المنبرالحر

من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ! / صادق محمد عبد الكريم الدبش

سائلة نفسي عن أُمُوْرٍ كَثِيْرَة ٍ !.. وما يجري اليوم في هذا البلد المتمرد الذي لا يعرف السكينة والهدوء .
كم نحتاج من الوقت والجهد كي نعيد لهذا الشعب وبلده العراق حتى يستعيد عافيته وألقه ، ولتدور على أرضه عجلة الحياة ، وتعود البسمة لأطفاله ، ويخلع الجميع اللون الأسود من النفوس والعقول ، قبل أن يخلعوه عن الأبدان وعن البيوت والمدن والقصبات !.. كم تعتقدون ؟.. ومتى ؟.. وكيف ؟
قلتها بالأمس !.. ونقولها اليوم !.. وسنستمر نرددها ونصر عليها ، حتى تستقيم الأمور ، ويعود الأمن والسلام والتعايش بين الجميع !
مشكلتنا !.. أَو الداء الذي أصاب الجسد العراقي ، ومنذ ما يزيد على العقد من السنين !.. هو [ غياب الدولة .. وغياب بنيتها والقيم التي تقوم عليها هذه الدولة ] .
وهي أُس المشاكل ، وكل شيئ بعدها يعتبر روافد تصب في حقيقة هذا الصرح العظيم ، والذي هو أعظم اكتشاف توصل إليه المجتمع الإنساني ، والأكثر تطورا لتنظيم الحياة بين الناس .
فغياب الدولة يعني !.. غياب العدالة !.. ويعني غياب التوزيع العادل للثروة !.. ويعني غياب الأمن !.. ويعني غياب المساوات والتعايش المشترك بين الناس !
ويعني غياب الحريات والحقوق والواجبات وتكافئ الفرص بين جميع الناس بغض النظر عن لونهم ودينهم او انتمائهم القومي وجنسهم وما يعتقدون !
وغيرها من الأُمور الضرورية والاساسية لقيام الدولة العادلة .
عندما نقول بأننا في زمن غياب الدولة !.. فهو ليس تجني أو إتهام ، أو لرمي الحاكمين بما ليس فيهم !.. لا أبدا ، فلدينا الشواهد على ما نقول ، وليس لدينا سابق معرفة برموز الحاكمين ، ولا يوجد خلاف شخصي أو عشائري نتنازعه معهم ، ولكن مدعاة كل ذلك هو غياب العدل والمساوات ، ومبدئ التعايش المشترك ، وبسبب التمييز في أُمور كثيرة تمس حياة الناس في مفاصل الحياة .
الخروج من عباءة ونهج الطائفية والتمييز بين مكونات شعبنا المختلفة ، والتي ما زالت هي السمة المميزة للنظام السياسي ، بالرغم من محاولات أنكار ذلك !!.. ومحاولات التبرؤ منه في العلن ، ولكنه يبقى كونه سلوك ونهج في التعامل مع الناس في الحياة اليومية !.. اذا كان في مؤسسات الدولة او في المجتمع ، وهذا يشكل خطر كبيرا وداهما على السلم المجتمعي وعلى تماسك المجتمع ، وعدم تجاوزه والإصرار عليه ، يعني تغييب متعمد للدولة العادلة !.. وهذا يحتاج الى خطوات حقيقية وصادقة وعملية .
المحاصصة بأشكالها المختلفة ، واعتبار الدولة ومؤسساتها غنيمة يتوجب تقاسمها بين قوى المحاصصة ، والإصرار عليه وتكريسه وبخلاف الدستور والعدل والقانون !..فيعني إلغاء للدولة العادلة !
وما يجري اليوم في مجلس النواب من محاولات فرض رؤى القوى المتنفذة ، في سعيهم بتعيين لأشخاص محسوبين على كتلهم واحزابهم ، ليكونوا أعضاء للمفوضية ( المستقلة للانتخابات ! ) .. وهي وسيلة أقل ما يقال عنها ، بأنها ممارسة غير ديمقراطية !.. ومحاولة لتسخير هذه المفوضية خدمة لمصالحهم في الانتخابات القادمة .
وتشريع قانون الانتخابات ، والذي فصل على مقاس هذه الكتل والحيتان الكبيرة ، والسعي لإعادة نفس الوجوه القديمة في الدورة الجديدة في الانتخابات القادمة !.. وهذا يعني غياب للدولة العادلة .
وهناك تفاصيل كثيرة تأشر على تغييب الدولة ، مثل احتكار المناصب العليا في الدولة لصالح هذه الأحزاب ، بالاستناد الى مبدئ المحاصصة ، ومعاير يضعوها هم ؟.. وليس وفق نظام يعمل على شغل الوظائف العامة في الدولة !.. بتفعيل الهيئة المستقلة ( مجلس الخدمة ) الذي من المفترض أن ينظم عملية التعيين والعمل في قطاعات الدولة المختلفة ، ووفق معايير يضعها هو دون غيره ، وبناء المؤسسة الأمنية بخلاف المواطنة وجعلها مؤسسة وطنية تضم الجميع ومن دون تمييز !
التضييق على الحريات والحقوق ، وعلى المرأة وسلب ارادتها ، وتحت ذرائع وحجج مختلفة ، ومحاولات أسلمة الدولة والمجتمع وبرؤيتهم التي تقوم على مفهوم الدولة الثيوقراطية ، وخاصة في المدارس بمختلف مراحل الدراسة ، وهذا يتناقض تماما مع الدولة المدنية ومع الديمقراطية وحقوق الناس في حرية الاختيار والتنوع الثقافي والديني والمعرفي .
