المنبرالحر

الإرهاب !... والفساد !... الفساد والارهاب؟ / صادق محمد عبد الكريم الدبش

يطفو على السطح هذه الأيام سيناريوا جديد قديم متجدد ، ما يطلقون عليه [ حملة مكافحة الفساد ؟ ] ..
وهي كسابقاتها من السيناريوهات التي صدعت رؤوسنا وقَضَّتْ مضاجع شعبنا !
كسابقاتها من وعود !.. بدعوى التصدي ومحاربة ومكافحة الطائفية والعنصرية والتصحر الفكري والثقافي والفني .. والمحاصصة والتمييز ومكافحة كل هذه المظاهر وبكل اشكالها ومسمياتها ، والتمييز على أساس الدين والقومية والطائفة والمنطقة والحزب !
نفس الوعود التي سوقتها حملة الحكومة ووزاراتها ومؤسساتها المختلفة فيما سبق وتسوقها اليوم ، والسعي لإصلاح مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث كما يدعون ، والبدء بإعادة بناء الدولة ومؤسساتها المختلفة ، وعلى أساس الوطنية والمواطنة ، وفق معايير المهنية والكفاءة والنزاهة والوطنية ، وهذه الوعود قد غرد بها الرجل الأول في الحكومة ، السيد رئيس مجلس الوزراء ، عند تكليفه بهذا المنصب منذ ما يربو على ثلاثة أعوام !
من تلك الوعود التي وعد بها السيد الرئيس ، وخططه وبرامجه ، وهي كثير ة ، سنذكر منها على سبيل المثال لا الحصر !
عودة المهجرين والمرحلين قسرا والنازحين عن ديارهم ومدنهم وقراهم وهم بالملايين !.. وبعد مرور هذه المدة الطويلة ومعاناتهم المريرة !.. فما زال ما يربو على ثلاثة ملايين فرد ينتظرون عودتهم بفارغ الصبر ... ولكنها لليوم لا تعدوا كونها وعود ! والتبريرات بعدم العودة جاهزة ومتعددة .
وما زالت مدن بكاملها ، وفي المحافظات الخمسة ( نينوا --ديالى --حزام بغداد --الأنبار -- صلاح الدين -- ومناطق تابعة لكركوك ) هذه المحافظات تعرضت الى الدمار وبنسب مختلفة ، منها ما يصل الدمار فيها الى 90% !!... ولليوم لم يتم البدء في إعادتهم !.. او حتى التفكير في وضع الخطط والبرامج لإعادة الإعمار لتلك المدن المدمرة وعودة أهلها !
ناهيك عن تخلف الدولة في تقديم الخدمات الأساسية للناس ( من تعليم وصحة وماء وكهرباء وشبكات الصرف الصحي ، وإصلاح منظومة النقل والمواصلات ووسائله وطرقه المختلفة ) !
الجميع يعلم بتخلف هذه المرافق وقصورها في أداء مهمات هذه المرافق وتحقيق غاياتها الأساسية ، والتي تمثل عصب الحياة في كل بلد تكون سير الحياة فيه طبيعية ، والناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي على الأرض ، وغياب كل ذلك يعني توقف كل شئ في هذا البلد !.. ومعناه الفوضى والتخلف والجهل والمرض !
ناهيك عن البطالة التي لم يمر العراق في تأريخه الحديث ، ومنذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 م وحتى يومنا الحاضر ، لم يشهد مثيل لها ؟
فهناك الملايين لم تجد فرصة عمل تعيش من ورائه !.. لهم ولعوائلهم ، وتعتبر هذه المشكلة الوطنية من اكبر المشاكل التي تواجه البلد ، وغياب الحلول اللازمة للوقوف عندها ووضع البرامج والخطط لحلها بالزمن القريب والبعيد ، فهذا يعني بأن الإرهاب ما زال له حواضن وبؤر ومواقع تساعده على العودة ثانية بسبب البطالة لتلك الملايين من الفقراء .
