المنبرالحر

شيء عن المسألة الكردية وموقف الحزب الشيوعي منها / ناصر حسين

لينين في مؤلفه ((الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية)) توصل الى الاستنتاج بان تقاسم العالم بين الدول الكولونيالية انتهى، وان تلك، وبفعل قانون التفاوت في التطور الاقتصادي للدول المختلفة، لم يعد امامها الا اعادة التقاسم. وهذا لن يتم الا عبر حرب كونية، تلك الحرب التي بدات فعلاً اواخر العام 1914 ولم تتوقف الا نهاية عام 1918.
في تلك الحرب اشتركت الدولة العثمانية الى جانب المانيا ضد جبهة الحلفاء التي ضمت بريطانيا وفرنسا وروسيا، والتحقت بهم اواخر ايام الحرب الولايات المتحدة الأمريكية.
اغلب المنطقة العربية كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية وكذلك كامل المنطقة الكردية.
وعندما ابتدأت الحرب امتد لهيبها ليشمل العراق، فقد قامت بريطانيا بانزال قواتها البرية في جنوب العراق عام 1914 واخذت تتقدم باتجاه الشمال والقوات العثمانية تتراجع حتى غادرت ارض العراق ودخلت قوات الجنرال مود بغداد عام 1917 مود الذي ادعى في بيان اصدره بانهم جاؤوا محررين لا فاتحين. ومعلوم ان بريطانيا عندما بدات الحرب اجرت اتصالاً بالشريف حسين بن علي من اجل ان يعلن ثورة في الحجاز والمنطقة العربية ضد السيطرة العثمانية، وادعى "ماكماهون" وزير خارجية بريطانيا آنذاك في رسائل الى الشريف حسين ان بريطانيا ستمد يد العون له، وتمكن العرب من استعادة سيادتهم الوطنية على الأرض العربية.
ولم يعد سراً ان بريطانيا وفرنسا في الوقت الذي كان "ماكماهون" يراسل الشريف حسين ، كانتا تتفاوضان على تقاسم ممتلكات الدولة العثمانية بعد ان تنتهي الحرب، حيث اتفقتا بخصوص المنطقة العربية ان تكون لبنان وسوريا والجزائر وتونس والمغرب من حصة فرنسا، ومصر والسودان وفلسطين والاردن والعراق من حصة بريطانيا، ولايطاليا ليبيا. ومعلوم ان الحكومة السوفياتية التي ترأسها لينين بعد ثورة اكتوبر قد قامت مباشرة بفضح بنود تلك الاتفاقية التي سميت في حينها باتفاقية سايكس – بيكو.
لينين المؤسس والقائد للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي – حزب البلاشفة، كان قد شخص في حينه وجود مشكلة قومية في روسيا القيصرية تتمثل في احتلال روسيا للعديد من البلدان في اسيا واوربا. واقترح الحل لتلك المشكلة وهو انهاء السيطرة الروسية على تلك البلدان ومنحها الحق في تقرير المصير بما في ذلك حقها في الانفصال عن روسيا واقامة دولها المستقلة. ذلك الحل الذي لم يأخذ به قياصرة روسيا المتهالكون على احتلال اراضي الغير والحاقها بروسيا. وما اشتراك روسيا القيصرية في الحرب الكونية الا بهدف الحصول على اسلاب جديدة، وهذا الحل الديمقراطي ينطلق من مبدأ الاممية البروليتارية الذي كان يؤمن به لينين والحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي والذي سداه ولحمته الايمان بحق الشعوب في تقرير مصيرها واقامة دولها المستقلة الصغيرة منها والكبيرة على حد سواء.
