المنبرالحر

امكانية الاستفادة من تجارب عالمية في دعم انتاجنا الوطني / عادل عبد الزهرة شبيب

صوت مجلس الوزراء الثلاثاء التاسع والعشرين من آب 2017 على دعم المنتج الوطني وذلك من خلال مراجعة موضوع الرسوم الجمركية على بعض المواد الأولية ومدخلات الانتاج وتنفيذ ورش عمل متخصصة يشارك فيها القطاع الخاص بما يوفر نظرة شاملة في كيفية دعم المنتج المحلي.
وتعتبر هذه خطوة ايجابية فيما لو تم تفعيلها وتنفيذها وتطويرها باتجاه تقليص الاعتماد على مورد اقتصادي واحد ( النفط الخام ) , والعمل على تنويع مصادر الدخل الوطني بتفعيل الزراعة والصناعة والتعدين والسياحة وغيرها , وتطوير صناعة النفط والغاز ووضع حد لسياسة اغراق السوق العراقية بالمنتجات المستوردة المختلفة والتي ليس لمنتجاتنا الوطنية القدرة على منافستها، اضافة الى العمل على تطوير الصناعات القائمة وانشاء صناعات جديدة تتناسب مع الموارد الطبيعية المتاحة، ومع الامكانات المتوفرة لدينا.
وفي هذا المجال يمكن الاستفادة من تجارب الدول التي تمكنت من تحقيق التنمية الاقتصادية – الاجتماعية ودعم منتجها الوطني لتتحول الى بلدان مصدرة تنافس الدول الرأسمالية المتقدمة , بعد ان قدمت الدعم والحماية لمنتجاتها الوطنية كالصين ودول النمور الاسيوية وغيرها. اذ تمكنت الصين من تخليص ربع سكان العالم من براثن الفقر والتخلف على الرغم من امتلاكها 7 في المائة فقط من الأراضي الزراعية, الا انها استطاعت توفير الغذاء لسكانها واستطاعت منذ العام 1978 أن تحقق معدلات نمو ايجابية بحد ادنى 6 في المائة سنويا , كما حقق القطاع الصناعي الخاص نموا بلغ 11,5 في المائة سنويا. وتؤكد الاحصاءات ان القرن الحادي والعشرين سيكون صينيا. كما تمكنت من تحقيق فائض في الميزان التجاري بقيمة 186 مليار دولار خلال عام 2001 وفائض في ميزان المدفوعات بقيمة 205 مليار دولار خلال عام 2001 وتحقيق احتياطي من النقد الاجنبي بلغ 1932 مليار دولار في آب 2001 , وتحقيق نمو في الانتاج الصناعي بنسبة 95 في المائة في ايلول 2001.
وتعكس هذه الأرقام النهضة الصينية الحالية اذا ما قورنت بمثيلاتها في الدول المتقدمة بعد ان كانت الصين دولة فقيرة ومتخلفة للغاية في ظل الاعداد الضخمة من السكان. وبعد اكثر من خمسين سنة من العمل الجاد صارت الصين اليوم احدى الدول الاقتصادية الكبرى ذات القدرة التنموية الكاملة في العالم والتي تجد منتجاتها المختلفة في اسواق العالم, وهذا التطور الاقتصادي الكبير فيها يعود بالأساس الى القرار الذي اتخذه قادة الصين بضرورة اصلاح النظام الاقتصادي الصيني , حيث عملوا منذ العام 1978 على المزج بين الاقتصاد المخطط واقتصاد السوق ومحاولة الاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة وفتح الباب امام الاستثمارات الاجنبية. وبعد تجربة الاصلاح والانفتاح لمدة عشرة سنوات استطاعت الصين بلورة مفهوم ( اقتصاد السوق الاشتراكي ) لتحديث تسوية عملية ونظرية بين الحفاظ على دور الدولة التدخلي في الاقتصاد من جهة وخلق فضاءات اقتصادية ليبرالية ومتعولمة من جهة اخرى ربطتها بالاقتصاد العالمي. وقد سمحت لها تلك التجربة بالاندماج مع الاقتصاد العالمي.
اعتمدت الصين في تحقيقها الاصلاح الاقتصادي على :-
1) تطبيق نظام اللامركزية في ادارة المؤسسات الحكومية والتخطيط الانمائي مع الأخذ بمناهج الاصلاح والتقدم الشامل بصورة تدريجية بما يحقق التغيير في ظل الاستقرار وقبول المجتمع.
2) السماح بظهور صور اخرى من الملكية مثل الملكية الخاصة الى جانب الملكية العامة والملكية التعاونية وبعمل توازن محسوب في الهيكل الاقتصادي ( الملكية العامة 30في المائة والملكية الجماعية 40في المائة والمشروعات الاستثمارية والخاصة 30في المائة ).
3) الانفتاح والاتصال بالغرب والخروج من العزلة.
4) الاصلاح الجذري للشركات والمصانع المملوكة للدولة في تحديث معدات الانتاج واسلوب وقواعد العمل والادارة لحل مشكلات معظم المؤسسات الحكومية الخاسرة لمدة طويلة.
