المنبرالحر

إبريق الشاي الأمريكي / محمد شريف أبو ميسم

جاءت نهاية أزمة تمويل الحكومة الأمريكية التي صنعها الساسة الأمريكان، ودفعوا بها الى حافة الهاوية، مثل نهايات أفلام هوليود التي يأتي بها البطل في اللحظات الأخيرة لينقذ الموقف من الانهيار. فبعد أسابيع من القلق والتوتر في أسواق المال العالمية (التي أفضت الى انخفاضات في أسعار صرف الدولار أمام العملات العالمية، وسحب اعتمادات واستثمارات مالية في أسواق دون أخرى، وتذبذبات في أسواق النفط، والمعادن، والمواد الغذائية، والسلع المختلفة) توصل مجلسا الشيوخ والنواب في الكونغرس الأمريكي إلى مشروع قانون حول الإنفاق بعدما تخ?ى الجمهوريون عن إصرارهم دون أية نتيجة معلنة فيما يتعلق بقانون الرعاية الصحية الذي نجم عنه الخلاف بوصفه قانونا يؤسس لنهج اقتصاد الدولة كما ادعى الجمهوريون، وعلق الأمر لغاية السابع من شباط المقبل فيما يتعلق باقرار الموازنة، بما يؤكد أن الطرفين ينتظران نتائج أمر ما..!
وقد أشرنا في مقال سابق إلى أن الأيام المقبلة ستكشف لنا مدى صحة ما ذهبنا اليه بشأن زيادة الضغط على أوباما ومساومته على برنامجه الصحي مع اجراء بعض التعديلات بما يرضي الجمهوريين مقابل التخلي عن التقارب مع ايران.. وها هي نتائج الضغط الذي مارسه «حزب الشاي» داخل الجمهوريين تتبلور الى مهلة بانتظار ما ستفضي اليه المفاوضات مع الجانب الايراني الذي طالب بسرية ما يدور في غرف المفاوضات «بحسب تسريبات صحفية» خشية ردات فعل الراديكاليين الإيرانيين.. وعلى هذا فان الاقتصاد العالمي بات مصادرا وبامتياز لصالح حفنة من الساسة الذ?ن تحركهم أموال الشركات العابرة للقارات والمصالح الطبقية (بوصفهم طبقة رأسمالية ذات مصالح مشتركة) والمصالح العرقية للمهيمنين على هذه الشركات، بعد أن رهنت الاقتصاديات العالمية في فعاليات الاقتصاد الأمريكي، وبات من الواضح ان حزب الشاي (هو مظلة لتحالفات تجمعها نقطة واحدة متمثلة بتعديل مسار سياسة الرئيس الخارجية وتحديدا منها ما يتعلق بأمن اسرائيل) وعلى هذا الأساس جاء تصريح الرئيس الأمريكي «إن أمريكا لن تتخلى عن أمن اسرائيل مطلقا» على اثر إعاقة تمرير برنامجه المتمثل بالضمان الصحي لـ40 مليون أمريكي عبر تعطيل اقرا? الموازنة ليعطي اشارة واضحة الى ان التعطيل جاء بسبب التقارب مع ايران.
ان من يسمونهم بحزب الشاي الذين ظهرت حركتهم في 2009 يجتمعون على نقاط عدة أبرزها كما يعلنون «خطط إنقاذ الاقتصاد»! ولكنها في الواقع التلويح بالاقتصاد لقطع الطريق على باراك أوباما في سياسته الخارجية التي قد تنزلق الى خارج مسارات الأمن الاسرائيلي، والتأسيس لحروب الدفاع عن اسرائيل، فها هي ساره بالين وهي أحد أبرز أعضاء حزب الشاي ومرشحة جون ماكين لمنصب نائب الرئيس حين خاض الانتخابات الرئاسية تقول في تسجيل بأحد الكنائس «إن الحروب التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية حروب مقدسة بأمر إلهي».. وعرف مايكل جونز أحد مؤسسي الحزب وهو يميني متطرف وأحد أبرز المتحدثين باسمه، عرف بعدائه المستميت للشيوعية.. فيما أكدت صحيفة الأوبزيرفر البريطانية ان الحاخام شيفرن وهو مرشح الجمهوريين عن ولاية كاليفورنيا دعي من?قبل رابطة حزب الشاي في لندن بشأن «قوانين الشريعة الإسلامية»، والبحث في طرق تمويل نشاطات المنظمات التي تسعى إلى مواجهة «أسلمة المجتمعات الأوروبية».. اذ انشغلت أجندة حركة الشاي وشغلت الرأي العام الغربي بمشروع مناهضة الإسلام ووقف «الأسلمة»، حيث كشفت الأوبزيرفر البريطانية عن علاقات وطيدة بين «رابطة الدفاع الإنجليزية» في المملكة المتحدة وحركة الشاي، ومنظمات متطرفة أخرى عبر حلقة الوصل باميلا غيلر وهي رئيسة منظمة «أوقفوا أسلمة أميركا» التي كان لها دور بارز في إشعال حمى الاحتجاجات على بناء مسجد قرب موقع برجي التجارة في منهاتن بنيويورك.
وعلى هذا فان حزب أو حركة الشاي التي لا تشبه الأحزاب والحركات السياسية العالمية لا من حيث التنظيم ولا من حيث التمويل، منشغلة بأمر التطرف السياسي أكثر من انشغالاتها بشأن الاقتصاد والحد من جباية الضرائب وخفض الرسوم الكمركية وتشجيع الاستثمارات كما تدعي.. ويبدو لنا ان النظام الاقتصادي العالمي الذي صودر لصالح رأس المال الأمريكي العابر للقارات، تمخض عنه إبريق شاي ساخن على حافة طاولة البيت الأبيض التي يتصدرها الرئيس الأمريكي كل صباح، يحتسي منه الرئيس ما يشاء هو وفريقه، وينسكب عليه ساخنا اذا تحرك دون مراعاة لذلك الابريق.