المنبرالحر

وِجهة نظر / د. صادق إطيمش

قد يعتبرها البعض ضرباً بالخيال او شذوذاً عما معمول به عالمياً بالنسبة للعمل البرلماني المعمول به في العراق والذي تتناوله وجهة النظر هذه . وتبريري لهذا الشذوذ عما يسود في برلمانات العالم هو ان البرلمان العراقي ، او ما يسمى كذلك ، لم يتصف في اي من مقوماته التي تبلورت بعد سقوط دكتاتورية البعث من خلال الإحتلال الأمريكي لوطننا وكل ما جاء به هذا الإحتلال من ساسة يشكل اغلبهم عصابات سرقة واحتيال وتزوير وتآمر وإرهاب واغتصاب وكل ما يمكن ان يُنسب إلى انسان سيئ الخلق ، عديم الشرف ومنحط الضمير . ساسة اشبه بالديكة التي ينتف بعضها ريش البعض الآخر سعياً وراء الكسب اللامشروع في اية مؤسسة يحتلونها من مؤسسات الدولة العراقية ، حتى اوصلوا البلد إلى هذه الحالة المزرية التي لا ينافسها عليها ، وحسب احصائيات مؤسسات الأمم المتحدة نفسها ، حتى اكثر البلدان فساداً وانحطاط خُلقٍ في العالم اجمع . ولم يأت هذا التصنيف للعراق ،تحت ظل حكومات احزاب الإسلام السياسي وساستها المسبحين المحوقلين ما بين غمضة عين وانتباهتها، لم يأت عبثاً ، بل استند إلى وفرة الموارد الطبيعية والإمكانات البشرية في كل المجالات التي يتمتع بها العراق مقارنة بأية دولة فاسدة اخرى.
وِجهة النظر هذه تتعلق بالبرلمان العراقي العتيد بشكل خاص وبما يسمى بمجالس المحافظات " المنتخبة " ايضاَ . وتنطلق وجهة النظر هذه ايضاً من المعطيات التي وفرتها هذه المؤسسات ومعظم منتسبيها الذين استندت منظمات الأمم المتحدة على تصرفاتهم اللصوصية في وضع تقييمها لمؤسساتهم هذه.
المفروض بمن يرشح نفسه للحصول على مقعد برلماني او عضوية مجلس محافظة ان ينطلق من رغبته في تبوأ هذا المقعد من اجل خدمة الناس والإهتمام بمصالحهم ومتابعة الإصلاحات في المنطقة التي يمثل سكانها والذين " انتخبوه " لهذا الغرض . وما عاشه " الناخبون " لحد الآن وما تبلور على الشارع العراقي والمنظور في الواقع المعاش بين الجماهير ، خاصة الكادحة والفقيرة منها ، لم يعكس هذه التوجهات ولم يقترب منها حتى قيد انملة . واسباب ذلك كثيرة جداً قد لا يتسع المقال لذكرها وتعدادها ، إلا ان اهمها الذي يراه حتى ذلك الأعمى الذي نظر إلى ادب المتنبي يتلخص بكلمة واحدة اسمها الفساد . فساد الغالبية من منتسبي البرلمان العراقي ومجالس محافظات العراق . الفساد في كل شيئ والمستند على ارضية الفساد المالي والإداري بشكل اساسي ، حيث لا يمكن ان ينمو نبتاً طيباً على ارض كهذه .
إن كل ذلك يعني اولاً واخيراً ان مثل هؤلاء من السيدات والسادة الذين تبوأوا هذه المراكز ، التي صارت مراكز قيادية في الدولة تدر الأموال الطائلة وقد أدت بالفعل إلى التراكم الرأسمالي الفاحش ، لم يفكروا في يوم من الأيام بما يعنيه هذا المركز من تقديم الخدمات للجماهير ، بل انهم رشحوا انفسهم عبر احزابهم الدينية ، بعد ان عمل بعضهم على كي الجباه وتسريح اللحى او وضع الحجاب وتزيين الأصلبع بالمحابس الفضية وبدء الأحاديث بالبسملة الطويلة ، لكي يحول المال العام إلى خزائنه الخاصة او يحيله إلى عقارات داخل وخارج العراق ، حتى اصبحت لصوصية المسؤولين في عهد الإسلاميين في العراق مضرب الأمثال ليس محلياً فقط ، بل عالمياً ايضاً . وهذا يعني ان المصلحة العامة اصبحت في طي النسيان ولم يكن الزعم بالدفاع عن حقوق الناس وإدخال الإصلاحات في مناطقهم سوى إدعاءات كاذبة ولم تكن وعودهم التي وعدوا بها مَن ينتخبهم بالأراضي ودور السكن والمدارس والشوارع والكهرباء والوظائف والمنشآت الصحية وكل ما اعلنوه في حملاتهم الإنتخابية، سوى افتراءات سمجة لا اساس لها من الصحة واحتيال مقصود.