واذا كان هناك من يعتقد بان الإرهاب قد تم اجتثاثه والقضاء عليه فهو واهم ، وما تفجير النهروان بالأمس في بغداد إلا دليل ساطع على ذلك .
لم يتمكن السيد رئيس مجلس الوزراء لليوم بأن يقوم بتدوير عجلة الاقتصاد المتوقفة منذ سنوات ، وبفروعه المختلفة [ الصناعية والزراعية والخدمية والسياحية والتجارية ) بالرغم من مرور هذه السنوات العصيبة والقاسية على شعبنا ووطننا ، والناس تعشمت به خيرا وبوعوده التي قطعها على نفسه .
وهناك مسألة اكثر أثرا وتأثيرا !.. لن تتمكن الحكومات المتعاقبة ، وخلال عقد ونصف من السنوات بالنهوض بمهمة معالجتها ، وهي مهمة حيوية لها ما يبررها !؟
الا وهو !... الإصلاح السياسي لمنظومة الدولة ، والذي يجب أن يقوم على أساي إعادة بناء ( الدولة الوطنية الديمقراطية العَلمانية أو لنسميها الدولة المدنية ، لأن تسمية العَلمانية قد تعكر بعض الامزجة !.. من الذين يعتبرون العَلمانية !.. بأنها تعني الإلحاد وهذا غير صحيح ويجافي الحقيقة ) !
وتقوم هذه الدولة على أساس الاتحاد الطوعي ، وتقبل بالمُخْتَلِفْ ، تسود فيها العدالة والمساوات والتعايش ، وتوزيع الثروة بشكل متساوي وعادل بين أبناء البلد الواحد .
وليست دولة تقوم على الطائفية والعنصرية والتمييز والانحياز لهذه الفئة او تلك كما هو عليه اليوم ، وتتقاسم المغانم والثروات !.. بين المتربعين على السلطة ، والتفرد في إدارة الدولة ورسم معالمها ونهجها دون إشراك الاخرين ، ومن دون الرجوع الى الدستور وفحواه ومواده ، وركنه جانبا او التعامل معه بانتقائية ، مما ألحق افدح الاضرار في بناء دولة المواطنة ، الركيزة الأساسية لوحدة البلد واستقراره وسلامته ، مما أدى الى تمزيق وحدة وتعايش نسيجنا الاجتماعي ، واربك المشهد السياسي ، وخلق انقسامات حادة ، سياسيا وعرقيا وطائفيا وحتى في الجانب الفكري ، وجميعها معوقات شديدة التعقيد وتشكل خطر داهم على حاضر البلاد ومستقبله ومستقبل شعبه .
اللعب بالأوراق وفي اخر الشوط من المباراة ؟... ليس دائما مجديا !... أو يكون طوق نجاة كما يعتقد البعض !... فقد ينقلب السحر على الساحر ، فتكون المعادلة معكوسة ونتائجها غير محمودة العواقب !
بالأخص إذا كانت غايتها الاستغلال والمكر وتسويق الحيل البهلوانية المظللة !
فربما تؤدي الى الوقوع بشر الأعمال ونتائجها مخيبة .
الإرهاب والفساد !... وجهان لعملة واحدة والجميع يدرك هذه الحقيقة !
ولولا الفساد لما وِجِدَ الإرهاب أصلا ، وما تمكن من النمو والتمدد كما النار في الهشيم ، والعكس كذلك صحيح .
خاض العراق وشعبه صراعا عنيفا ومريرا ومدمرا مع الإرهاب والإرهابيين ، أتى على كل شئ ، ودفع شعبنا جراء ذلك ثمنا باهض ، بالأنفس والنفيس وبالجهد ولسنوات !..
تلك الأيام باقية في اذهان شعبنا ، وَتُذْكَرُ !.. ونتمنى ان لا تعود ثانية !
والذي عشناه خلال تلك السنوات كان سببه الأساس ( الفساد المالي والإداري والسياسي ، والمحاصصة والطائفية السياسية ) ، ونتيجة غياب الدولة العادلة ، دولة المؤسسات ، الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية الاتحادية والمستقلة .
