المنبرالحر

مسارات التنمية البديلة للخروج من الازمة / ترجمة واعداد :حازم كويي

هناك عدة عوامل مجتمعة ،متحركة تعمل على اجراء تغييرات سياسية وهي:
انكماش الاقتصاد وفقدان ثقة المجتمع بالمؤسسات وتضامن المجتمع المتعدد ضد ايدولوجية المتربعين على السلطة ،اضافة الى الانقسامات التي تحصل عند الطبقات المسيطرة.
هذه التحديات بمجموعها غير قابلة للجدل امام حركة التطور الاجتماعي، الايكولوجي، الديمقراطي، التي تتجه عكس السياسة المُسيطَرة من قبل الليبرالية الجديدة.
ومن هنا تكمن مهمة قوى اليسار للقيام بعملية التغييرالذي ينشده المجتمع بأتجاه ديمقراطي اجتماعي تخلصاً من الاوضاع المزرية ومن اجل اسقاط نخبة الاقلية الُمسيطرة.
أثناء الازمة الاقتصادية الكبيرة في اميركا عام 1932، استغل الحزب الديمقراطي الاحباط الاقتصادي، التحول الكبير لدور الدولة السياسي في تاريخ اميركا، لتحقيق غرضه، لم يحدث هذا كون الحزب الديمقراطي كان مثالياً في قيادة هذه المهمة، ولم تكن الادوات الاخرى موجودة لذلك، لهذا لم يكن طموح الحزب الديمقراطي في الثلاثينات استعمال هذه الادوات من اجل الثورة، فهو لم يكن المخطط والمولِد لذلك.
الفساد الاخلاقي والتنظيم اللاديمقراطي هو الذي قاد الولايات المتحدة الاميركية ومن خلال الحزبين المسيطرين لهذا الطريق، اضافة للنقص الحاصل في وجود البديل.
حالياً فأن الاحزاب الالمانية المختلفة ومنها حزب اليسار، الذي تشَكل عام 2007، يتحرك لكسب اصوات الناخبين، لكن الحصول على الاغلبية لتغيير الاتجاهات السياسية لايمكن ان يحصل بشكل اتوماتيكي، انما بالوعي، فالكثير من المواطنات والمواطنين، الكثير من المبادرات والحركات الاجتماعية اصبحت نشطة، فالتأريخ في حركة، لكن التأريخ يحتاج ايضا الى قوى محركة.
الليبرالية الجديدة لها امكانياتها الكبيرة في الدعاية الناجحة ، وعلى قوى اليسار ان تتجاوز الطرق القديمة المحافظة، ففي المانيا لايمكن ان تحسب ان جميع قوى الطبقة العاملة هي الى جانب اليسار، فهناك من يقف الى جانب المحافظين، عندما تؤثر التأكيدات النفسية ومن خلال الدعاية الاعلامية على اولوية العمل للالمان.
الليبراليون الجُدد يؤكدون علناً على سياسة الخصخصة ومنذ اكثر من 20 عاماً، و المتمثلةِ في مشروع هائل للتوزيع غير العادل للثروات وطمع الطبقات الثرية باشباع النمو المتزايد لثرواتهم، والتي تعمل لهدف يتمثل في تغيير العلاقات الاقتصادية وتركيبة الدولة من خلال ضغوط وقواعد ديناميكية لمجتمع آخر، نحو سوق مالي ليبرالي رأسمالي، يخدم مصالح رأس المال المصرفي.
فسياسة مستشار المانيا السابق شرودر ورئيس وزراء بريطانيا الاسبق توني بلير وبوعودهم الفارغة، عن توفير فرص عمل وباجور اقل، ومن خلال التأهيل الضعيف، التي ادت الى انخفاض الاجور من 16في المائة - 25في المائة والذي يعادل مستوى الاجور في الولايات المتحدة.
وبنظرة سريعة الى ايام حصول الازمة المالية عام 1929 - 1933كان دخل الاغنياء في امريكا آنذاك يمثل 1في المائة من مجموع سكان البلد.
