المنبرالحر

كنيسة سيدة النجاة لا زال ناقوسها يُقرع / د.علي الخالدي

تمر علينا في الحادي والثلاثين من تشرين اﻷول ذكرى جريمة شنعاء , هزت كل الضمائر الحية التي تحرس على التعايش السلمي , في مجتمعنا العراقي المغلوب على أمرة , ففي وضح النهار خططت قوى إسلامية حاقدة ,من فلول القاعدة جريمتها الشنعاء , بقتل وسفك دماء أبناء شعبنا , مع سبق اﻷصرار الَمُوَقَتْ مع دعوات المصلين الى الرب , وابتهالاتهم اليه , ليحفظ العراق ويصون شعبه من أي مكروه , داعين الى المحبة والتآخي بين طوائفه وافراده , والغفران لمن أخطأ وأساء اليهم . وفي خضم التعايش الروحي مع المخلص ومُكًفر الخطايا , نفذ المتشددون اﻹسلاميون , من السلفيين وشراذم القاعدة , حملة إبادة جماعية لجميع من كان في الكنسية , في لقاء روحاني مع الرب , غير مُفَريقين بين نساء وأطفال , ورجال دين , معبرين بذلك عن حقدهم الدفين الذي يزداد إستعارا يوما عن يوم , في ظل إنفلات أمني لم تسلم منه بقية الطوائف
بعد سقوط النظام كَثُرت الاعمال الارهابية التي طالت ابناء شعبنا , في اماكن عباداتهم . وتواصل منذ ذلك الحين مسلسل إضطهاد معتنقي الديانة المسيحية والصابئة واليزيديين ,ومحاربتهم بأرزاقهم , بل لم يمر يوم إلا ونسمع تصفية جسدية لمجموعة , أو لأحد من معتنقي تلك الديانات المزينة والمجملة لنسيج المجتمع العراقي , منذ تكوينه وصيرورته على أرض الرافدين . فالواقع الخطر الذي تولد بعد الهجوم اﻷجرامي على كنيسة سيدة النجاة , تبعه تهديد متواصل له, على الشجب واﻷستنكار اللفظي من ضفتي الصراع الطائفي في العراق , والذي أدمى قرائحنا ووسع من مآسينا , وتواصله أبعد السلم اﻷجتماعي عن المجتمع , وفاقم من أزمة الديمقراطية اﻷجتماعية , ناهيكم ما تتعرض له الديمقراطية السياسية ممن يريد فرض أنماط غريبة عن واقع حياتنا اليومية
إن المهمة اﻷساسية التي تقع على عاتق حكام بلدان منطقة الشرق اﻷوسط اﻷسلامية , هو إيقاف العدوان المستمر على شعوبهم وبصورة خاصة في أماكن عباداتهم , ويبدوا واضحا إن إستهداف المسيحيين ينطوي على نزعة خطرة تستهدف إفراغ وادي الرافدين وبلدان المنطقة منهم , وهذا السلوك اﻷجرامي شكل واقعا لا يثير قلق , وإستياء جماهير شعبنا وقواه الوطنية والديمقراطية فحسب , بل العالم والمحافل الدولية , التي أعربت في حينه عن شجبها وإستنكارها لهذا القتل المتواصل , الذي لا توقفه الإدانة واﻷستنكار اللفظي , وإنما الخطوات العملية والقوانين الرادعه لكل من يتجرأ على ذلك , مع إجماع إفتائي من المراجع الدينية اﻹسلامية , بتحرم النشاط الميليشياوي و والطائفي في المنطقة
إن الذكرى الحزينة لهذه الجريمة النكراء , شكلت في هذا الظرف و المنعطف الخطير الذي يمر به العراق , ومنطقة الشرق اﻷوسط , أوضاعا , إتسمت بتصاعد نهج الهجمة اﻷخوانية والسلفية , والطائفية , لعرقلة تطور شعوب المنطقة إقتصاديا وسياسيا وإجتماعيا , وبالتالي ضمان مخطط سلسلة الحلقات التآمرية , التي تستهدف تخريب هيكيلية النسيج اﻷجتماعي لمجتمعات هذه البلدان , وسلمها الوطني , الذي لعب المسيحيون دورا رياديا في تقويم دعائمهما , عبر البناء الحضاري , الذي يتعرض اليوم الى التخريب والتشويه على أيدي المتشددين اﻹسلاميين . وهذه الجرائم لا تستهدف أفرادا بل مجموع محبي التحضر والديمقراطية , وتستهدف نشر براقع تحجب حقيقة تواصل إستهداف المسيحيين في العراق ومصر وسوريا , وبقية البلدان التي تستنكر تواجد أناس يدينوا بغير اﻹسلام , كما أن دساتيرها لا تشير , بأن هناك ديانات سماوية أخرى يدين بها الملايين في العالم تتعايش بسلام ومودة , وهذا لا تتم بمعزل عن نشاط , ومباركة من يدعوا الى إلغائها ( الديانات اﻷخرى ) من أجل المزيد من كسر اﻷستقرار في والمنطقة , وإثارة المزيد من المصادمات والمزيد من اﻷحتراب الداخلي , وصولا الى تحقيق مآربهم في شن هجوم مضاد لعرقلة تنفيذ البرامج التي يطرحها الآباء والقساوسة القاضية , بمطالبة , معتنقي الديانة المسيحية بالتشبث بأرض أﻷجداد , وبعودة من أضطر لترك الوطن بسببب التهديد بالقتل والحرمان . إن هذه اﻷمنية اﻷبوية لن تتحق مالم تبداء الحكومة بإلغاء كافة وسائل التمييز والتهميش الذي لحق بمعتنقي الديانة المسيحية على صعيد مساهمة القواعد في كل الفرص التي تمنح للناس , و بدون إنتقائية , وأن تحسب مساهماتهم في النضال الوطني التقدمي والبناء الحضاري لوطنهم.
إن تجديد أﻷستنكار لهذه الجريمة البشعة , والعزاء لعوائل الضحايا , إنما يؤكد حقيقة قطع الطريق أمام تنفيذ أية عملية مشابهة في المستقبل , تأخذ من مواقع الديانة المسيحية والديانات اﻷخرى في المجتمع , كما أنها تضع مستلزمات التصدي ﻷي نمط لا تختاره مكونات نسيج المجتمع العراقي , يتعارض مع مساعي بناء عراق ديمقراطي مدني فدرالي موحد.
لتبقى نواقيس كنائسنا , بنعمة الرب تُقرع.