ولكي تصبح هذه المواقع في مجالس المحافظات العراقية وفي مجلس النواب العراقي مواقع لممثلي الشعب الصادقين بتوجهاتهم للدفاع عن مصالح الشعب وليس لملئ الجيب او خزينة الحزب ، ولعكس آراء ناخبيهم في تحقيق الإصلاحات وانتشال مناطقهم من التخلف والإنحطاط ، يصبح من الأفضل طرحها لمن يريد إشغالها دون اية مكاسب مادية او اية منافع اخرى تتعلق بهذه المناصب ، بل يكون العمل فيها طوعياً يخضع لضوابط معينة. اي ان الذين يرغبون باشغال هذه المناصب حقاً يشغلونها لإنجاز مهمة وطنية حقاً وليس للكسب المادي او الموقع الإجتماعي . ولغرض تنظيم هذه المهمة التي ستكون وطنية شعبية طوعية اكثر مما هي مهمة رسمية حكومية ابتزازية ينبغي وضع بعض التعليمات الخاصة بتفعيلها عملياً بحيث تصبح هذه التعليمات امراً معروفاً مسبقاً لكل مَن يريد العمل في مجالس المحافظات او في المجلس النيابي.
من اهم هذه التعليمات هي مسألة تحديد الراتب الذي يتقاضاه عضو البرلمان او عضو مجلس المحافظة. وهنا يجب الأخذ بنظر الإعتبار ماهية الفائز بمقعد في احدى هاتين المؤسستين ، مجلس النواب او مجلس المحافظة. فإن كان هذا الفائز موظفاً حكومياً فيجب هنا اجازته من وظيفته طيلة المدة التي يعمل فيها في موقعه الجديد على ان يكون حقه مضموناً في الرجوع إلى وظيفته بعد انتهاء مهمته الإنتخابية . ويستمر على تناول نفس راتبه الوظيفي مع بعض المخصصات الإضافية التي سنتطرق لها لاحقاً. اما غير الموظف والمُنتَخَب لإشغال منصباً في احدى هاتين المؤسستين فيؤخذ بنظر الإعتبار مردوده الشهري او السنوي قبل انتخابه بحيث يتحدد راتبه على هذا الأساس . اما مَن لم يكن له مردود ثابت فينبغي دراسة تحديد راتبه ضمن ضوابط تتعلق بعمره ودرجة تعليمه وما يختزنه من خبرة وتجارب في هذا العمل ، على ان لا يزيد راتبه عن راتب اقرانه في المؤسسة التي يعمل بها . طبعاً يتم كل ذلك عبر تعليمات وضوابط لحمتها وسداها منع الإثراء الفاحش من خلال إشغال هذه المواقع والقضاء على الفساد الإداري والمالي من خلال جعل العمل عمل تطوعي فعلاً . اما ما يتعلق بالمخصصات الأخرى فإنها يجب ان تتركز على النقل والسكن فقط . اي عدم السماح بوجود اية امتيازات جانبية اخرى كالحمايات او السيارات او الإيفادات والسفرات وغير ذلك من وسائل اللصوصية التي يمارسها اغلب المنتسبين إلى هذه المؤسسات منذ عام 2003 ولحد الآن . اي ان المنتسب إلى احد هذين المجلسين والذي يكون سكنه الأصلي خارج مقر المؤسسة التي سيعمل فيها ، يُخير بين استلام مخصصات سفر بين محل سكنه ومحل عمله الجديد ، او يستلم مخصصات سكن للفترة التي يعمل فيها في موقعه الجديد . ومن الطبيعي ان يخضع تحديد هذه المخصصات بنسبة لا تتجاوز الراتب الذي يتقاضاه هذا النائب او عضو مجلس المحافظة ذاك. وفي الوقت الذي يجب فيه وضع ضوابط معينة لكل ذلك وعلى شكل قوانين إلزامية ، يجري في نفس الوقت إلغاء كافة القوانين السابقة الأخرى المتعلقة بالعمل في مثل هذه المؤسسات والتي شكلت الأسس اللااخلاقية لعمل معظم المنتسبين اليها.