5) اقامة اسواق المال والتكنولوجيا والمعلومات على اسس حديثة مع اعداد الغطاء التشريعي الواضح الذي يحدد السياسات المالية وسياسات توزيع الاجور على اسس مرنة وفقا للكفاءات والقدرات اللازمة لكل وظيفة.
وقد اعتمدت الصين في اصلاحاتها الاقتصادية التي حققت المعجزة على ثلاث خطوات :-
اولا : الخطوة الاولى عام 1978 تمثلت بمضاعفة مجمل الناتج الوطني مرتين عما في 1970 من خلال تحقيق التنمية الاقتصادية ورفع مستوى الشعب سواء عن طريق رأس المال الوطني او الاجنبي بأسلوب اشتراكي وفقا للمثل الصيني : (( لا يهم لون القطة اسود ام ابيض طالما تصطاد الفئران )), وبذلك حلت مسألة الغذاء والكساء للشعب , وقد تحقق هذا الهدف من حيث الأساس في نهاية الثمانينات من القرن العشرين.
ثانيا : الخطوة الثانية هي مضاعفة الناتج الوطني اربع مرات عن عام 1980 وذلك من خلال الاستمرار في التعليم والتثقيف لجميع افراد فريق الادارة والانتاج والتسويق ولا يتوقف عند مؤهل جامعي مهما علا , طالما ان العلوم تتقدم والمعارف تتطور والفكر في حركة دائمة وذلك من خلال مدرسة الحزب الشيوعي الصيني وكوادره وفلسفته التي تدرس السياسة والاقتصاد والفلسفة والممارسات المتجددة والاحوال المتغيرة والخبرة العلمية. وقد تحقق هذا الهدف ايضا عام 1995 قبل موعده المقرر.
ثالثا : الخطوة الثالثة هي تحقيق التحديث بصورة اساسية ووصول معدل نصيب الفرد من مجمل الناتج الوطني الى مستوى البلدان المتطورة وذلك من خلال وضع فلسفة الاصلاح الاقتصادي على اهمية دراسة الجدوى الحقيقية للمشروع وفقا للمعطيات الصحيحة والكاملة قبل بدء العمل ووضع الاطار القانوني والاداري له قبل التشغيل وعلى اساس التجديد المستمر للإنتاج شكلا وموضوعا وفقا لمنهج البحث والتطوير.
كما اعتمدت الصين على وضع خطة خمسية للمحافظة على سرعة نمو الاقتصاد الوطني السريع نسبيا وتحقيق فعالية واضحة للتعديل الاستراتيجي للهيكل الاقتصادي ورفع نوعية النمو الاقتصادي وفوائده بشكل بارز في سبيل تكريس اساس متين لتحقيق هدف مضاعف وتحسين هياكل الصناعات وترقيتها الى مستوى اعلى وتعزيز القدرة التنافسية الدولية وزيادة الاهتمام بالبحوث والتنمية في البلاد لترتفع نفقاتها الى اكثر من 1,5 في المائة من مجمل الناتج الوطني ويتم تعزيز قدرة ابداع العلوم والتكنولوجيا وتسريع التقدم التكنولوجي.
في العراق هل يمكن الاستفادة من التجربة الصينية في التنمية الاقتصادية وحماية ودعم المنتج الوطني ؟
تعد قضية التنمية في العراق من القضايا الشائكة حيث يعاني اقتصادنا الوطني عموما من التخلف كونه اقتصادا ريعيا استهلاكيا استيراديا بامتياز ويفتقر العراق الى الخطط الاقتصادية لتحقيق النهضة الاقتصادية ويقضم الفساد جزءاً كبيرا من موارده المالية دون رادع, ويعتمد النظام فيه على مبدأ المحاصصة الطائفية الذي يأتي بأشخاص غير كفوئين وغير مؤهلين لإدارة المرافق الاقتصادية المهمة , اضافة الى انتشار الجهل والامية وضعف مهارات الايدي العاملة الى جانب الصراعات السياسية والاغتيالات والتفجيرات والنشاط الارهابي ونقص الموارد المالية بسبب الاعتماد الكلي على تصدير النفط الخام والذي تميزت اسعاره بعدم الاستقرار. وحتى في السنوات التي كانت فيها اسعار النفط مرتفعة فلم يستفد العراق من هذه العوائد المالية الكبيرة في تحقيق التنمية والتطور الاقتصادي وتوظيفها في وضع بنية تحتية ضرورية لأية تنمية اقتصادية في كافة القطاعات وانما وجهت نحو استيراد السلع الترفية ولامتيازات الرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة غير المعقولة. اضافة الى عدم توفر قاعدة اقتصادية متنوعة لتحقيق الثبات والاستقرار للاقتصاد وتمكنه من التخطيط السليم لمستقبله. فما يزال اقتصادنا الوطني احادي الجانب يعتمد على سلعة واحدة في تكوين الناتج المحلي وتغذية النشاط الانتاجي الا وهي النفط مع استمرار ضعف القطاعات الانتاجية غير النفطية كالصناعة والزراعة والتعدين والسياحة وغيرها , اضافة الى ضعف دور القطاع الخاص في عملية التنمية نتيجة المعوقات والمشاكل التي يعاني منها هذا القطاع.. وكذلك ضعف الاستثمار الاجنبي لانعدام البيئة الجاذبة للاستثمار , الى جنب تلكؤ الاستثمار المحلي. ويعتبر انتشار الفساد المالي والاداري والسياسي والقضائي من اهم معوقات التنمية في العراق والتي تتطلب الاصلاح الجذري الفعلي، اضافة الى ازمة الكهرباء التي ادت الى انخفاض الانتاجية وزيادة تكاليف الانتاج.
