المنبرالحر

الكهرومولدات والسياسة / محمد شريف أبو ميسم

أثار اهتمامي حوار لربات البيوت المتجمعات عند البقال في إحدى صباحات ضواحي العاصمة بغداد بشأن أجور المولدات التي أقرها مجلس محافظة بغداد بما يشبه الأثر الرجعي ابتداء من أيلول ، ثم تراجعه ليعيد تغيير مبلغ التسعيرة من جديد دون الاشارة الى ما تقاضاه أصحاب المولدات في تشرين أول الجاري دون مقابل .. اذ فسرت احداهن تردد مجلس محافظة بغداد في حسم قضية أجور المولدات والابقاء عليها برغم تحسن التيار الكهربائي ، بقولها: « ان أي حسم يعد اعترافا بحقيقة نهاية أزمة الكهرباء، وهذا ما لا يريده البعض، لأن أزمة الكهرباء كانت مشر?عا للمزايدات والتسقيط».. فيما علقت أخرى بالقول:» هذا دليل على عدم الثقة بما تدعيه وزارة الكهرباء وان اشكالية الكهرباء التي ألبست الناس حلة اليأس لن تنتهي لمجرد تراجع الاستهلاك في هذه الأيام..»
وقد حرصت على نقل هذين الرأيين من الشارع باختزال لغوي لأتمكن من جمع ما يدور من أحاديث في جمل مقتضبة تعبر عن الرأي العام بشأن هذه المعضلة التي أضرت كثيرا بالواقع المعيشي والاقتصادي .
وفي واقع الأمر فان كلا الرأيين يعبران عن مواقف قائمة على أرض الواقع .. بعضها يرى في عودة التيار الكهربائي منجزا يحسب لطرف معين، وكأن عذابات الناس وتراجع ايقاع الحياة والخسائر الاقتصادية على مدار سنوات طوال يفترض أن لا تنتهي لئلا تحسب نهايتها لهذا أو ذاك ، وبعضها الآخر يرى فيه ترسيخاً لتفوق ما ومنجزا للتلويح في الانتخابات المقبلة، وكأن عشر سنوات من العذابات الحياتية والتردي في واقع المهن والحرف والمشاريع الصغيرة والمتوسطة بجانب تعطل النمو في القطاعات الاقتصادية برمتها يمكن أن تتوج بنجاح يسجل لسين أو صاد بغي?ب المساءلة عن سر هذا التردي الذي مرت به البلاد لسنوات خلت .
انه أمر مثير للدهشة،أن يتبلور الصراع السياسي المقيت ،الذي اتخذ من معاناة الناس أداة للتسقيط على مدار سنين ، أن يتبلور لدى العامة من الناس في سياق هذا النمط من التفكير «الذي يجد في كل منجز علامة تسجل على الضد من هذا أو لصالح ذاك»، ولا يقف عند معطيات واسباب الفشل أو النتائج التي نجمت عن التعطيل أو تمخضت كانجاز برغم التحديات التي يقف في مقدمتها الارهاب .
بيد ان حالة عدم الثقة التي أعلن عنها مجلس محافظة بغداد بشكل غير مباشر ، من خلال مطالبة الناس بدفع أجور لأصحاب المولدات دون مقابل على الرغم من تأكيد وزارة الكهرباء على لسان وزيرها بانتهاء الأزمة ، تعبر وبلا أدنى شك عن ذات القناعة والاحساس لدى عموم المواطنين وان اختلفت التصورات والدوافع .. فالمجلس وبحكم مسؤوليته أمام جماهير محافظة بغداد بوصفه السلطة التشريعية والرقابية في الحكومة المحلية ، لا يمكن أن يحسم الأمر ويدعو الناس للامتناع عن الدفع لئلا تثور ثائرة أصحاب المولدات وهو غير واثق من صدقية ما تدعيه وزارة الكهرباء، فقد تتعرض مصداقيته وهيبته للاهتزاز ،اذا ما تعرضت خطوط النقل أو المحطات لخلل ما قد يطول ?قت معالجته ، أو ربما لا تلتزم الوزارة تحت أي ظرف بتوفير 24 ساعة تجهيز فيجد نفسه محرجا أمام الناس وأصحاب المولدات .
فيما يشعر الناس بحالة عدم الثقة في استمرار الحصول على 24 ساعة تجهيز من الكهرباء ، جراء غياب هيبة الدولة الناجم عن استمرار تردي الوضع الأمني، وليس لعدم صدقية وزارة الكهرباء ، فالمواطن يتداول في أحاديثه احتمالية سعي البعض لإثبات فشل الحكومة عن طريق تخريب أو ضرب المحطات الكهربائية وأبراج الضغط العالي حتى قبل أن تضرب خطوط وأبراج الكهرباء في محطة بيجي يوم الخميس الماضي ،والتي نجم عنها انقطاع التيار عن مناطق بغداد على مدار أوقات مختلفة من ذلك اليوم.. وبالتالي فهو متفق مع قلق مجلس محافظة بغداد وان اختلفت التصورات?والدوافع، مع انه كان يأمل بتطبيق وصية وزير الكهرباء حين «أوصى أصحاب المولدات أن يسرعوا ببيع مولداتهم بحلول نهاية 2013 «.