اواسط الستينات وصلت النسبة الى 20في المائة، وتصاعدت الى 45في المائة بالتعاقب مع سياسة الليبرالية الجديدة.
ومع تطورات هذه السياسة الجديدة يتوجب التعلم بوضع سياسة تعمل على تأسيس قاعدة اجتماعية للحفاظ على بقائها كتركيبة طبقية، كي لاتسمح لنفسها بالتراجع للوراء ولاجل بقائها مستقرة من خلال تغيير علاقات الملكية وبأتجاه فاعل وتمثيلها ثقافة هذه الطبقة باستراتيجية حياة اجتماعية يجري فيها تقسيم الثروة بعدالة نوعية، اكثر من ان تكون كمية.، تستلهم فيها افكار الثورة الفرنسية عام 1789 والتي تترجم في عصرنا بالحرية المتساوية للجميع والمرتبطة بحصول ُكل فرد على حقهِ وجُهده المبذول.
وتقع على عاتق اليسار المسؤولية وعلى كافة المستويات في قضية التوزيع العادل للثروات وبطرح السؤال علناً :كيف تسرق سياسة العولمة الليبرالية الجديدة كل ما يتعلق بالفرد في المجتمع وتضعه في مخاطر امام اجهزة الدولة، فأزدادت عوامل الكراهية وبالاخص ضد الاجانب والامثلة واضحة على ذلك في فرنسا وايطاليا، التي تنمو فيها النزعة القومية العنصرية.
وهنا يستطيع اليسار وبخبرته ان يلعب دوراً في النجاح بالانتخابات في اماكن الدعاية من اجل انتشال الناس من الفقر ومايتعلق بأزمة التأهيل وحالات الطوارئ الاجتماعية وفي مجال التأمين الصحي وتوفير السكن اللائق، تحتاج فيها الى تكوين مجموعات تطالب بالحقوق المشروعة وتمويلها مادياً من اجل تحقيق فرص افضل لهذه الطبقات المسحوقة.
وهذا وحده لايكفي، فسياسة اليسار يجب ان تكون موضع ثقة، دون ان تبني لها امتيازات سواءا على الصعيد الاجتماعي اوالسياسي او الثقافي، وان تنظر لنفسها وهي في وسط المكان والى كافة الاتجاهات بشكل متساوٍ ومن موضع الاحترام.
بعد انهيار النظام الاشتراكي فأن التحديث الذي حصل تمثل في الخصخصة وتهديم القواعد الاجتماعية الاساسية وتخفيض الضرائب على الطبقات الثرية، وتقلص دور الدولة في السيطرة على مرافق اقتصادية عديدة، التي تركزت بأيادي مجموعة من الذين يملكون الاموال الضخمة، مدعية انها تُحرك السوق وتخلق وظائف جديدة وحياة معيشية افضل، حتى يُقال عنها، ان الرأسمالية تعمل بشكل جيد.
وبإلقاء نظرة على السنوات العشرين الاخيرة اظهرت فشل هذه المزاعم، لوجود مجموعتين متعارضتين.
الاولى المتمثلة بدول الانكلو ساكسونيا (انكلترا واميركا والمانيا)، السائرة على هذه النهج.
والثانية التي تمثل الدول الاسكندنافية التي نجحت بتطوير بديل عن الليبرالية الجديدة وبنمو في الناتج الاجمالي والاجور والتوسع في رفاه الحياة الاجتماعية، وتعتبر السويد في هذا المجال في المركز الاول عالمياُ من ناحية المساعدة الانسانية، وهذا ناتج عن التطور في المجال الصحي والتأهيل الوظيفي والاجتماعي، وتقع المانيا في المركز السادس، بريطانيا في المركز (15) معدل الفقر فيها مضاعفاُ بالمقارنة مع السويد.
