المنبرالحر

مائة عام على ثورة إكتوبر .. هل من صلة بعالمنا اليوم؟ / بقلم: توم كرين / ترجمة: قحطان المعموري

يصادف هذا العام الذكرى المئوية للثورة الروسية، التي هي نقطة تحول حاسمة في تاريخ العالم، حيث أقامت الطبقة العاملة ولأول مرة نظام حكمها الديمقراطي من خلال «السوفيتات»، وهي مجالس العمال والجنود والفلاحين. لقد كان هدفهم هو استئصال الاضطهاد الإقطاعي والرأسمالي، ومن ثم المساعدة على إرساء أسس نظام اشتراكي عالمي مبني على المساواة.
بدأت الثورة في شباط مع الإطاحة بالقيصر. بيد أن «الحكومة المؤقتة» المعتدلة التي أنشئت بعد ذلك لم تتخذ أي تدابير جادة لإصلاح الأراضي أو لإنهاء الحرب أو معالجة أي من القضايا المركزية الأخرى التي قامت من أجلها الثورة. وأدت الأزمة الحتمية إلى النمو السريع للحزب البلشفي الثوري المتجذر في أوساط الطبقة العاملة في المناطق الحضرية التي وُعِدت بـ «الخبز والسلام والأرض». وفي أكتوبر، تولى السوفييت بقيادة البلاشفة السلطة، لتبدأ المرحلة الثانية من الثورة.
لقد حافظت الحكومة الثورية على وعدها الذي قطعته «الخبز والسلام والأرض» من خلال الانسحاب من مسلخ الحرب العالمية الأولى، والسيطرة على البنوك وإعطاء الأرض للفلاحين. لقد كانت الحكومة الأكثر تقدما في التاريخ الحديث حيث شارك العمال من خلال مجالس السوفييت المنتخبة في صنع القرارات اليومية . فقد أعلنت، على سبيل المثال، عن هدفها المتمثل في تحرير المرأة واتخذت خطوات ملموسة عديدة في هذا الاتجاه رغم التحديات التي يطرحها تخلف البلد.
لم تكن قيادة الثورة، ولا سيما لينين ، ترى أن الثورة الروسية كانت بداية «الاشتراكية في بلد واحد» نظرا لمستوى التنمية الاقتصادية المنخفض في البلاد، بل كانت ترى إنها بمثابة بداية الإنفجار للثورة العالمية. ولم يكن الإعتقاد بأن الرأسمالية الغربية ستواجه الإنهيار بسبب الآثار الكارثية للحرب مجرد أضغاث أحلام.
في عام 1919 أطلق البلاشفة، الشيوعية الدولية (الكومنترن) لجمع الملايين من العمال والشباب سوية لدعم الثورة الروسية ورفض الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية التي خانت الطبقة العاملة من خلال دعمهم الحرب. ففي الولايات المتحدة، إنقسم الحزب الاشتراكي الذي له قاعدة كبيرة، بأغلبية تقرب من 70،000 عضو لدعم الكومنترن والذهاب لإنشاء الحزب الشيوعي.
لقد قامت الطبقة العاملة في عدد من البلدان وأهمها ألمانيا، بالعديد من الإضرابات ، على مدى السنوات القليلة التي أعقبت الثورة. ولم يؤد ذلك إلى اختراق حاسم آخر معاد للرأسمالية بسبب عدم وجود النموذج القيادي المجرّب والموثوق كالذي قدمه البلاشفة في روسيا. وفيما لوكان قد نجحت في ذلك، لكان من الممكن أن تتجنب البشرية الكثير من أهوال القرن العشرين، بما فيها وصول هتلر إلى السلطة، والمحرقة، والحرب العالمية الثانية، وما يجري اليوم في الشرق الأوسط، وربما قد نعيش في بدايات مجتمع اشتراكي عالمي.
لماذا نتحدث عن عام 1917 في عام 2017؟
ربما يتساءل المرء.. مالذي يجب عمله في القرن الحادي والعشرين، حيث المجتمع الامريكي الذي يختلف بشكل واسع عن المجتمع الروسي الذي كانت الغالبية العظمى لسكانه من الفلاحين المرتبطين بالأرض؟ الجواب بسيط جداً ، وهو الهيمنة المستمرة للرأسمالية.