ومنذ ايام ونحن نسمع عن توجه الحكومة والبرلمان وبعض الساسة والطبالين والزمارين ووعاظ السلاطين !.. للتسويق لما يطلقون عليه اليوم وبعنوانه العريض ( محاربة الفساد ! ) !
ونتمنى ان يكون كل ذلك صحيح ؟؟
بالحقيقة ومن وجهة نظر شخصية ، وهذا لا يفسد للرأي الأخر من شئ !..
فهو مانشيت مغري في جوهره ومعناه !!.. لما يطلقون عليه اليوم إعادة هيبة الدولة وسيادتها وسيادة القانون والدستور !... فهل بقي شيء من هيبة الدولة لليوم ؟... نتيجة لكل الذي جرى ؟
وحتى لا ينسى أحد منا ، فهناك سؤال يطرح نفسه ، لابد من الإجابة عليه !..
من الذي دمر هذا البلد وأشاع فيه الفساد والخراب ، والشقاق والنفاق والرذيلة والعهر والجريمة وبأشكالها المختلفة ؟... وَمن غَيًبَ الدولة وصادرها وما تملك من خزائن ؟.. بهذا الذي يسمى اليوم العراق ؟
ألم يكونوا هم انفسهم ؟ ... المتربعين على ناصية الدولة وبيدهم كل شيء ؟
فكيف لنا أن نصدق بأن الحرامية الذين نهبوا كل شيء !... هم أنفسهم سيكشفون لنا الفاسدين والمفسدين وما سرقوه خلال العقد والنصف !.. وهم من سيكون الحاكم والحكم ؟
هل يصدق عاقل كل هذه الترانيم والمعزوفات التي دمرت الحرث والنسل !!
ولماذا الأن ؟ ... هل كون الانتخابات قاب قوسين أو ادنى ؟ ... ولابد من تبرئة النفوس وتطهيرها من الإثم والموبقات والجرائم ، فيخرجوا لنا من جديد وبثياب مختلفة عن سابقاتها !.. ( وبشخطة قلم ! ) يظهروا لنا كيوم ولدتهم أُمهاتهم من دون خطايا .. عجيب أمركم يا سادة !!؟
أين كانوا كل هذه السنوات ؟ .. لم يبحثوا عن هؤلاء الجنات ، ومن هَجًرَ شعبنا وأذاقه الموت الزؤام ؟
لماذا لم يبحثوا عن الذين سلموا محافظات العراق ونصف مساحته ( للدولة الإسلامية ! ) ؟
ولماذا تستروا عليهم وعن افعالهم لليوم ؟ ولم نرى حتى نفرا واحدا تطاله العدالة ؟ ..
فهل هم أباليس وشياطين يختفون ولم يراهم أحد لليوم ؟؟
سؤالي الأخير للسيد رئيس مجلس الوزراء عن الذي أَعده واستعد إليه وما في جعبته ؟.. من أدوات وخطط وبرامج ، سياسية واقتصادية وامنية وتربوية ، لمواجهة إخطبوط الإرهاب وشبكاته المتمددة والمتغلغلة في الدولة ومؤسساتها ومفاصلها المختلفة !..
وفي داخل الأحزاب الحاكمة من الإسلام السياسي ، فهؤلاء اصبحوا اليوم وما يمتلكوه من مال وسلطة وسلاح وإعلام ودعم داخلي وخارجي ، أصبح لهم انياب ومخالب تهدد من يتصدى لهم ، او حتى الاقتراب من حدودهم والمتاريس التي جهزوها للتصدي والمواجهة ، وأبراجهم العاجية ، فقد ينقضوا على كل من يحاول المساس بمصالحهم وتهديدها ، قبل ان يقنصهم المتربصين بهم ويضع في ايدهم الحديد ، اذا لم يُحْكِمْ خططه ويتأكد من نجاحها وصوابها، والوسائل اللازمة لمواجهتهم وتدميرهم والقضاء عليهم .