ورغم التطور الاقتصادي في بلدان الانكلو ساكسونيا، لكن الفرق كبير بالمقارنة مع الدول الاسكندنافية في المجال الاجتماعي والايكولوجي، حيث مجموع العاطلين والفقر اقل قياساً لامريكا وانكلترا.
ورغم العولمة والليبرالية الجديدة، فأن الدول الاسكندنافية لاتتشابه مع اميركا وبريطانيا بما يخص ارتفاع معدلات النمو في الناتج الاجمالي فهي في نفس الوقت افضل موديل في القياسات من ناحية المساواة الاجتماعية والاستدامة الايكولوجية والمساواة بين الجنسين اضافة الى التربية والتعليم المشمولة للجميع، اي وجود المقومات لحياة الرفاه الاجتماعي.
ولم يعد الوضع مفضلاً في المانيا وخاصة بعد تولي غيرهارد شرودر مستشاراً لالمانيا عام 2005 فأتجه نحو الخصخصة وتقليص الرواتب والاجور.
في السنوات العشرين هذه تبين ان فكرة المساواة والحرية والتحديث ومن منظور حكومة المانيا لم يكن سوى المزيد من الثراء لفئة قليلة امام فقر الاكثرية.
المستقبل مرهون فقط بالتعددية فلايمكن الرجوع للوراء، بل النظر الى امام، رغم ادعاءات الاتحاد الاوربي ان مستقبل التطور مفتوح الا أنه غير محبب، فالمواطن يستطيع الانتخاب بطريقة ليست دكتاتورية كاملة ومتسقة نسبياً، الا ان الاقوياء يحاصرون الضعفاء بمواقف وحالات وضيعة ويمكن النظر الى ذلك في القواميس الماركسية وفرضيات انطونيو غرامشي كما يشير الى ذلك فولفغانغ فرتز هاووك........(التشكيلة الطبقية وبفضل انتاجها التاريخي ومن خلال السلطة الاقتصادية السياسية للدولة وتوسعها والمؤدية الى تحريك المجتمع الى الامام ليس فقط ااشباع حاجاتها الضرورية بل في قيادتها المستمرة للانتاج الصناعي الجديد في مجالات العمل المتوسعة)......
والسيناريوات عديدة للتطورات في الاتحاد الاوربي، التي يجري العمل بها، واحدة منها تزعم ان المستقبل مفتوح لكنه غير مربح والفرد له حرية في الانتخاب، حصته محدودة من الوليمة التي يسيطر عليها اولئك الذين يتربعون العرش بالكامل.فالاقوياء يضعون الحواجز ومحاولات مسح الضعفاء دون الحصول على المنافع العامة.
فهل توجد امكانية لتحقيق التحدي للوقوف امام هيمنة الليبرالية الجديدة وسوق رأس المال؟ وماهي امكانيات اليسار امام وباء العولمة الرأسمالية التي تعمل على هدم مقومات المجتمع المتسارعة وكيفية تسريع المواطنة المجتمعية وانقاذهم من المجهول؟ هل بتكوين مجموعات اجتماعية تفتح الطريق لاعادة بناء اقتصاد مخطط، من خلال مشاريع تنقذ الطبقات السفلى وبمن فيها شرائح من الطبقة الوسطى، التي تواجه خطر فقدان مستقبلها، وربط هذه المجموعات تضامنيا لعولمة اخرى تتضمن العدالة الاجتماعية لمرحلة التخلص من الليبرالية الجديدة المتسلطة وتقليص الخصخصة باتجاه ديمقراطية جادة وبمساهمة مجتمعية؟
واذا جرى العمل بهذا الاتجاه المُوصلِ الى طريق السلم الاجتماعي وتوفير فرص العمل بتشكيل منظومة مهمة من مشاريع اجتماعية جادة تعمل على توسيع عقول عديدة منها ايكولوجية، صحية وثقافية، تفتح الابواب من خلالها للمزيد من الحرية في الحياة وللتعددية الاجتماعية بأتجاه التغيير واساسا للتجديد والديناميكية للتطور الاقتصادي المؤدي الى التكامل الاجتماعي مع الحفاظ على البيئة.