وتطبيقاً لهذا المبدأ اعلنت قيادة ثورة اكتوبر المجيدة مرسوم الحقوق القومية لشعوب مستعمرات روسيا القيصرية والاقرار بحقها في تقرير مصيرها بما في ذلك حقها في الانفصال واقامة دولها المستقلة، ووضع ذلك المرسوم موضع التطبيق العملي حال صدوره، وقد انفصلت جميع مستعمرات روسيا القيصرية وأعلنت دولها الكاملة السيادة
لينين في التقرير المقدم الى المؤتمر الثاني للكومنترن والذي حمل عنوان ((مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية)) تحدث عن الاهمية العالمية لثورة اكتوبر المجيدة سواء كان ((بالمعنى الواسع للكلمة او بالمعنى الضيق لها)).
وفي مجال حديثه عن اهمية الثورة بالمعنى الواسع للكلمة اشار الى نهوض بروليتاريا البلدان الرأسمالية المتطورة ونزوع الشعوب المستعمرة للنضال والثورات ضد السيطرة الكولونيالية العسكرية منها والسياسية.
عام 1918 انتهت الحرب الكونية الاولى ووقعت الدول المتحاربة على اتفاقية انهاء الحرب والتي حملت اسم ((معاهدة فرساي)).
في معاهدة فرساي ورد نص على السعي من اجل نيل الكرد لسيادتهم الوطنية ومساعدتهم على نيل استقلالهم واقامة دولتهم الموحدة. وما هي الا فترة محدودة حتى تغير منطوق معاهدة فرساي، فمثلما جرى تمزيق شمل الامة العربية وتحويل المنطقة العربية الى العديد من الدول جرى تمزيق شمل الامة الكردية ووجد الكرد انفسهم فجأة موزعين على خمس دول : تركيا، سوريا، العراق، اذربايجان، والقفقاس.
وبالنسبة لكرد العراق، وتحت تأثير اشعاعات اكتوبر، حاولوا ان يكون لهم كيان مستقل فاعلن الشيخ محمود الحفيد دولة كردية بزعامته، الا ان سلطة الاحتلال العسكري البريطاني للعراق قامت بسحقها. وانتفض الكرد بقيادة الشيخ احمد البرزاني الشقيق الاكبر للملا مصطفى، الا ان انتفاضتهم سحقت ايضاً. وقد اضطرت بريطانيا اواخر عام 1920 كنتيجة سياسية لثورة العشرين الخالدة الى تشكيل حكومة مؤقتة في العراق كانت المقدمة لقيام النظام الملكي في العراق عام 1921 واخضاعه للانتداب البريطاني.
كان العراق مقسما ايام السيطرة العثمانية الى ثلاث ولايات : ولاية الموصل وتضم الوية الموصل واربيل وكركوك والسليمانية، ولاية بغداد وتضم المنطقة الوسطى، وولاية البصرة وتتبعها الوية العمارة والناصرية والكويت الذي كان آنذاك قضاء يتبع ولاية البصرة.
ولدى قيام النظام الملكي برز الاشكال بينه وبين الحكومة التركية حول مصير ولاية الموصل واضطرت تركيا في الاتفاقية الموقعة مع العراق عام 1925 الى التنازل للعراق عن ولاية الموصل، وقد ورد في نص الاتفاق بند يلزم العراق بمنح الشعب الكردي حكماً ذاتياً، وقد بقي ذلك البند حبراً على ورق، وبقي الكرد في العراق محرومين حتى من الحقوق الثقافية. وكانوا يواجهون القمع دائماً، وكان ذلك طبيعياً اذ لا يمكن ان تتعامل مع الشعب الكردي في العراق باسلوب ديمقراطي حقيقي حكومة تقمع الشعب في باقي ارجاء العراق وتتعامل معه بلغة السجون والمعتقلات والتعذيب والاعدامات وفض الاضرابات بالقوة وقمع التظاهرات باطلاق الرصاص على المتظاهرين وقتلهم في الشوارع، فلا صحافة حرة ولا نقابات عمالية حرة ولا حياة حزبية حقيقية ولا برلمان يمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً منتخبا باسلوب ديمقراطي بعيداً عن التزييف والتزوير وشراء الذمم، ولم يكن الشاعر العراقي معروف الرصافي مخطئا حينما وصف الأوضاع آنذاك بالقول :
من يقرأ الدستور يعرف انه وفقاً لصك الانتداب مصنف
علم ودستور ومجلس امة كل عن المعنى الصحيح محرف
ومعلوم ان الكرد وبتأثير الانتصارات الباهرة التي أحرزتها القوات المسلحة السوفياتية على القوات الهتلرية وتحرير اجزاء واسعة من اوربا من الاحتلال الالماني وما جلبته تلك الانتصارات من إشعاعات ديمقراطية أقاموا في القسم الاذري جمهوريتهم المستقلة – جمهورية مهاباد – الا ان شاه ايران قام بسحق تلك الجمهورية والحق كامل الكرد الاذريين بامبراطوريته الفارسية.
