المنبرالحر

كلهم يدّعون الوصل بالله / محمد على العامري

{ إذا أردت أن تتحكم في جاهل ، عليك أن تغلف كل باطل بغلاف الدين } أبن رشد
وأنا أتابع حلقة من حلقات " صناعة الموت " على قناة العربية ، ظهر في الفلم الوثائقي تقرير عن أحداث وإنتهاكات شنيعة قامت بها المجاميع الإسلامية المسلحة في الجزائر . وتضمن الفلم لقاء مع أحد المجرمين ( المجاهدين ) الجزائريين – حُكم عليه بالإعدام - المدعو كوري الجيلالي الذي كان يقود مجموعة جهادية تابعة لـ ( الجماعة الإسلامية المسلحة ) في قرى شمال غرب الجزائر من عام 1996 – 2006 ، هذه المجموعة الإجرامية وغيرها قد إرتكبت أبشع الجرائم بحق القرويين الآمنين المسالمين . ففي هجوم واحد على قرية المدية الصغيرة التي كان يسكنها 57 إنسان حوالي إثني عشر عائلة ، تم ذبحهم جميعاً هم وأطفالهم وشيوخهم ونسائهم ، وقد نجى أربعة فقط من السبعة والخمسين . وجاء في التقرير أنه { تم إغتصاب كل الفتيات قبل ذبحهن بغض النظر عن أعمارهن } وسأله الصحفي ، لماذا فعلتم ذلك ؟ الجواب { هناك فتاوى تحث المسلمين على الجهاد في سبيل الله ، وتعتبر كل الجزائريين كفار إذا لم يجاهدوا معنا ضد الحكومة } .
وفي حلقة أخرى من " صناعة الموت " كان فيها لقاء مع الإرهابي المجرم العراقي حسام ناجي مفتي داعش الذي ألقي القبض عليه في الفلوجة ، وهو أيضاً كان نائب قاضي " الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش " . وكان صريحاً في كلامه مدافعاً عن كل ما قامت به داعش من إرهاب ودمار ودماء في العراق مستنداً على أيات قرآنية وأحاديث نبوية – إعتمادهم على الأحاديث أكثر بكثير من النصوص القرآنية ، ولم ينسى أثناء حديثه ذِكْر الله مرات عديدة ، وحمْدِه له ، لأنه اكتشف أخيراً أن زعيمه أبو بكر البغدادي كان يعتمد على أحاديث نبوية ضعيفة وغير مسندة . هذا المجرم المدعو حسام ناجي درس علوم التشريع في الكلية من بعد إطلاق سراحه مع زعيمه البغدادي من معتقل بوكا الأمريكي الذي يقع في محيط مدينة أم قصر في البصرة جنوب العراق . هذا المعتقل كان يضم معظم قيادات داعش التي نسمع بها اليوم وعلى رأسهم الشيخ إبراهيم عواد إبراهيم السامرائي - أبو بكر البغددي - والذين أُطلق سراحهم جميعاً ليعيثوا بالعراق فساداً وإرهاباً .
فلو تابعنا وتتبعنا المجاميع الجهادية في العالم الإسلامي وقمنا بدراسة موضوعية بعيدةً عن العاطفة الدينية والمذهبية ، وبعيدةً عن التعصب والتطرف الطائفي لوجدنا التالي :
1. الكل يشارك بقناعة تامة في القتال " الجهادي " من أجل أن ينال رضى الله ويكسب الآخرة ويكون سعيداً في جنات الخلد . وهذا المسلم المجاهد يعتبر كل ما يقوم به من أعمال مهما كانت بشاعتها وقبحها ضد الآخر الذي يعتبره كافراً أو مرتداً أو مشركاً - حتى لو كان مسلماً – عملاً في سبيل الله . وهذه المجاميع ترى نفسها هي الوحيدة التي تمثل الله والدين على الأرض ، وغيرها يمثل الضلالة والكفر .
2. الإنتحاري الذي يفجر نفسه بين تجمعات الناس الأبرياء ، هو مقتنع قناعة تامة لا شك فيها ، بأن عمله هذا هو عمل جهادي صالح في سبيل الله ، متأثراً بخطب وفتاوى المشايخ الذين لبسوا الكهنوت المقدس بحيث يصعب على المسلمين البسطاء رؤيتهم على حقيقتهم . وهؤلاء البسطاء من المسلمين يرون نور الله يشع بوجوه هذه المشايخ ، ويتبعونهم على شكل قطعان من الماشية ويأتمرون بأمرهم ويخضعون بطاعتهم وهم فرحون ، حتى وإن كان هذا السبيل يؤدي بهم الى الموت والتهلكة ، ولكنهم على قناعة بأن سبيلهم هذا ليس الهلاك وإنما الشهادة في سبيل الله .
