمة ويعرض القدرة لبلد معين على الابتكار وبشكل خاص القدرة على التكيف وتطوير علوم وتكنولوجيا للاستخدام الاقتصادي والاجتماعي))، والعناصر اللازمة لذلك حسب (غريفيث) هي :- الناس والبنى المؤسساتية والبنى التحتية والبيئة التشريعية والارادة السياسية كما يحتاج الابتكار ايضا الى جذب المواهب العلمية والتقنية.
يعاني العراق وباقي الدول العربية من فقر معرفي تتجلى مؤشراته في ضعف كبير لبيئة انتاج المعارف حيث نجد أن الدول العربية تخصص فقط (0,4 في المائة) من الناتج المحلي الاجمالي للبحث والتطوير.
يعاني العراق من ضعف وعدم اهتمام بالبحث العلمي والابتكار والتطوير عموما ولأسباب عديدة اهمها :-
1. فقر التخصيصات المالية وانعدام الحوافز والدوافع للبحث العلمي والابتكار والتطوير.
2. عدم الاستقرار السياسي والصراعات الطائفية التي شهدها العراق بعد 2003، وقبلها شهد العراق حروبا مدمرة للفترة 1980 ولغاية 2003 مع فرض الحصار عليه اضافة الى تردي الوضع الأمني بفعل الارهاب.
3. ضعف سياسة التخطيط.
4. دور القوى المتنفذة الحاكمة وعدم اهتمامها بجانب الابداع والابتكار والبحث العلمي واعتمادها نظام المحاصصة الذي يأتي بأشخاص غير مؤهلين ليتولوا المسؤولية.
5. وجود فجوة كبيرة بين العراق والدول المتقدمة حيث هناك فروقات تكنولوجية تفصل بين من يمتلك القدرة على استخدام تقنيات المعلومات والتواصل ومن يستهلكها.
6. نوعية التعليم المدرسي والجامعي في العراق الذي يفتقد عنصر البحث العلمي واقتصاره على التلقين وهدم امكانية الابتكار. واصبحت الجامعات العراقية الطريق الأساس للحصول على شهادة بهدف الوظيفة فقط، اضافة الى افتقار الجامعات الى الدعم المالي لمشاريع البحث العلمي للطلاب والاساتذة.
7. انتشار الفساد ضمن الهيئات المتخصصة اضافة الى تدمير حوافز الاستثمار لدى الأفراد من قبل الجهات الرسمية الحكومية وعدم تشجيعه.
8. عدم توفر الأجهزة والمعدات والمصادر المكتبية اضافة الى انقطاع الاتصال بالعلماء في الخارج وانعدام العلاقات بالجامعات والمعاهد والمؤسسات العلمية وعدم حضور المؤتمرات العلمية والمساهمة في مشاريع مشتركة.
9. انعدام الأمان والتهديدات واعمال القتل الي اودت بحياة العديد من اساتذة الجامعات والاختصاصيين حيث تشير التقارير الى ان اكثر من ألف من العقول العراقية قد لاقوا حتفهم في العراق وان اكثر من ثلاثة آلاف من العلماء والاختصاصيين قد هاجروا من العراق. ونشهد اليوم عمليات الخطف وقتل الاطباء والفنانين ومدراء المدارس ورياض الاطفال والمدربين الرياضيين دون ان تحرك السلطة ساكنا.
10. الوضع المتأزم داخل الجامعات العراقية الذي لا يشجع على البحث العلمي والابتكار ومحاولات بعض القوى السياسية المتنفذة وميليشياتها التدخل في شؤون الجامعات ومحاولة فرض اجندتها والمساس باستقلالية الجامعة واعتقال وطرد الطلبة المعترضين كما حصل مؤخرا في جامعة الديوانية.
11. ضعف التدريب للكوادر التدريسية لرفع مستواها العلمي والاداري والتنظيمي بما يتناسب مع التطور الحاصل في جامعات الدول المتقدمة.