كرد العراق بقيام ثورة تموز نالوا مكسباً هاماً وهو الاقرار في الدستور المؤقت بانهم شركاء في هذا الوطن، واخذوا يتمتعون بتلك البحبوحة من الديمقراطية التي اطلقتها ثورة الرابع عشر من تموز حالهم حال باقي مكونات الشعب العراقي.
الا ان انتكاسة الثورة منذ النصف الثاني للعام 1959 والقضم التدريجي لتلك الديمقراطية فتحت ابواب جهنم للشعب الكردي في العراق.
ووصل الامر حد تجهيز حملة عسكرية واسعة عام 1961 ضد الكرد شاركت فيها كافة الصنوف العسكرية باستثناء القوة البحرية واضطر الكرد لحمل السلاح للدفاع عن انفسهم.
الحزب الشيوعي العراقي الذي يؤمن بالاممية البروليتارية وحق تقرير المصير للشعوب صغيرها وكبيرها بما في ذلك اقامة دولهم المستقلة والذي ثبت ذلك في كافة وثائقه الحزبية منذ تأسيسه عام 1934 وقف ضد تلك الهجمة العسكرية على كردستان واوصل رأيه الى الزعيم منتقدا ذلك التصرف ومشيراً الى مدى خطورة تلك الحرب الظالمة على مستقبل العراق وعلى استقلاله السياسي وعلى مصير ثورة الرابع عشر من تموز التي كانت تواجه المؤامرات التي تقوم بها القوى الرجعية التي احتشدت تحت شعار يا اعداء الشيوعية اتحدوا، والتآمر المكشوف الذي كان يقوم به التجمع القومي في العراق بتحريض مكشوف تقوم به زعامة الدولة المصرية. وطالب الحزب بايقافها فوراً واعادة القوات الى معسكراتها الاصلية، واخذ ينظم الفعاليات المختلفة لدعم مطلبه ذاك، ومنها التظاهرات التي يشارك فيها الالوف من المواطنين والتي كانت تردد الاهزوجة المعروفة ((يا شعب طفي النيران – السلم في كردستان ))، وبسبب المشاركة في تلك التظاهرات دخل السجون والمعتقلات الالوف من مناضلي الحزب الشيوعي العراقي والديمقراطيين العراقيين، الامر الذي ادى الى العزلة القاتلة عن الشعب لحكومة ثورة تموز ولشخص الزعيم عبد الكريم قاسم. وهذا ما كانت تسعى اليه القوى المتآمرة عام 1962 وفي اجتماع للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي والذي كرس للقضية الكردية اقرت اللجنة الدراسة الموسعة عن القضية الكردية التي كان قد اعدها عضو المكتب السياسي للحزب الرفيق الشهيد جمال الحيدري. وقد ركز التقرير على ايمان الحزب بحق تقرير المصير للشعب الكردي بما في ذلك حقه في الانفصال واقامة دولته المستقلة. الا ان الحزب، اخذاً منه بنظر الاعتبار الظرف الاقليمي المحيط بالعراق، ارتأى ان الوقت لم يحن بعد لانفصال الاخوة الكرد عن العراق واقامة دولتهم المستقلة ،فاقترح حلا ديمقراطياً للقضية الكردية في العراق هي تمتعه بالحكم الذاتي ضمن الجمهورية العراقية.