وكما أظهر الزلزال السياسي الذي وقع في عام 2016،حيث فقد عشرات الملايين من الناس إيمانهم بالمؤسسات الرأسمالية، وأعربوا ـ الشباب على وجه الخصوص ـ عن دعمهم للاشتراكية وحشدوا الحملة التاريخية للمرشح الديمقراطي بيرني ساندرز الذي يصف نفسه بأنه ديمقراطي إشتراكي ويفضّل السياسات المشابهه للأحزاب االديمقراطية الإشتراكية في أووربا. ولكن في ظل غياب البديل اليساري في الانتخابات العامة فان الباب أصبح مفتوحاً أمام يمين شعبوي غريب قدّم نفسه كمدافع عن «الرجال والنساء المنسيين» وأدى الى هزيمة هيلاري كلينتون، مرشحة الحالة الراهنة.
يمكن القول بأن ترامب هو تجسيد حي للطبيعة الجشعة والمريضة لهذا النظام الاجتماعي الذي يحركه الربح والذي يهدد الحياة التي نعيشها على كوكبنا. وبعيداً عن المصداقية، تدعو فئة المليارديرات وساستها أالى تبنّي»الحرية» في حين تقوم ببناء دولة المراقبة والحذر إعتماداً على إدامة العنصرية المؤسساستية والتحيز الجنسي لإبقاء الطبقة العاملة «في مكانها» دون حراك.
يدعّي معارضو ثورة إكتوبر بأنها كانت انقلاباً وليس ثورة للجماهير، كما أن التجربة السوفياتية قد أثبتت أن الاقتصاد المخطط لا يمكن أن يعمل، إضافة الى أن هناك «طريقا وسطيا» للديمقراطية الليبرالية كان يمكن إتباعه والعمل به لولا البلاشفة وغيرها من الحجج البعيدة عن الواقع. إن ملخّص كلامهم من كل هذه الحجج هو أن الاشتراكية والشيوعية قد حاولت وفشلت .
في الماضي، كان للدعاية المناهضة للشيوعية التي تتبناها الطبقة الحاكمة تأثير حقيقي على أجزاء من الطبقة العاملة في الولايات المتحدة وذلك من خلال استخدامها الجوانب السلبية للأنظمة الستالينية في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية وفي وقت لاحق في آسيا، على نحو فعال لتسميم عقول الكثيرين ضد أي بديل للرأسمالية الذي يروجون له بأنه «أفضل الأنظمة الممكنة». في الولايات المتحدة، كانت معاداة الشيوعية مرتبطة «بالحلم الأمريكي» في أن الطبقة العاملة ستشهد مستوىً معيشياً زاهراً. كل هذا أدى بالبعض من اليسار إلى الأستنتاج بأنه من الأفضل تجنب الثورة الروسية قدر الإمكان. ربما كان ذلك مفهوما ولكن من المستحيل تجنب هذه الأسئلة في نهاية المطاف.
خلافا لما كان عليه الحال قبل 25 عاما، في أعقاب انهيار النظام السوفييتي، عندما تم الاعلان على أن «التاريخ قد انتهى» وأن «الديمقراطية الليبرالية» انتصرت، فإن الأمور تقف مختلفة جدا اليوم. الحلم الأمريكي ميت رسميا. الطبقة الحاكمة في موقف الدفاع، كما فقد نظامها ومؤسساتها المصداقية. إن الملايين اليوم يبحثون عن بديل لسياسة الشركات والكارتلات ولا يقبلون بإدعاءات الطبقة الحاكمة.
النظر إلى الوراء وإلى الأمام
إن ثورة 1917 كانت ولحد الآن ، المحاولة الأكثر شمولا لوضع حد دائم للظروف التي من شأنها الابقاء على ( إستنساخ ) دونالد ترامب. لهذا السبب وحده، فإنه هذا يتطلب اهتماما دقيقا من جميع حركات العمال والشباب التقدمية.
إن السؤال هو كما طرحه لينين منذ فترة طويلة: «ما العمل؟» .على الرغم من الإختلافات العديدة بين عام 1917 و يومنا هذا، إلا إنه يمكن القول بأن الإنسانية في حاجة إلى تغيير المسار والعودة الى الطريق الذي بدأه عمال بتروغراد قبل مائة عام..