12. عدم جعل التفكير العلمي والقدرة العلمية والابداع جزءا من نسيج المجتمع العراقي.
13. عدم تشجيع الشركات الاجنبية على الاستثمار في البحث العلمي والتطوير داخل الاقتصاد العراقي.
14. قلة النصوص التشريعية والقانونية المسهلة لنشاط الابتكار والاختراع وغياب قانون (الباحث / المبدع / المخترع).
15. ضعف مستوى العلاقة بين الجامعات العراقية والشركات الصناعية.
16. انعدام الهيئات المساعدة والداعمة ماليا لنشاط الابتكار والاختراع (بنوك، وكالات، صناديق، مؤسسات...) وغياب كلي للدعم المالي للابتكار كالاعتمادات المحفزة.
17. ضعف او انعدام ميزانيات البحث / التطوير والابتكار داخل الشركات الصناعية.
18. الاقتصاد الريعي الاحادي الجانب واعتماد العراق الكلي على تصدير النفط الخام ادى الى اهمال وتخلف القطاعات الاقتصادية غير النفطية، ما ادى الى انخفاض مستويات الابتكار وتطوير براءات الاختراع.
وقد ترتب على كل هذه العوامل السلبية قلة الابتكارات والاختراعات وتدني التكنولوجيا فيه، وظل العراق يعتمد على استيراد التكنولوجيا واستيراد كل شيء وبقيت ثرواته المتنوعة تنتظر الفكر الذي يستثمرها ويحسن الواقع الاقتصادي – الاجتماعي للبلاد.
المطلوب اليوم اتخاذ الاجراءات العاجلة من اجل النهوض بأنشطة الابتكار والاختراع في العراق ومن خلال :-
1) التوعية بأهمية انشطة الابتكار والاختراع على كل المستويات (مدارس، معاهد، جامعات...).
2) انشاء جائزة للابتكار وعلى اساس معايير محددة.
3) تنظيم سوق للابتكارات بالتعاون مع المنظمات المهنية الدولية.
4) التشجيع على خلق جمعيات مهنية للمبدعين والمبتكرين.
5) اصدار قانون حول الابتكار وتنظيم اموره.
6) الاعفاءات الضريبية للابتكارات.
7) الدعم المالي وتخصيص نسبة من الدخل القومي لأنشطة البحث والابتكار.
8) ربط البحوث العلمية بالإنتاج وتقديم الدعم المالي للجامعات.
9) تقليص الفجوة العلمية والتكنولوجية بين العراق والدول المتقدمة.
10) تغيير مناهج التعليم في المدارس والمعاهد والجامعات واعتماد مناهج البحث العلمي وربط المناهج بالإنتاج وباقتصاد البلاد.
11) تحسين البيئة العلمية والتكنولوجية بكاملها.
12) ردم الهوة بين البحث العلمي والاكاديمي وبين سوق العمل وحاجات الصناعة والزراعة.
13) مكافحة الفساد والبيروقراطية.
14) تنويع مصادر الدخل الوطني وعدم الاعتماد على الاقتصاد وحيد الجانب والذي سيشجع على الابتكار والتطوير في هذه المجالات.
15) تحفيز العقول العراقية المهاجرة على العودة والاستفادة من خدماتها بمنحها الحوافز والتسهيلات والاعفاءات وبعيدا عن البيروقراطية.
16) الحفاظ على استقلالية الجامعات وعدم التدخل في شؤونها من قبل القوى المتنفذة وتسييسها.
17) تفعيل المكانة المهمة للإعلام في مرافقة عمل المؤسسات التعليمية بتسليط الضوء على النجاحات العلمية والابتكارات.
18) اقامة مراكز ومعاهد للبحوث والتطوير.
وختاما نقول ان الصناعات المستقبلية ترتكز على قوة الفكر. فهل سنخلق البيئة اللازمة للابتكار والاختراع والتطوير؟