وفي العام 1962 نفسه واحساساً من الزعيم بخطورة الوضع في العراق بسبب السياسة المنافية للديمقراطية التي سار عليها منذ النصف الثاني للعام 1959 اوقف القتال في كردستان، الا انه لم يسحب القوات ويعيدها الى معسكراتها الاصلية، وهو الخطأ القاتل الثاني، لان تلك القوات التي ارسلت الى كردستان كانت من اخلص القطعات للقضية الوطنية ولحكومة الثورة وللزعيم نفسه، وكان المسؤولون في مديرية الحركات العسكرية والذين ثبت فيما بعد انهم جزء من الثورة المضادة ومن انقلابيي الثامن من شباط 1963 المشؤوم، قد انتقوها بدقة وارسلوها الى كردستان وابقوها هناك كي لا تقف بوجه قواتهم المؤيدة لمخططهم التآمري وفي المقدمة منها قوات الدبابات المتواجدة في معسكر ابي غريب.
حاول الحزب في لحظات الانفراج النسبي في الوضع عام 1962 انقاذ الموقف والحيلولة دون نجاح مخطط المتآمرين على الثورة فاجرى اتصالاً مع الملا مصطفى البرزاني وعرض عليه التعاون سوية ومع باقي اطراف الحركة الوطنية للاستفادة من التراجع النسبي لدى الزعيم ودفعه الى التخلي عن نهجه في عسكرة الدولة وعن الفردية في ادارة الدولة وعن نهجه في معاداة الديمقراطية في البلد من اجل الحفاظ على الاستقلال الوطني واعادة الروح الى ثورة الرابع عشر من تموز، الا ان جهود الحزب تلك لم تفلح.
فقد اندمج حزب البعث مع سياسة ((الجبهة القومية)) واستدرجوا معهم الزعامة الكردية ايضاً وفجروا انقلاب الثامن من شباط المشؤوم الذي سلط الفاشية على الشعب العراقي واستمرت في السلطة لمدة اربعين عاماً كاملة.
القيادة الجديدة اعلنت ومن موقف التضليل للزعامة الكردية ولكسب الوقت لتعزيز سلطتها بانها تلتزم بـــ ((اللامركزية للأخوة الاكراد)) وشكلوا وفداً ضم المحامي الاستاذ حسين جميل للتوجه الى كردستان ومفاوضة الزعامة الكردية. وقد وصلت الى قيادة الحزب الشيوعي العراقي معلومات من ان الوفد الحكومي رهن تلبية مطالب الكرد باقدام الزعامة الكردية على اعتقال الشيوعيين الكرد والشيوعيين الذين التجأوا الى كردستان سواء كانوا مدنيين ام عسكريين، وقد رفض الملا مصطفى مطلبهم ذاك جملة وتفصيلاً. وما ان وصلنا الشهر السادس من العام 1963 حتى شنوا حربهم الظالمة ضد الشعب الكردي واستمروا في موقفهم المعادي للكرد حتى انقلاب الثامن عشر من تشرين الثاني الذي قاده ضدهم – أي ضد حزب البعث والحرس القومي – رئيس جمهوريتهم عبد السلام عارف بالتعاون مع بعض الاطراف من الحركة القومية.
ولم تمض غير فترة قليلة حتى استأنفوا القتال ضد الشعب الكردي الذي حمل السلاح من جديد للدفاع عن نفسه ومعلوم ان رفاق الحزب الشيوعي العراقي سواء كانوا من الكرد او من التجؤوا الى كردستان قد ساهموا مساهمة نشطة في ذلك القتال. حكومة عبد الرحمن البزاز التي شكلت اواخر عام 1965 وقعت اتفاقية هدنة مع الزعامة الكردية الا انها لم تحرك ساكناً تجاه تمتع الشعب الكردي بحقه في تقرير المصير باي شكل من الأشكال.