توجد اعترضات على هكذا تقديرات منها، ان السوق ستكون مقيدة وان السياسة البديلة ستقود الى القليل من رفاهية الحياة. وهذا تصور خاطئ.
ففي تقرير كتبه اقتصاديون من مؤسسة فردريش ايبرت عن موديل (نموذج) متطور للنمو الاقتصادي والتي تستند على اربعة أجراءات مركزية :
اولها، مايتعلق بتصاعد الانتاجية الاجتماعية من خلال الاستثمار عن طريق التأهيل المتعدد المستويات وليس فقط منذ الطفولة المبكرة وانما التعلم طوال عمرمعيشة الانسان، والامر يتعلق هنا بالاستثمار الاجتماعي في مجال القدرة الانسانية في المجتمع.
ثانيها، اشغال وتوسيع نطاق العاملين رجالا ونساءا، والاتفاق على تأمين الاسرة وبالعمل سوية، الذي سيؤدي الى توسيع مجالات الحياة وبما يتعلق بالتأهيل والصحة والاهتمام بالرعاية...الخ وبالاخص في المجالات الانسانية واساساً العنصر النسوي.
ثالثها، تقوية الطلب المحلي وتصنيع الدول المتخلفة على قاعدة طلباتها وامكانية توفير استهلاكها الشعبي.
اخيرا، توفير الشروط لرواتب عادلة من خلال توزيع عادل للثروات وتحت شروط متطابقة مع متطلبات السوق المحلية، ويتطلب ذلك رفع حصص الرواتب وخاصة لذوي الدخل المحدود، فالربح التصاعدي لهؤلاء تكون نتائجه ايجابية من الناحية الاجتماعية وتشكيلته الشخصية.
ويمكن توضيح كل ذلك من خلال :
مراقبة حركة رؤوس الاموال، رقابة نظام البنوك، سيطرة وتحديد مضاربات وصفقات السوق المالية، تأمين الضمان الاجتماعي العالمي من خلال رفع المستوى الاجتماعي وعلى مقاسات التطور الحاصل، الرقابة العامة للاستثمارات الاجتماعية الايكولوجية، الحد او تهديم عدم المساواة في العلاقات التجارية، الدعم الطويل والشامل للتحولات الاجتماعية الايكولوجية للعالم الثالث وهذا مايسمى بالاقتصاد المختلط التضامني.
هذه هي وجهة نظر اليسار لمجتمع تضامني لايجري فيها مس ملكية المجتمع وعدم السماح بتوفير المجال لعلاقات سيطرة الاغنياء والتخلص من الازمات التي نعيشها واسبابها وهي ازمة السوق المالي الراسمالي من خلال التوزيع العادل على المجالات ذات الصالح العام.
• تأميم وأعادة تاميم من خلال مبدأ السيطرة الديمقراطية على مصادر الطاقة الايكولوجية ووضعها في خدمة وتطوير البناء التحتي للدولة.
• اعادة تشكيل النظام الضريبي ووضعه في خدمة المجالات العلمية والتأهيل والخدمات الانسانية بكل اشكالها.
• بناء وصيانة وتجديد السلامة الاجتماعية في مجالاتها الصحية ورعاية المسنين ومراكز التضامن الاجتماعي.
• تقوية وتوسيع دور الامم المتحدة العالمي في مجال تخفيض ترسانات السلاح وبناء الاشكال السلمية في فض النزاعات العسكرية والتخلص من دوامة الحروب المستمرة في العالم.
ويمكن هنا حاليا استغلال الازمة الرأسمالية في اوربا في اعادة البناء الاجتماعي والايكولوجي بأتجاه ديمقراطي لمجتمع حر يشترط التطور الحر لكل فرد على الكرة الارضية من أجل بقائها لمستقبل آمن وشرط اساسي لاشتراكية القرن الحادي والعشرين.