انا لست فقط اشك في توجهات السيد العبادي وقدرته على التصدي للفساد والفاسدين والمفسدين لأسباب عديدة ، فمواجهة الفاسدين بنفس أدوات النظام الحاكم اليوم ، كون الفاسدين والسارقين والحرامية هم نفسهم من دائرة قوى الإسلام السياسي الحاكم ، وكل هذا الفساد والسرقات كانت عبرهم ومن خلالهم ، ولا يوجد أحد من خارج هذه الدائرة ، وإن وجد فهو يعمل من خلالهم وعبرهم ولا يمكن أن يخرج بعيدا عن هذه الدائرة أبدا .
فهل يمكن ان تكون مثل تلك المعادلة والفرضية جائزة ويقبلها العقل ؟
هذا السؤال .. لو وجه لي !... لما ترددت أبدا في القول بالنفي المطلق !
على قوى شعبنا الديمقراطية والتقدمية والوطنية ، ومن التيار الإسلامي المتنور والمعتدل والوسطي النظرة ، وعلى جماهير شعبنا المتطلعة الى حياة رخية وامنة سعيدة ، وعلى كل الخيريين والساعين لعودة العراق كونه بلد الحضارات ومهبط الحرف والكلمة ، ومهبط الحضارة الإنسانية ، على الجميع ان يتنبهوا من هذه الالاعيب والفبركة الإعلامية ، ويأخذوا حذرهم من هذه الأكاذيب وغيرها ، والتي يراد من ورائها خداع الجميع وكسب الوقت واللعب على الحبال ، ليقولوا لكم هؤلاء السراق والمفترين ( بأننا نزيهين ولسنا بسارقين وحرامية !... لتنتخبوهم ثانية !.. وأنتم تعلمون حقيقتهم وخبرتموهم لسنوات عجاف ، وما جلبوه عليكم وعلى عوائلكم من ظلم وجور وجوع وعذاب وخراب ، فلا تعطوهم الفرصة ثانية ، ولا تصدقوا وعودهم واكاذيبهم المفضوحة !
والمثل يقول المُجَرًبْ لا يُجَرًبْ ، وعليكم أن لا تُخْدَعوا للمرة الرابعة !.. فالمرء لا يلدغ من جحر مرتين ! .
فكروا مليا .. وتريثوا وعودوا الى رشدكم أيها الجياع والبؤساء والمحرومين ، خلاصكم بأيديكم !.. فلا تضيعوها ، فالحاضر والمستقبل بين ايديكم ورهن قراركم ، بانتخاب النزيه والكفوء والوطني الغيور ، والذي يعمل على خدمتكم ويسعى لسعادتكم وتأمين مصالحكم في العيش الرغيد ، فلا تضيعوا من بين أيديكم فرصة ذهبية وتندموا عليها !
انتخبوا الأصلح لكم ولأولادكم ايه الجياع ، وفكروا بالسنوات التي حكموكم بها هؤلاء !... وأين اَوْصَلوكُمْ وما تجرعتموه على أَيدهم وبسببهم ، المقامرين بمصائركم وبسعادتكم ، السارقين هؤلاء الصوص ، من الطائفيين والعنصريين والسماسرة وتجار المخدرات والسلاح ، الذين تاجروا بكل شيء غير شريف ، الذين تقاسموا ثرواتكم فيما بينهم وأودعوها في جيوبهم ، وتركوا لكم الجوع والبؤس والظلم والحرمان ، وفقدتم على ايدهم الأمن والأمان والسلام والتعايش والمحبة لأبناء جلدتكم من أهلكم واحبتكم من باقي المكونات ، بسببهم وبسبب طائفيتهم وفسادهم وانحيازهم الأناني المفرط ، وفقدانهم للرحمة وللقيم والأخلاق والوطنية والنزاهة .
انهضوا من سباتكم هذا وحطموا القيود ، ولا تنتظروا من يمنحكم النصر على خصومكم الطبقيين ، فالحرية تُسْتَرَدُ ولا تُمْنَحْ ، وكونوا صُناع للحياة !.. ولا تكونوا عبيدا لمن يريد أن يكون سيدا عليكم .