ان تحسين اقتصادنا الوطني وواقعنا الصناعي ودعم وحماية المنتج العراقي يحتاج الى :-
1) توفير الدعم الحكومي المادي والمعنوي والحوافز كالإعفاءات الضريبية والجمركية للمواد الخام الاولية والماكنات والمعدات مع التركيز على المنتجات القابلة للتصدير.
2) عدم منح تراخيص جديدة الا بعد دراسة حاجة الاسواق المحلية لتلك المنتجات والطاقة الاستيعابية لها حتى لا تشكل عبئا جديدا في المستقبل.
3) مراقبة جودة البضائع الوطنية والمستوردة ومراقبة اسعار المنتجات الوطنية ومطابقتها للمواصفات.
4) خفض رسوم الخدمات لكافة القطاعات الصناعية بعد توفيرها.
5) ضرورة اعطاء الأولوية في العطاءات والمشتريات الحكومية للمنتجات الوطنية.
6) تطوير المدن الصناعية القائمة واقامة مدن صناعية جديدة ضمن حوافز استثمارية عالية لتشجيع الصناعة والمساهمة في حل مشكلة البطالة.
7) وضع حد لسياسة اغراق السوق المحلية بالمنتجات الاجنبية.
8) حل مشاكل الزراعة ومعوقاتها بهدف توفير سلة الغذاء وتوفير المواد الاولية اللازمة للصناعة وتصدير الفائض.
9) ضرورة التعريف بالمنتجات العراقية والالتزام بمعايير الجودة والمواصفات العالمية والابتكار وعدم تقليد المنتجات المستوردة من حيث النوع والاسم والتغليف وضرورة القيام بحملات توعية لأهمية المنتج العراقي على المستوى الداخلي والخارجي مع دعم مشاركة الصناعات الوطنية في المعارض العربية والدولية , والزام الوزارات العراقية باقتناء المنتج الوطني العراقي.
10) تحريم الغش الصناعي وفرض العقوبات الرادعة لمن يلجأ اليه.
11) محاربة كل اشكال الفساد محاربة جذرية واعتماد العقوبات الرادعة للفاسدين مهما كانت انتماءاتهم ومناصبهم في الدولة.
12) وضح حد للخلافات السياسية والطائفية والاهتمام بالنهضة الاقتصادية للعراق وبمشاركة الجميع بالتنمية.
13) ايجاد صناعات تحتاج الى ايدي عاملة كبيرة وذلك لتحقيق هدفين : الاول لامتصاص البطالة , والثاني لتوفير الانتاج لسد الحاجة المحلية ولأغراض تصدير الفائض.
14) تطوير وتدريب الايدي العاملة العراقية وزيادة مهاراتها.
15) ربط التعليم والجامعات العراقية باقتصاد البلاد.
16) احترام العمل وتقديسه وشغل كل وقت العمل في الانتاج والعمل.
17) التنمية الاجتماعية والتي هي احداث تغيرات جذرية في مفاهيم وسلوك الفرد تجاه المجتمع بما يترتب عليه احساس الفرد بمسؤوليته الجماعية في القضاء على المشاكل التي يواجهها المجتمع, اضافة الى التنمية الثقافية التي لها ابعادها الشمولية الواسعة اضافة الى دور الارادة السياسية الجادة في تحقيق الاصلاح الاقتصادي والتنمية الاقتصادية الزراعية والصناعية والاجتماعية والثقافية.
18) تطوير الانظمة التعليمية للمراحل الدراسية كافة وانشاء مراكز التدريب والتأهيل المهني المستمر.
19) تطوير البنية التحتية للدولة بإنشاء شبكات طرق سريعة وشبكات قطارات ومطارات عالية التطور وتطوير شبكات معلومات واتصالات متقدمة وتطوير المراكز الصناعية والتكنولوجية ومراكز الابتكار والابداع وتقديم الدعم لمراكز البحوث العلمية الصناعية والزراعية والتقنية, وتطوير نظام الادارة والعدل والقضاء وابعادهم عن التدخلات السياسية , وسن تشريعات قانونية لحماية حقوق الانسان والمرأة والاحداث الذين يستغلون في العمل.
20) وضع الخطط الخمسية والبعيدة المدى للنهوض باقتصادنا الوطني عموما وتخليصه من الصفة الاحادية.
فلندعم منتجنا الوطني ولنحول العراق من بلد يستورد كل شيء الى بلد مصدر...