وانتهى حكم ال عارف في السابع عشر من تموز 1968. وقامت علاقة ايجابية بين الحكومة الجديدة وبين حزبنا استمرت خلال العامين 1968 – 1969 وفي اللقاءات التي كانت تتم بين ممثلي حزبنا وبين ممثليهم كان رفاقنا يطرحون موضوع ايجاد حل للقضية الكردية وكنا نطرح عليهم ايجاد منعطف في التعامل مع الشعب الكردي في العراق ومنحه حكماً ذاتياً داخل الدولة العراقية، لكنهم كانوا يماطلون ويراوغون. وفي احد اللقاءات معهم قالوا لممثل حزبنا في اللقاء انهم ((بامكانهم حل القضية الكردية خلال اسبوع واحد لكنهم لا يريدون هذا الحل ويريدون حلها على طريقتهم الخاصة)). وعندما سألهم عن الحل الذي يفكرون فيه اجابوا ((التنازل للشاه عن النصف من شط العرب فيسحب تأييده للملا مصطفى فتنتهي المشكلة الكردية)).
وعاودوا تجريب الحل العسكري ربيع عام 1969 وارسلوا قواتهم الى ربوع كردستان التي فشلت فشلاً ذريعاً فجاؤوا الى حزبنا يطلبون منه التدخل من اجل ايقاف القتال وتوقف فعلاً. وعدنا نضغط عليهم لحل المسألة حلاً سياسياً ديمقراطياً واعطاء الكرد الحكم الذاتي ضمن الجمهورية العراقية.
في تلك الفترة اخذت تسيطر على زعماء الحزب الحاكم حالة من الغرور واخذنا نحس بانهم اخذوا يتصورون انهم اقوياء وبامكانهم التصدي للمخاطر والسيطرة عليها.
اخذوا يعقدون الندوات التي كانوا يسمونها بـــ ((أنت تسأل والحزب يجيب)) وفيها كان يتحدث مسؤولوهم باحاديث باطلة عن الملا مصطفى البارزاني واتهامه بالخيانة واستخدام اقذع السباب بحقه وحق الكرد. وقد استمعت صدفة الى ما تحدث به عضو شعبة في الديوانية في احدى تلك الندوات حيث اكد ان الاوامر صدرت الى القوات المسلحة للبدء بالقتال. ولم يوقفوا تلك الاستعدادات ويفرض عليهم التراجع واللجوء الى حل سلمي للمشكلة غير الرفض القاطع للقتال الذي صدر من قطعات عسكرية متواجدة قرب مدينة كركوك التي اعلنت صراحة عن استعدادها لاقتحام بغداد واسقاط حكومة البعث وعدم مقاتلة الكرد مرة اخرى.
امام تلك الحالة شكلوا وفداً برآسة المقبور صدام كلف بالتوجه الى مقر الملا مصطفى للتوقيع معه على بيان الحادي عشر من آذار للعام 1970 والذي يقضي بمنح الشعب الكردي حكماً ذاتياً ضمن الجمهورية العراقية ، وقد تلى البكر البيان بنفسه.
كنا كحزب نعرف تفاصيل تلك الظروف وذلك الموقف، وعلى ضوء ذلك ومع ترحيبنا بالاقدام على تلك الخطوة خشينا في حينه ان يتنصلوا من ذلك الحل في وقت لاحق. لذا عمل الحزب بكل ما يملك من إمكانيات من اجل تفعيل البيان ووضعه موضع التطبيق العملي، ولم يتحقق هذا الا بعد ان تم التوقيع على ميثاق الجبهة في تموز 1973. اذ شكل مجلس تشريعي خاص بمنطقة الحكم الذاتي اشترك الحزب فيه بعدد من الرفيقات والرفاق وانبثق عنه مجلس تنفيذي – وزارة – اشترك الحزب فيه برفيقين : عادل سليم واحمد حامد قادر، وقد حل الرفيق شيروان علي امين محل الرفيق عادل سليم بسبب وفاته. ولم يشترك الاخوة في الحزب الديمقراطي الكردستاني بمؤسسات الحكم الذاتي، وقد بذل الحزب كل ما يستطيع من جهود لحملهم على الالتحاق بها الا ان جهوده تلك لم تحقق النتيجة المطلوبة. اذ اصر الاخوة في الحزب الديمقراطي الكردستاني على المقاطعة التي تطورت لاحقاً الى القتال الذي استمر لعامين كاملين ولم يتوقف ذلك القتال الا بعد ان وقع المقبور صدام اتفاقية الجزائر مع شاه ايران والتي تنازل له فيها عن نصف من شط العرب ومائة كيلو متر مربع من الاراضي البرية في المنطقة التي تحادد محافظتي واسط وديالى.
