المنبرالحر

دور مؤسسات المجتمع المدني في بناء الدولة المدنية / سلام خماط

بعض المفكرين يعرّف المجتمع المدني بأنه: المجتمع الديمقراطي الذي تتوفر فيه حقوق المواطن والتعددية واستقلال القضاء ولعل التعريف الذي وضعته ندوة المجتمع المدني في بيروت عام 1992 هو الأشمل حيث تقول: بأنه يقصد به المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستقلة عن سلطة الدولة عبر الأحزاب السياسية والدفاع عن مصالح العمل النقابي والمساهمة في العمل الاجتماعي والتنمية إلى جانب نشر الوعي الثقافي فهو (المجتمع المدني) يقوم نتيجة اتفاق الأفراد بإرادتهم الحرة وفيه تقوم دولة المؤسسات الديمقراطية بالمعنى الحديث (نقابات وجمعيات برلمان – قضاء مستقل – أحزاب) حيث تتجسد فيها القيم المدنية ضد قيم التخلف والتعسف من قبل الدولة.
يعتبر المجتمع المدني العلامة الفارقة لوجود الدولة وبدونه لا يكون هناك دولة وهما طرفان متكاملان بهما معاً يتقوم وجود المجتمع، فلا يمكن تصور دولة من دون مجتمع مدني ولا مجتمع مدني من دون دولة .
الدولة التي تلغي وجود المجتمع المدني إنما تفقد في الواقع صفة الدولة وتتحول إلى محض سلطة غالباً ما تتماهى مع شخص الحاكم، فالمجتمع المدني بتشكيلاته المتعددة التي تضم النقابات ومنظمات غير حكومية ووسائل إعلام خاصة والأحزاب السياسية التي تشكل العمق الهيكلي للدولة بما فيها البنى الفوقية والتحتية، فكما أن الدولة ترعى المجتمع المدني وتوفر له سبل النمو كما هو مفترض، فإن المجتمع المدني هو الذي يحمي الدولة من الجمود والشيخوخة ثم التآكل والانهيار.
إن وجود المجتمع المدني الفاعل يعني وجود الدولة ، ووجود المشاركة السياسية، وبناء المواطنة وتحقيق الانتماء الوطني لأن هناك علاقة عضوية ثابتة بين المشروع الديمقراطي والمجتمع المدني حيث لا يتحقق أي منهما في غياب الآخر ولا نستطيع أن نبني مجتمعاً ديمقراطياً من دون مؤسسات المجتمع المدني التي هي هيكل البناء الديمقراطي وهي على رأس القائمة في متطلبات التغيير الاجتماعي والسياسي، فلا يمكن الحديث عن مجتمع مدني حقيقي في إطار دولة ضعيفة أو تسلطية أو ناقصة أو فاقدة الشرعية وإن بناء المجتمع المدني ومؤسساته وتفعيله أيضاً يتضمن في الوقت نفسه إعادة بناء الدولة المدنية بحيث تصبح دولة مؤسسات وقوانين يتم فيها فصل السلطات الثلاث (التشريعية – التنفيذية – القضائية) تلتحم بمجتمعها المدني وتتفاعل معه تعبيراً عنه وانبثاقاً منه على اساس التكامل وليس التناقض .
وفي إطار البحث في ماهية العلاقة بين الدولة المدنية والمجتمع المدني ثبت أن الأصل في العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني علاقة تكامل واعتماد متبادل وتوزيع للأدوار وليست علاقة تناقض أو خصومة أو معارضة فالمجتمع المدني ما هو إلا أحد تجليات الدولة المدنية الحديثة التي توفر شرط قيامه عن طريق تقنين نظام للحقوق ينظم ممارسات كافة الأطراف والجماعات داخل المجتمع، فالمجتمع المدني وليد قوة الدولة ومن أجل موازنة قوتها فلم يتطور المجتمع المدني في الغرب لتقويض الدولة، ولقد كان المجتمع المدني والدولة القوية حصيلة التطور المتوازي
ولابد لنا أن نقول أنه لا وجود للمجتمع المدني من دون حماية الدولة له ولا بناء لمجتمع مدني من دون بناء للدولة، فالدولة والمجتمع المدني واقعان متلازمان والدولة تستمد من المجتمع المدني قيمها وقواها وسياستها و مدنيتها والدولة هي الإطار الذي يحتضن ويؤطر حركة المجتمع المدني ونشاطه ومن دون مؤسسات المجتمع المدني تنفرد الدولة بالمجتمع لتفرض سيطرتها
وإذا أردنا إثبات أهمية تفعيل مؤسسات المجتمع المدني كأساس للدولة المدنية لابد من التدقيق في العيوب التي تعانيها وتلصق بالدولة من أمثال غياب دولة القانون والإفساد والمحسوبية وكما يسمى بالدولة الأمنية التي ينتشر في ظلها القمع والإرهاب وغياب المشاركة السياسية وتحكمها قيم طائفية وعرقية وغياب المواطنة والولاء الوطني وانزياحه لولاءات فرعية، وهنا يأتي دور المجتمع المدني في امتصاص عيوب الدولة والنهوض بها بعد الوصول إلى حالة التفعيل المطلوبة والارتقاء إلى الحالة المدنية أو الدولة المدنية اللصيقة بمجتمعها المدني والقائمة على نشر الثقافة المدنية وترسيخها رغم المعوقات التي تواجهها من خلال ما يقدمه المجتمع المدني وتنظيماته من استشارة ورقابة وتوجيه ومتابعة لخطط الدولة وبرامجها وتحقيق تعبئة اجتماعية باتجاه البرامج التنموي للدولة في جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لما يمثله المجتمع المدني من انتشار واسع ولجميع أطياف المجتمع وفئاته على اعتبار أن مؤسسات المجتمع المدني هي قرينة الحداثة وأدوات للتحديث بنفس الوقت.
وعلى الأرجح أن المعنى المراد من تفعيل مؤسسات المجتمع المدني ونشرها لثقافة الدولة المدنية لن يكتب لها الاكتمال إلا عندما نتبين دور مؤسسات المجتمع في نشر التعليم ومكافحة الفقر وإرساء مفهوم المواطنة.
ان العديد من الإسهامات التي يقوم بها المجتمع المدني في سبيل الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وترسيخ مفهوم المواطنة والعمل على تكريس سيادة القانون وكل ما من شأنه زرع ثقافة الدولة المدنية، مما يوضح بالنهاية الدور الهام الذي يلعبه المجتمع المدني في ترسيخ أسس بناء الدولة المدنية من جهة، وكذلك جدلية العلاقة بينهم .
في الختام يمكننا القول ان المجتمع المدني هو المجتمع الذي تنبثق منه كل المؤسسات بما فيها مؤسسة الدولة لكن للاسف الشديد نرى ان اغلب مؤسسات المجتمع المدني في العراق دون رعاية تذكر ودون أي اهتمام عدى تلك التي تكون تابعة للاحزاب والشخصيات المتنفذة وبهذا تحولت هذه المؤسسات من مؤسسات مدنية تطوعية وغير ربحية الى مؤسسات سياسية همها الترويج لبضاعة تلك الاحزاب الكاسدة ومبتعدة عن اهدافها الحقيقية ومنها بناء الدولة المدنية الحديثة .