المنبرالحر

تزوير وتزوير مبطّن للإنتخابات / د. يوسف شيت

خلال الانتخابات البرلمانية العراقية الثلاثة التي جرت في كانون الثاني 2005 وكانون أول 2005 وآذار 2010 تعرّفنا على الكثير من أساليب التزوير . كان أخطر تزوير, هو ما شهدته الانتخابات الاخيرة , لما اكتسبته القوائم الفائزة من خبرة في هذا المجال الذي يشوّه ديمقراطية الانتخابات وبالتالي عمل البرلمان والحكومة . حتى أنّ المفوضيّة العليا المستقلّة للانتخابات أرادت إلغاء هذه الانتخابات لبشاعة التزوير , خاصة أثناء عملية فرز الأصوات , لولا تدّخل الأمم المتحدة التي أخذت تكيل المديح لهذه الانتخابات , باعتبارها جرت "بنزاهة وشفافية" !!! ولكن ما يهمّ الأمم المتحدة هو قبول الكتل الفائزة بالنتيجة , بغض النظر عن رأي العراقيين بما جرى من تزوير لا يمتّ بصلة إلى صوت الناخب. قد يتصوّر القارئ الكريم بأننا نستبق الانتخابات القادمة التي تمّ تحديد موعدها يوم 30 نيسان 2014 , ولكن ,مع ذلك , نحذّر الناخب العراقي من تزويرها وبضرورة الحفاظ على صوته وعدم اهماله أو سرقته من قبل الآخرين . نقصد بالتزوير المبطّن , ذلك الذي يحدث كلّ يوم داخل مجلس النوّاب وهو استلاب رأي النائب الذي أتت به , كما يقولون , صناديق الاقتراع والتي تحدّى الناخب العراقي خطورة الأوضاع الأمنية ليضع صوته فيها , آمِلاً الخير لناسه ووطنه. من خلال أحاديث النوّاب على الفضائيات ومواقع شبكة الانترنيت والصحف أو ما يتسرّب من وثائق , نرى أنّ للفساد والإرهاب وجها آخر مرتبط بتوجّه النائب وآرائه في العمل البرلماني . نسمع بين فترة وأخرى باستجواب وزير ما, أو مدير عام أو رئيس مكتب لأحد قادة الدولة بسبب اخفاقه وفشله في أداء عمله أو بتهمة الفساد ( وما أكثرها), بعد أن يتمّ جمع العدد المطلوب من تواقيع النوّاب المتحمّسين للإستجواب وتقديمها إلى رئاسة البرلمان , التي بدورها تحدد يوم الاستجواب . إلاّ أنّ الشخص لم يحضر , مدّعيا استجوابه من باب الإسقاط السياسي وخرقا للدستور ! أو أنّ الكتلة التي ينتمي إليها هذا الشخص تدّعي تزوير التواقيع, أو أن النائب "الفلاني" سحب توقيعه . مقابل ذلك يتّهم دعاة الاستجواب بدفع رشوة مقابل سحب النائب لتوقيعه أو مدّعيا بتزويره, أو تهديده إذا لم يسحب توقيعه ! وأخيرا يتملّص ذلك الشخص من الاستجواب ليستمر في أدائه الفاشل . أيها القارئ أو المستمع الكريم من تصدّق؟؟؟ أنا ,مثلا, أصدّق كلا المتخاصمين ! بعد أن رفض وزير الرياضة دعوة استجوابه من قبل البرلمان , أمرته الكتلة المنتمي إليها بحضور جلسة الاستجواب . وبعد سين وجيم لسيادة الوزير صوّت الأغلبية لصالحه, وتعالت أصوات الهلاهل والهتافات داخل قبة البرلمان وكأنه تمّ دحر العدو (شرّ البليّة مايضحك) . من الجانب الآخر الذي وقع في فخّ الاستجواب تعالت أصواته بتوجيه الاتهامات بدفع رشاوي وشراء الأصوات لاسقاط التهم على الوزير , كما يحدث في سوق شراء وبيع أصوات الناخبين قبل الانتخابات . من تصدّق؟؟؟ كذلك أصدّق كلا المتخاصمين ! كما نسمع ونشاهد بعض النوّاب بأنه تتمّ محاربة من يسعى إلى كشف المفسدين . ولكن لا غرابة في ذلك ! قبل أيّام اتّهمت نائبة أحد النوّاب بتزوير وثيقة للحصول على مبلغ للعلاج , فاستهجن النائب التهمة , ووجّه إليها بدوره تهمة بيع وثائق لجنة النزاهة البرلمانية التي هي رئيستها , وبدورها ردّت , بأنها ليست من الذين يبيعون ويشترون الملفّات ! من تصدّق ؟؟؟ وهنا احترت وتوقفت عن ذكر أمثلة أخرى من هذا القبيل للإدلاء بأمثلة من نوع آخر .
