المنبرالحر

ما بعد اندحار داعش العراقيون مطالبون بترتيب بيتهم الداخلي / جواد وادي

يعيش العراقيون اليوم عن بكرة أبيهم الفرح الآسر بلحظات الانتصار المبين على أعتى قوة مجرمة عاثت بترابه ومكوناته المقدسة، فسادا وخرابا، وطالت اياديهم القذرة كل مفاصل العراق، حيث لم تسلم من شرهم حتى البهائم والدواب بعد ان احرقوا الحرث والنسل والتاريخ، ولكنهم لم ينالوا من الكرامة العراقية التي بقيت هي البوصلة التي تعيد ركام الخراب الى حياة جديدة، بثوب ابهى واجمل واكثر اشراقا، ثوب مطرز بالعزة والأنفة والشموخ، وهو ديدن العراقيين منذ فجر الحضارات حتى يومنا الراهن، فكم مرّت على هذا الشعب المظلوم عبر حقب وأزمان تاريخية متعاقبة، محن وكوارث ونوائب لا حصر لها، كانت جميعها تستهدف وجود وتاريخ وحضارة هذا البلد المعطاء وشعبه الأبي، لكنها باءت بالهزائم والخيبات ولاحقت مرتكبيها لعنات ظلت لصيقة بأفعال مرتكبيها الرثة، وبقي العراق والعراقيون بذات الشموخ وذات السمو، وهم على يقين رغم الهزات العنيفة والمدمرة التي من شأنها أن تدمر بلدانا لا تحتكم على ذات القيم العريقة لهذا البلد العظيم، بل وتفتتها، لكن العراق ظل يحاكي الشمس ويسمو يوما اثر آخر، ويولد من جديد، مثلما طائر العنقاء، الأمر الذي دفع بمن راهن على تدميره، بجر اذيال الخيبة والخسران واللعنات التي ظلت تلاحقهم حتى وهم في قبورهم النتنة، ولا نستثني ثلة من أبنائه، ممن باعوا ضمائرهم وراهنوا على الكراسي والسلطة على حساب الانتماء للوطن، بحالة من العقوق والبلادة لا تضاهيها توصيفات الكون الخائبة.
هذا الكلام ليس تفاخرا أجوفا وليس تباهيا لا أساس له، بل هو واقع ملموس لكل من يشكك بقدرة العراقيين بإعادة بناء الذات التي حاول الخائبون والمجرمون تدميرها، للإبقاء على السلطة والامتيازات وكسب المنافع الشخصية الزائلة وإشاعة شتى أنواع المفاسد والرذائل، بخيانة ما بعدها خيانات، ولكن وللأسف الشديد أن معظم من أساء ويسئ تقدير الأمور من أولئك الذين غلبّوا المصالح الشخصية على التراب الذي لا يشرفه التباهي بهم والحنو عليهم، وجاهدوا بكل الوسائل الرثة لإبقاء العراق يدور في ذات الدوامة التي أراد ألد الأعداء النيل منه، ولكنه كان الأقوى والأكثر شموخا من كل المؤامرات الخاسئة.
لعل من في نفسه رثاثة الطمع الآني يعود لعقله ويحيي ضميره المعلول أصلا، ليستفيد من الدروس والعبر، بعد أن خدمته البوصلة العرجاء للوصول لسدة الحكم وهو لا يستحق أن يتولى أية مهمة قد تغير بوصلة البلد نحو المجهول، بعد أن تكشّفت للقاصي والداني تلك الشخصيات المريضة وما قامت به من تفشي فساد وسرقة أموال العراقيين، حين جاهدوا بطرق متّسخة لنهب الأموال التي كم يحتاجها بلد خارج للتو من محارق المغامرات والحروب والاستهدافات المدمرة.
رحم الله ذا الذكر الطيب المتنبي العظيم القائل:
أَيْنَ الأَكَاسرَةُ الجَبَابِرَةُ الأُلَى.... كَنَزُوا الكُنوزَ فَمَا بَقينَ وَلا بَقُوا
نقول لمن عطّلوا مجساتِهم الإنسانية والوطنية، أن يرمموا ذواتهم المهشمة ويعودوا لرشدهم، ليرجعوا لحضن الوطن الجريح والذي ابتعدوا عنه كثيرا بأفعالهم المشبوهة، فكم يحتاج العراق اليوم لكل جهد خيّر لإعادة بنائه، وتمتين لحمته الوطنية، بالسعي لنبذ النهج الطائفي القاتل ونظام المحاصصة السيء الصيت والسمعة، لأن مغريات الحياة زائلة والانتماء للوطن هو الأبقى.
نقول كلامنا هذا بعد أن أفلح أبطال العراق الأشاوس من جيش عراقي باسل بكل صنوفه ومراتبه، وحشود مباركة، شعبية وعشائرية، وقوى مجتمعية حية، واعلام حر ونزيه، وقلوب عراقية تنبض بالحب لمجد العراق، بالقضاء على أخطر فلول ضالة ومنحرفة وسادية، والمرحلة القادمة هي الأمضى والأشد احتياجا لكل الجهود الخيّرة لوضع مستقبل العراقيين على الطريق الصحيح، بتكاتف كافة الجهود الوطنية المخلصة لتقوية عضد التقارب الوطني البعيد عن المناكفات والأهداف المغرضة، والانحيازات لهذه الطائفة أو تلك، وهذا الانتماء أو غيره، واضعين كل الجهود النبيلة باتجاه إعادة البناء ونسيان الخلافات الضيقة وتجاوزها، وبمسؤولية كبيرة وإيثار وحب للعراق دون سواه.
من هنا سيتبين للجميع من هو الوطني الشريف، ومن هو الخائن لوجوده كعراقي ينتمي لهذا التراب المقدس.
إن العراق اليوم وبعد زوال غمة داعش يحتاج لكل الأيادي البيضاء التي تنتمي بحق للعراق الذبيح، للخروج من عنق الزجاجة، وبداية مرحلة بناء جديدة، ستخلد فرسانها وكل من يساهم وبوفاء وطني بلده وشعبه ومستقبل الأجيال التي عانت ما عانت من ويلات وكوارث ومحن، لنقول كفى تناحرا وسيل دماء وأنين مذبوحين لينعم العراقيون بمستقبل مشرق.
تحية لكل من يساهم بإعادة البناء لتحقيق المنفعة لكل العراقيين والأجيال القادمة.