في تلك الايام اعلن الملا مصطفى احالة نفسه على التقاعد السياسي وغادر العراق. وفوجئنا بانهيار ذلك البنيان انهياراً كارثياً استثمره المقبور صدام ابشع استثمار. اذ اصر على ترحيل الكرد الى الوسط والجنوب بهدف اجراء تغييرات ديموغرافية هنا وهناك، واخذ يتعامل مع الكرد بطريقة مهينه للكرامة ومذلة وكأنهم اسرى اجانب وليسوا مكوناً هاماً من مكونات الشعب العراقي. كانوا ينقلون الكرد بسيارات الحمولة المكشوفة بالمئات والألوف حتى تجاوز العدد المائة وعشرين الفاً. ولم يعد ممكناً السكوت فتوجه الرفيق عزيز محمد الى مقر المقبور صدام وتحدث معه بصراحة عن عدم رضانا عما يدور وطالبه باعادة الكرد المرحلين الى ديارهم.
في البدء راوغ صدام واستكثر العدد وادعى ان عدد المرحلين لا يتجاوز الاثني عشر الف، الا انه وامام اصرار الرفيق عزيز على ما طرحه بخصوص عدد المرحلين قام واجرى اتصالاً تلفونياً وعاد ليقر بان يعودوا الى ديارهم، وعادوا الى كردستان ولكن ليس الى دورهم وقراهم، بل الى قرى شيدت لغرض اسكانهم، وكانت تلك القرى اشبه بمعسكرات احتجاز وليست بالقرى العصرية.
وحان وقت انسحابنا من التحالف والتحول الى العمل السري وباشر رفاق الحزب في كردستان باقامة القواعد للبيشمركة الشيوعيين تمهيداً لخوض الكفاح المسلح ضد سلطة البعث الذي استمر عشر سنوات كاملة من العام 1979 حتى العام 1989 ومعلوم ما قامت به سلطة البعث تلك الفترة ضد الشعب الكردي من تأجيج للشوفينية ضد الكرد والمساعي الحثيثه للتغيير الديمغرافي في العديد من المدن والاقضية والنواحي وخصوصاً في مدينة كركوك، والقتال ضد البيشمركه وما اسماه بالانفال واحد والانفال اثنين والتي شكلت حرب ابادة ضد الشعب الكردي، حتى وصل به الامر حد استخدام الاسلحة الكيميائية ضد معسكرات البيشمركه وخصوصاً الشيوعيين، وكانت من اكبر جرائم النظام ضد الشعب الكردي جريمة ضرب حلبجة بالاسلحة الكيميائية. واخيراً حلت ساعة الاقتصاص من النظام – انتفاضة آذار الباسلة عام 1991 التي شكلت حداً تاريخياً تنتهي فيه مرحلة الحكم الذاتي كشكل من اشكال حق تقرير المصير للشعب الكردي والارتقاء الى مرحلة تشكيل الاقليم حيث اصبح للكرد برلمانهم الخاص وحكومتهم الخاصة ورئيس للاقليم وموازنتهم الخاصة ودستورهم وعلمهم الخاص بهم الذي يرفع جنباً الى جنب العلم العراقي، وهذا ما جرى الاقرار به في الدستور العراقي الذي اقر في العام 2005 واقرار الفدرالية للعراق الذي ينص على حق ثلاث محافظات متجاورة بتشكيل اقليم، وان العراق دولة اتحادية لها مكوناتها المتعددة : العرب، الكرد، التركمان، الارمن، الكلدان، الاشوريين، السريان، الايزيديين، والشبك.