على شاشة البغدادية ,وفي برنامج " قضية رأي عام", ظهرت نائبة متأنقة بحجابها , ومعها محللان سياسيان . مما أثارته السيدة في حديثها, هو توجيه انتقاد لحجابها وملابسها من قبل بعض النائبات المحجبات اللاتي يرتدين العباءات والقفازات السود . وتقول: "إذا يتدخل مسؤول الكتلة فيما يرتديه النائب , فكيف يستطيع هذا النائب أن يصرّح بأفكاره وبحريّة ! وأكثر من ذلك تقول السيدة , بأنّ المرشح للإنتخابات , تطلب منه الكتلة التي يريد الانضواء تحتها أن يوقع على تعهّد بأن لا يحيد عن تعليمات قيادة كتلته . وهذا أخطر قمع فكري داخل البرلمان . وهنا ردّ أحد المشاركين , بأنّه : ما قيمة الشهادة العلمية التي يفرضها القانون على النائب إذا يخاف من الإدلاء برأيه ! لذلك نرى بأنّ سياسة الدولة تدار من قبل رؤساء الكتل فقط . أما النوّاب والوزراء فينتظرون ما يملى عليهم , والأقوى من رؤساء الكتل يحصل على أكثر ما يمكنه من الامتيازات له ولعائلته ولحزبه ومريديه . كما أنّ رؤساء الكتل يرفضون التصويت الالكتروني الحضاري على القوانين والمقترحات ويفرضون التصويت برفع الأيدي لمراقبة من من نوّاب كتلته صوّت بعكسه وخرج عن إرادته ! إنّ الإكراه الفكري والسياسي يمنعه الدستور ( المادة 37و ثانيا) .
وما أثاره السيد المالكي حول شراء منصب رئيس الوزراء ب 250 مليون دولار , ليس خطر فقط , لكنه قمّة التزوير والفساد التي لم يصلها أي نظام آخر في العالم . إذا دخلنا في حساب بسيط , نستطيع القول بأنّ أية كتلة تستطيع شراء 50 صوت لتضمّه إلى كتلتها حتى يفوز رئيس الكتلة بمنصب رئيس الوزراء , بهذا يكون سعر الصوت الواحد نصف مليون دولار , أو ربع مليون دولار في حالة شراء 100 صوت . هل تصدّق بهذا أيها القارئ الكريم ؟؟؟ نعم أنا أصدّق , لأنّ المبالغ التي تدخل إلى المكاتب الثلاث لمجلس الوزراء والتي سمعتها وشاهدتها على شاشات التلفزيون وبوثائق من لجنة النزاهة والرقابة المالية هي خيالية والكثير منها مجهولة وجهة صرفها , أي أنّها مبالغ تُسيِّل اللعاب , والمبلغ الذي تحدّث عنه المالكي لاشئ مقارنة بمصروفات مكاتبه الثلاث.
إذا يرضى النائب برشوة أو ينصاع لتهديد ما واضعا مصلحته فوق كلّ شئ , فكيف له أن يلبي ما وعد الناخبين به. احترموا أيها النوّاب اليمين الدستورية ولا تحنثوا بها وكونوا أمناءا لمصداقية الناخب , لا لأنّه انتخبكم , بل لأنّه خاطر بحياته يوم الانتخابات ليضع صوته في صناديق الاقتراع اعتقادا منه بأن البرلمان والحكومة المنبثقة منه ستحقق طموحه في الأمان والسلام والحرية والعمل والضمان الصحي والدراسة ( المواد 15 والمواد 22 – 34 من الدستور) . فإذا كان الناخب غير الواعي يبيع صوته فقط, فإنّ النائب يخيّب آمال 37000 ناخب (حسب المعدل الوطني لانتخابات 2010) أو 100000 مواطن عراقي حسب المادة 49 من الدستور . السباق بين النوّاب ليس بتبادل التهم أو تفنيدها, بل السباق من يقدّم الأفضل للمواطن الذي يحمل على عاتقه مهام بناء وتقدّم الوطن .