الحنث بكل الوعود التي قطعتها الحكومة على نفسها ، بالقيام بإعادة بناء الدولة والقيام بالإصلاحات التي تطالب بها الملايين من أبناء شعبنا ومنذ ما يزيد على سنتين !
ما زال الفساد والمفسدين يعيثون في العراق الفساد !.. ولم تطالهم يد العدالة لليوم ، وعلى وجه الخصوص الفاسدين الكبار ، الذين سرقوا المليارات من الدولارات من المال العام ، ولم يتم تفعيل قانون من أين لك هذا ، والتقصي عن الثروات الطائلة التي قد دخلت الى جيوب الكثير من هؤلاء السارقين ، وما زال تجار السلاح والجريمة المنظمة ينشطون على الأرض العراقية ، وتجار المخدرات والتي أصبحت تشكل خطر كبيرا على المجتمع العراقي !
وما زال انتشار السلاح المنفلت !!.. والميليشيات المنتشرة في مدن العراق المختلفة ، والتي تشكل الخطر الأكبر على أمن وسلامة واستقرار المواطن العراقي ، وتهدد حياته ومستقبله ومستقبل عائلته ، ومن دون أن تتمكن الدولة من وضع حد لهذه المظاهر المتعارضة مع قيام دولة المواطنة و الغير حضارية !
وباعتبار الأمن والمحافظة عليه شرط أساسي من شروط الدولة الناجحة ، فلا وجود للدولة بغياب الأمن والمحافظة على حياة الناس وعلى ممتلكاتهم وصون أعراضهم وحرماتهم وعيشهم الكريم .
ومن واجبات الدولة ، وأساسيات مهماتها ، هو تحقيق العدالة والمساوات بين جميع مكونات شعبنا واطيافه المختلفة أمام الدستور والقانون ، وعدم التمييز بينهم ، وتحت أي ذريعة !
وما جرى بعد استفتاء الإقليم على الاستقلال ، والذي يعتبر مخالف للدستور وللنظام الاتحادي ، ولكنه نتيجة منطقية لغياب الدولة العادلة والديمقراطية ، والتي من المفترض أن تكون خيمة لكل العراقيين ، وجامع لهذه الفسيفساء المختلفة ، ومشاركة الجميع في رسم السياسة العامة للدولة ، وعدم هيمنة فئة أو طائفة او حزب على مقدرات الدولة ، وعن السياسات المختلفة السياسية والاقتصادية والخدمية وغيرها من الأمور ، وأن تعمل على حل المنازعات والخلافات وفق خيمة ومظلة الدستور والقانون ، وعدم الخروج على قواعده وأحكامه .
أن من واجب الحكومة العراقية اليوم ، وما حدث بين بعض قوى التحالف الكردستاني ، ومع رئيس الإقليم نتيجة للخطأ الفاضح في إجرائهم الاستفتاء وتوقيته في فترة حرجة ودقيقة ، والذي لقي معارضة شديدة عراقيا وإقليميا وعربيا ودوليا ، وأدى الى شرخ في العلاقة بين الحكومة والإقليم ، وأفرز تداعيات خطيرة عراقيا وإقليميا !
على الحكومة واجب الحفاظ على السلم المجتمعي وتماسك نسيجنا الاجتماعي وعلى الأخوة العربية والكردية ، والتأخي بين مكوناته المختلفة ، المتعايشة منذ ألاف السنين ، والابتعاد عن لغة المنتصر والمهزوم ، والقوي والضعيف ، او القريب والبعيد .
وأن تسعى وبأسرع وقت الى احتواء هذه الازمة الخطيرة ، ومن منطلق الحرص على جميع المكونات والقوى العراقية المختلفة وعلى تماسكها والتعايش المشترك فيما بينها ، وعدم ابعاد طرف على حساب طرف ، ومحاولة تقريب البعيد الى القريب ، وبروح الوطنية والمواطنة والتعايش ، والابتعاد عن لغة التخوين والإقصاء والتهميش ، كونها لغة ضارة ومثيرة للفرقة والكراهية ، وتدفع الى التصلب في المواقف ، وتخلق الحواجز وتزيد من سعير الخلاف والاختلاف ، والذي سيلحق أفدح الأضرار في عملية إعادة بناء الدولة ، وعلى عملية الاستقرار والأمن والتعايش .
لذلك فإن الحكومة مدعوة بأن تمارس مهماتها في خلق شروط التعايش والتعاون بين الجميع ، من خلال البحث مع كل الخيرين من قوى شعبنا وأطيافه المختلفة والوطنيين المخلصين ، لإيجاد أنجع السبل لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء ، ولإعادة اللحمة بين قوى شعبنا ووفق الدستور والقانون .
وبخلاف ذلك فالأمور أيلت الى التصعيد والانقسام ، وهذا كله لا يصب بمصلحة احد ، ويزيد الفرقة والتناحر ، وسيسمح للقوى الخارجية بالتدخل في شؤون العراق بشكل اكبر ، وهذا بخلاف مصلحة شعبنا ، وهو تهديد لاستقلالنا الوطني ويتعارض مع مصالح البلاد العليا .