وهكذا نرى ان الحزب كان دائماً مدافعاً اميناً عن الحقوق القومية للشعب الكردي في العراق باعتباره مكوناً اساسياً من مكونات الشعب العراقي انطلاقاً من ايمانه المطلق بحق تقرير المصير لكافة الشعوب صغيرها وكبيرها في ان تكون لها دولها المستقلة ونحن ننظر الى ان الشعب الكردي كشعب مجزأ في عدة دول هو اكبر شعب على نطاق الكرة الارضية وليس له دولته المستقلة.
كنا ننظر الى الحركة القومية الكردية باعتبارها ركناً هاماً من اركان الحركة الديمقراطية في العراق لها مساهمتها الكبيرة في نضال الشعب العراقي. لقد كان الكرد في العراق هم السباقون في الانتفاض ضد الاحتلال البريطاني للعراق الذي استمر حتى العام 1921 تبعتها انتفاضة النجف بقيادة الكادح الحاج نجم البقال واخيراً انتفاضة الفرات الاوسط التي انطلقت شرارتها من الرميثة في الثلاثين من حزيران عام 1920.
وفي الوقت الذي وقفنا ضد شوفينية القومية الاكبر وقفنا ايضاً ضد التعصب القومي الذي برز لدى بعض الاخوة الكرد كرد فعل ضد التعامل معهم بتعال وحرمانهم من حقوقهم الديمقراطية والثقافية وغيرها. كنا نسعى الى توطيد اللحمة الكفاحية للشعبين العربي والكردي واحلال التآخي القومي في العراق ذلك التآخي الذي جسدته احسن تجسيد اغنية المطرب احمد الخليل ((هربشي كرد و عرب رمز النضال)).
لقد وقفنا ضد اضطهاد الكرد في العراق ومن اجل نيل حقهم في تقرير المصير ووقفنا ايضاً ضد النزعات الانفصالية التي تبرز لدى هذا الزعيم الكردي او ذاك باعتبارها نزعات ضارة للشعب الكردي في العراق ولعموم الشعب العراقي ولا تأخذ بالحسبان تعقيدات الوضع الدولي والاقليمي والمحلي. وقد وقفنا دائماً ضد اية محاولة لإذلال الشعب الكردي، فأي اذلال يصيب الاخوة الكرد هو اذلال للشعب العراقي ككل.
والسؤال هو: هل وقف نظام من الانظمة المتعاقبة على العراق منذ نيل الاستقلال وقيام الحكم الوطني في العراق عام 1921 حتى سقوط نظام صدام حسين عام 2003 موقفاً ديمقراطياً حقيقياً من الحقوق القومية للشعب الكردي في العراق؟ الم يوغلوا جميعاً بدماء الشعب الكردي؟ لقد وصل الامر بنظام صدام حسين حد سبي صبايا كرديات في انفاله السيئة الصيت وبيعهن في سوق النخاسة الدولية اللواتي لم يعرف مصيرهن لحد اللحظة الحاضرة.
وقد كرر ابو بكر البغدادي بعد سيطرة ازلامه على الموصل وسنجار نفس الموقف مع الشعب الكردي عندما امر بسبي الايزيديات، والايزيديين هم فئة من الشعب الكردي، وبيعهن في سوق النخاسة الدولية.
لقد نص الدستور العراقي في المادة 140 على حل المشاكل العالقة مع حكومة ، ومن الضروري الآن كحل للنزاع الجديد الذي اثاره الاستفتاء العودة الى الدستور والدخول في حوار جاد من اجل حل المشاكل العالقة ضماناً لوحدة نضال الشعب العراقي واحلال التآخي القومي في العراق بدلاً من الاحتراب، وحذار حذار من محاولة اذلال الشعب الكردي فان أي اذلال للاخوة الكرد هو اذلال للشعب العراقي بكامله.