اما النقطة المهمة الأخرى التي يجب ان تعالج فتتعلق بمسألة التقاعد الذي يتقاضاه العامل في هذه المؤسسات بعد انتهاء عمله فيها . من الطبيعي يجب ان يخضع النائب او عضو مجلس المحافظة إلى تعاليم الصندوق التقاعدي من خلال دفع ما يترتب عليه من استحقاقات تقاعدية تتناسب والراتب الذي يتقاضاه . فالبنسبة للموظف يجب ان تُضاف الإستقطاعات التقاعدية الجديدة إلى الإستقطاعات السابقة لكي تساهم في تحديد تقاعده في المستقبل . اما غير الموظفين فيخَيَرون بين استمرارهم على دفع ما ترتب عليهم من استحقاقات تقاعدية حتى بعد تركهم العمل في هذه المؤسسات لكي يتقاضوا راتباً تقاعدياً عند بلوغهم السن القانوني للتقاعد يتناسب ومدفوعاتهم لصندوق التقاعد ، او تُعاد لهم المبالغ التي دفعوها لصندوق التقاعد ويستلمونها نقداً حال انتهاء عملهم في احدى هاتين المؤسستين .
إن الغرض الأساسي من ابداء وجهة النظر هذه يصب في منع التلاعب باموال الدولة من خلال العمل في مثل هذه المواقع الذي هو عمل من اجل الشعب لا من اجل الجيب او خزينة الحزب ، كما مارسه رواد الأحزاب ألإسلامية وغير الإسلامية الحاكمة منذ سقوط البعثفاشية المقيتة وحتى يومنا هذا. ومثل هذا العمل يجب ان يتم بالرغبة الصادقة لتحقيق الهدف الأساسي منه والمتمثل بالعمل على الإصلاح وتوفير الخدمات للناخبين ومساعدتهم على تحسين ظروف حياتهم . ومن الطبيعي ايضاً ان توضع التعليمات والإجراءات والقوانين الكافية لتحقيق هذا الهدف الوطني بالحفاظ على ثروات البلد ، وتُلغى على هذا الأساس كل القوانين والإجراءات والتعليمات السابقة التي وضعها لصوص العملية السياسية للعمل في هذه المؤسسات التي يجب ان تكون مؤسسات عمل طوعية، شعبية لا حكومية.
اما ما يتعلق بما يسمى الحصانة البرلمانية فيجب ان يُنظم بقانون جديد يأخذ الأوضاع السائدة في العراق بنظر الإعتبار والتي خلقتها احزاب المحاصصات الدينية والقومية العنصرية وكل ما ترتب عليها من انتماءات عشائرية ومناطقية ومذهبية وقومية شوفينية وكل الإنتماءات الأخرى التي ابعدت الإنتماء العراقي الوطني عن الساحة السياسية ، بحيث يجري ضمان هذه الحصانة طالما تعلق الأمر بالعمل الوطني البحت وليس الشخصي او الحزبي . كما ويجب ان يؤخذ بنظر الإعتبار وضمن قوانين خاصة عدم السماح بإفلات المقصرين في اعمالهم في هذه المؤسسات من الملاحقة القانونية والعقوبة القضائية في اية مرحلة من مراحل عملهم.
سيكون من المفيد جداً لو جرى مناقشة وجهة النظر هذه ، إذ ربما ستكون حقيقة واقعة يوما ما يستطيع من خلالها العراقيون الشرفاء التوجه لخدمة هذا الشعب الذي تتجه مسيرته نحو الهاوية التي يقود اليها الإسلام السياسي بكل احزابه الفاشلة وكل مؤيديه من القوميين الشوفينيين ورواد الفكر المتخلف .