المنبرالحر

ابن نوري السعيد / ابراهيم الخياط

قاضي قضاة بغداد كان يسير في دروب البساتين مع شهوده العدول عندما مرّ بزق نبيذ مكسور فامتعض أحد الشهود من رائحته، مما حدا بالقاضي أن يقيله موضحا له أن الخمر لم يحرّم لرائحته بل لأنه مسكر، فلا أطيب من نكهته وطعمه.
هذه اللقطة التاريخية أتذكرها كلما مرّ ذكر نوري السعيد. فالرجل ـ وحاشاه ـ ليس من عيب في تربيته أو شخصيته أو خلائقه أو أريحيته، ولكنه ربط العراق بأحلاف عسكرية وعادى الوطنيين وقمع الحريات وحرم الفقراء من خيرات عراقهم وزوّر الانتخابات واستحوذ على الحكومة لمرات مع حجزه لمقعدي الدفاع والداخلية، فحق عليه القول وحقت عليه ثورة 14 تموز.
وشاشة تاريخ العراق تعرض لنا صورتين. فمرة راهن نجله الطيار صباح زميلا أمريكيا له كان يستخف بقدرات الطيارين العراقيين، فعزم على إثبات بطلان ادعائه مقررا أنه سيدع بغداد (تنرج) لما يفعل.
حلق صباح فوق الاعظمية ثم انخفض بطائرته مع انحدار دجلة، ولما وصل جسر الشهداء (وكان اسمه المأمون) انذهل البغداديون واندهشوا وانذعروا لمرأى الطائرة المارة على رؤوسهم، ولما بلغ نقطة الهبوط المستقيمة التي حدد مسافتها مسبقا، سار بطائرته الامريكية على مستوى الماء ليعبر بين ركيزتين من تحت جسر الاحرار (وكان اسمه يومها الملك علي).
ووثق المصور المعروف (ارشاك) ما حدث بدقة وسرعة متناهية. ومن فرحته ركض الى الاستوديو وحمّض الصور وسحبها على عجالة ليذهب بها الى مجلس الوزراء، ظنا منه أنه سيحصل على مكافأة من (الباشا نوري السعيد) تتناسب مع الصور النادرة للابن البطل، ولكن الباشا استشاط غضبا وقصفه بـ (رزالة) محترمة، وأراد ـ أيضا ـ أن يضربه. ويقول المؤرخ عبد الرزاق الحسني: "أنا ووصفي طاهر بالكوة خلصناه من ايد الباشا". ورفضا لرعونة ابنه، أبرق الباشا قرارا الى مدرسة الطيران بمنع الكابتن (صباح نوري السعيد) من الطيران.
ومن شاشة تاريخ العراق تظهر الصورة الثانية حين يطل الرئيس المالكي علينا من فضائية "السومرية" وهو يتحدث عن ابنه (أحمد)، وعن قيامه بما لم تستطعه القوات الامنية بعدتها وعديدها وجحافلها وسواتها.
فنصفن وتأخذنا الصفنات، لأننا بعد أن كنا ننتظر أمر رئيس الوزراء برفع صوره الكبيرة من الدوائر والسيطرات، بتنا نتوقع بعد حديث السومرية أن تعلق الحكومة صورة أحمد جنب صورة أبيه في الساحات والشوارع. ومكانك خالٍ يا (أرشاك)، فهذا يومك.