3. عندما نشاهد أو نسمع بالأعمال الوحشية والجرائم التي تقوم بها المجاميع الجهادية التابعة لداعش أو الفصائل الإسلامية المسلحة الأخرى والمذابح البشرية التي ترتكبها ، فهي تقوم بذلك تحت شعار المقدس ( الله أكبر ) و ( لا إله إلاّ الله ) الذين يعطي الطمأنينه والراحة النفسية لهم والقناعة بأن كل ما يقومون به ليس أجراماً وإنما عملاً صالحاً يرضي الله ورسوله ، طالما هناك نصوص قرآنية وأحاديث نبوية تعزز وتشجع وتدفعهم بقوة على كل ما يرتكبونه من قتل ودمار.
فأول خطبة لأبي بكر البغدادي وهو يحث أنصاره بها على القتال { للزحف من العراق والشام الى إحتلال روما }، مستنداً على آيات قرآنية وأحاديث نبوية ، والآيات هي : -
الآية الأولى – { فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (5)سورة التوبة .
الآية الثانية – { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (29) سورة التوبة .
الآية الثالثة – { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير } سورة التوبة .
وهذه المجاميع والفصائل " الجهادية "هي في الواقع غير منسجمة فيما بينها بسبب المصالح المتعاكسة لقياداتها وأحزابها ، فنرى الصراعات الدموية ضد بعضهم البعض تصل حد الإبادة . وما القتال الناشب اليوم على الساحة السورية بين فيلق الرحمن وجيش الإسلام لهو دليل واضح على ذلك . وكذلك القتال الدائر بين بعض فصائل داعش وجبهة النصرة يؤكد لنا كيف يَقتلون ويُقتلون وهم مُخدرون بالمقدس. وكل فصيل من هذه الفصائل المتناحرة والمتقاتلة يحاول أن يقنع أنصاره بأنه على حق ، والآخر على باطل ، ويتهمه بالإرتداد عن الدين ، والمرتد جزاءه القتل والقضاء عليه ، متخذةً نفس شعار المقدس ( الله أكبر ) و ( لا إله إلاّ الله ) الذي يغذيهم روحانياً ويعطيهم الطمأنينة بأن ما يقومون به هو الجهاد الحقيقي في سبيل الله وحماية دينه ، والذي ينال الشهادة منهم سيكسب رضى الله ورسوله ، وسيفوز بالآخرة ويكون سعيداً في جنات الخلد .
وفي المقابل نرى الأطراف الإسلامية الأخرى المتصدية لداعش وأخواتها في العراق وسوريا – العراق بالذات - قد أعلنت الجهاد لدحر داعش تحت غطاء من فتاوى مشايخها تحث المسلمين على القتال من أجل نصرة الإسلام والمسلمين ضد الفئة الباغية وهي داعش ، مستندين على الآيات القرآنية التالية :
{ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } (البقرة، 194)
{ وقاتِلوا في سبيلِ الله الَّذين يُقاتِلونَكُم ولا تَعتَدوا إنَّ الله لا يُحبُّ المُعتَدينَ } (سورة البقرة 190)
هنا يتبين لنا ويظهر أمامنا أن ( الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر ) و ( داعش في العراق وسوريا وليبيا ) و ( جبهة النصرة وفيلق الرحمن وحزب الله وفيلق القدس في سوريا ) هي فصائل متناحرة ومتحاربة ومتصارعة ، ويحاول كل فصيل أو طرف أن يلغي الآخر لأن :-
*- الكل يدعي صلته بالله ويعمل في سبيله .
*- الكل يدّعي بإمتلاكه الحقيقة المطلقة .
*- الكل يجاهد في سبيل الله والعمل من أجل نصرة الإسلام والمسلمين .
*- الكل يعتمد ويستند في جهاده ضد الآخر على القرآن والأحاديث .
*- الكل يرفع شعاره المقدس ( الله أكبر ) و ( لا إله إلأّ الله ) كغطاء شرعي ونفسي
*- وكل طرف يدعي بأنه ظل الله في الأرض وهو الممثل الشرعي والوحيد للإسلام وليس غيره .
فالفصائل الإسلامية المسلحة " الجهادية " كداعش في العراق والسورية وليبيا وغيرها، أو الجبهة الإسلامية المسلحة في الجزائر والمغرب أو الجناح الإسلامي الضارب في الصومال وبلدان أفريقية أخرى ، وهناك المئات من أمثالها منتشرة في بقاع العالم ، دخلت البلدان تحت شعار " الجهاد في سبيل الله " من أجل إعادة " نشر الإسلام الصحيح الذي حرّفه الآخرون " وتنظيف أرض الإسلام من " الكفار والمشركين والوثنيين " تحت غطاء المقدس المحمول على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المنتقاة بدقة لتتناسب مع خطابها ومشروعها السياسي الإقتصادي ، ونراها كيف تتلاعب بالتفسير والتأويل ليمنحها الغطاء الشرعي في كل ما تقوم به وتسعى اليه حتى لو أدى ذلك الى إبادة البشر وخراب البلدان .