المنبرالحر

السياسة الامريكية في سوريا والهذيان العربي / انس محمود الشيخ مظهر

على الرغم من ان امريكا لم تتحرك بشكل مباشر في المشهد السوري ولم تحرك جيوشها مثلما تفعل في كل ازمات المنطقة إلا انها بالنتيجة اصبحت الطرف الوحيد المستفيد من نتائج هذا المشهد فيما اصبح الشعب السوري الخاسر الاوحد في المعادلة برمتها رغم سيل الانهار الذي دفعه على مدى السنتين الماضيتين ...فعندما يقحم شعب دون ارادته في اتون ثورة مسلحة لا مقومات واضحة للنصر فيها فالنتائج تكون كما الت اليه الثورة السورية .
ان نقطة التحول الحقيقية في الثورة السورية هي في تحولها من مظاهرات واعتصامات سلمية لشعب اعزل الى ثورة مسلحة يقودها (عسكريا) افراد وضباط منشقين من الجيش النظامي يفتقرون الى ابجديات القيادة في التعامل مع هكذا وضع , ويقودها ( سياسيا) شخصيات سورية مغتربة بعيدة عن النبض الحقيقي للشارع السوري تفتقد الى الحنكة السياسية .. وبذلك وقعت الثورة بالكامل في شرك المزايدات الاقليمية والدولية وإرادات دول لها اجنداتها ومخططاتها ما افقدها استقلالية قرارها السياسي .
ان سياسة (المراقبة عن بعد ) التي استخدمتها امريكا منذ بداية الثورة كانت تتحرك في اتجاهين ..
الاول .. الحفاظ على امن اسرائيل وعدم المساس به في القتال الدائر في سوريا .
الثاني ..الحفاظ على التوازن العسكري الميداني بين الجيش النظامي السوري والجيش الحر بغية ادامة الازمة عسكريا دون تحقيق نصر حاسم لأي طرف واستنزاف قوى الطرفين وإنهاكهما .
وبعد مرور اكثر من سنتين على الازمة السورية ووصولها الى نفق مسدود يبدو ان الدول المعنية بالشأن السوري ( امريكا وروسيا ومعهما ايران ) وصلت الى قناعة مفادها ان استمرار الازمة بشكلها الحالي سيفقد الجميع مكاسبهم دون تحقيق اهداف تذكر لأي طرف من الاطراف خاصة بعد ان استطاعت المليشيات الاسلامية المتطرفة من فرض هيمنتها على الواقع العسكري فيه ..مما استدعي تغيرا في قواعد اللعبة والخروج من الازمة الحالية بحل ترقيعي للدخول في ازمة اخرى بقواعد جديدة تستطيع فيها هذه الدول ترتيب اوراقها من جديد والحفاظ على مكتسباتها وان كانت بنسب متفاوتة . وبالطبع فانه في اي ترتيبات مستقبلية في سوريا ستحوز امريكا على حصة الاسد من المكتسبات لامتلاكها اوراق ضغط كثيرة على اطراف المعارضة السورية والدول المؤيدة لها بينما تكمن المكتسبات الروسية والإيرانية ضمن مبدأ (انقاذ ما يمكن انقاذه) باعتبارها الطرف الاضعف ( وليس الخاسر) , فيما تقف الدول العربية والشعب السوري متفرجة على مجريات الاحداث دون قدرة على احداث اي تغير فيها إلا من خلال الحل الامريكي الغربي .
يمكننا تلخيص المكتسبات الامريكية في الترتيبات المستقبلية لسوريا في النقاط التالية : -
- من المؤكد ان امريكا ومن اجل الحفاظ على امن اسرائيل لن تسمح للجماعات الاسلامية المتطرفة ان تكون العامل الوحيد المؤثر على الارض في سوريا إلا انها ستغض النظر عن وجود موطئ قدم لهذه ا لجماعات في سوريا لتشكل عامل ضغط مستمر على اي نظام مستقبلي في هذا البلد كما حصل في العراق .
ان تحديد افق حل الازمة السورية وسيناريوهات رحيل بشار الاسد ( سواء بإسقاطه او بقائه في منصبة ونقل صلاحياته لحين اجراء انتخابات ديمقراطية في سوريا) ليست من اولويات السياسة الامريكية بقدر ما يهمها دراسة الظروف التي تعقب رحيل بشار الاسد وخلق سوريا غير مستقرة ومغيبة عن مشاكل المنطقة لفترة طويلة . فإنهاء الازمة بوضعها الحالي لا يعني بأي حال من الاحوال احلال السلام والاستقرار في هذا البلد .

- استطاعت امريكا من خلال تهديداتها الاخيرة لضرب سوريا من تحريك المياه الراكدة بينها وبين ايران التي ادركت من جانبها ان اسقاط الاسد عسكريا سيمثل انهاء قسريا لنفوذها في سوريا ولبنان فحاولت انقاذ ما يمكن انقاذه من هذه النفوذ مقابل تنازلات تقدمها لأمريكا سواء فيما يخص بملفها النووي او القبول برحيل بشار الاسد مقابل الحفاظ على بعض القيادات العسكرية المقربة من ايران في اي تشكيل مستقبلي للجيش السوري وكذلك الابقاء على نفوذ حزب الله في لبنان مقابل تعهد ايراني بعدم تهديد امن اسرائيل اضف الى ذلك اعطاء تعهدات بالكف عن دعم حركة حماس في غزة . بالطبع فان الالتزامات الامريكية بالنقاط هذه لا تشكل معضلة بالنسبة لأمريكا بل العكس .. فإبقاء قادة عسكريين حالين في المعادلة السورية مستقبلا وبقاء حزب الله بالشروط الامريكية ستساعد في اضعاف سوريا وخلق منطقة ذات اوضاع سياسية شاذة الامر الذي يتوازى مع المصلحة الامريكية والإسرائيلية لذلك فهي تفاهمات مرحب بها امريكيا . وليس مستبعدا ان تصل التفاهمات الامريكية الايرانية هذه لخلق جيب علوي في المناطق ذات الاغلبية العلوية في سوريا .
- ان تحييد سوريا مستقبلا وبالشكل الذي ذكر اعلاه وتحييد ايران في الصراع مع اسرائيل يشكل ضربة حقيقية لحركة حماس قد تؤدي الى عزلها او القضاء عليها وفتح الباب امام جولة اخرى من مفاوضات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين والتوصل الى وضع نهائي لحل الدولتين حسب الشروط الاسرائيلية .

- ان احدى حيثيات الازمة السورية هو التقارب الامريكي الايراني الذي قد تستخدمه امريكا للمزايدة على الطرفين الايراني والخليجي وإثارة التشنج الطائفي بينهما بشكل ينجم عنه اشعال الصراع المذهبي في المنطقة بأسرها وقد تصل الى اشعال حرب نظامية بين دول المنطقة وهذا طبعا يمثل ايضا مكسبا امريكيا لتضعيف الطرفين الاقليميين .
- التقارب الامريكي الايراني هذا سوف يدفع بدول الخليج لتقديم المزيد من التنازلات الى الحكومة الامريكية لإيقاف هذا التقارب الذي سيكون بالتأكيد على حساب هذه الدول , وهذه التنازلات يمكن ان تتمثل في امور سياسية واقتصادية وان وصلت في بعض الاحيان الى صميم الامور السيادية في هذه الدول لدرء الخطر الايراني الداهم على المنطقة .