المنبرالحر

سني التقاعد وثقلها الإنتخابي - 4 / د.علي الخالدي

تولي الحكومات التي تهتم بتطبيق لوائح حقوق الإنسان , إهتماما خاصا وكبيرا بحقوق شريحتين من مكونات مجتمعاتها , الأولى هي شريحة الاطفال باعتبارهم من سيواصل البناء التطوري للمجتمع على كافة الأصعدة , لذا تعمل على كل ما من شأنه أن يرفع من مستوى رعايتهم منذ الولادة , فتشملهم بالرعاية الصحية و الإجتماعية, وتفتح سبل التعليم أمامهم وتصون حقوقهم , وترعاها, وتجعل من الإشراف على حسن تطبيقها من أوليات مهامها . والشريحة الثانية هي شريحة المتقاعدين باعتبارهم من خلق القيم المادية لبناء البلد وعملت على تنشأت, الكوادر من شغيلة اليد والفكر , وبهذا ترجع عملية تطور البلد لجهودهم , وكل ما يقدم لهم من امتيازات خلال أواخر سنين حياتهم لا يشكل منة من الحكومة , وإنما هو التزام , و استحقاق وطني , واجتماعي ليتمتعوا بخريف عمرهم . في جو من الاطمئنان .
في بلادي ,كلا الشريحتين مغلوب على أمرها , فالطفولة وقوانين حمايتها قد وضعت على الرف , وكأن أمر رعايتهم ليس من مهام النظام , فنراهم يتسربون من مقاعد الدراسة , بغية توفير رغيف خبز نظيف لعوائلهم , لغياب المعيل . يزاحمون أخوتهم الكبار حتى في العمل الذي هو فوق قدرتهم البدنية في سوق العمل , ومما يثير سخرية الأقدار أن العراق ,ذا الثروة النفطية , التي يُحسد عليها , يتسابق أطفال عوائله الفقيرة على أكداس النفايات , للبحث عن ما يستطيعون بيعه , لسد حاجات عوائلهم , ولا يُطالون نفايات سكنة المنطقة الخضراء , حيث ترمى في أماكن لا يستطيعون الوصول اليها , إما خوفا من الحسد أو إخفاء بحبوحة معيشتهم عن عامة الناس
كم تألمت, عندما شاهدت صور متقاعدين , في جريدة طريق الشعب الغراء ينتظرون من ينصفهم , في ايام الصيف الحار , بوجوه تحكي ثقل معاناتهم , وحصاد متاعب سنين العمر في ظروف القمع والإرهاب وحروب الدكتاتورية العبثية , زادتها وضوحا , سرقة فرحتهم بما بُشروا به من غد مشرق بعد سقوط الصنم ,و ضياع مناشداتهم في دهاليز البرلمان الذي انتخبوا أعضاءه , ولم يلتفت لمعاناتهم . كأن هاتين الشريحتين الأطفال والمتقاعدين , كتبا عليهما شأن كل فقراء الشعب من أبناء الخايبة أن يخضعا لإنكار الحقوق والتمييز والإنتقائية في التعامل وإياهم , من قبل أصحاب الشأن ,الذين سارعوا الى اصدار القوانين التي تضمن لهم , تقاعد لا يستند على عرف قانوني مبني على أساس سني خدمة الوطن فضمنوا بذلك تواصل حياتهم المرفهة. ( أعتقد لا يوجد في دول العالم عضو برلمان أو وزير يتقاضى تقاعد كما يتقاضى أمثالهم في العراق ) , وأشك أنهم دفعوا ضريبة على مرتباتهم كما تفعل دول العالم , ومع هذا يعمدوا على حجب النور عن قانون التقاعد , وقانون مجلس الخدمة

كما يحز في نفسي أن أر المتقاعدين في وطني لا يدركون ثقل وزنهم الإنتخابي , فالقسم الأكبر منهم يطيع بشكل أعمى أجندات الأحزاب الطائفية في الإنتخابات , بينما في الدول التي تلتزم بلوائح حقوق الإنسان تتودد الاحزاب اليهم , لما لهم من ثقل و حسم في فوز هذا الحزب أو ذاك في الإنتخابات , فأصواتهم يمنحوها للحزب الذي يقترب برنامجه من ضمان رعاية مصالحهم , ومن هذا المنطلق تتسابق الأحزاب بما في ذلك الحزبين المتنافسين على السلطة في أمريكا , والدول الأوروبية للتقرب منهم بوضع ضمان وصيانة مصالحهم , وتوفير ظروف معاشية مريحة ليكملوا خريف عمرهم بطمأنينة وإستقرار , في أوليات برامجهم الإنتخابية . ففي المجر من يتحرش بحقوقهم المكتسبة في العهد الأشتراكي يعرض حزبه لفقدان أصواتهم ,كالتنقل المجاني بالمواصلات , في المدينة , وبين المدن, ولهم تخفيضات كبيرة لدخول المسارح ودور العرض , والمصايف , و أوليات في دور النقاهة وغيرها من المكاسب , التي حظوا بها في العهد الأشتراكي , وأي حزب يحاول التعرض لها يخسر أصواتهم , وهذا ما جناه على نفسة مشوه الإشتراكية (الحزب الأشتراكي المجري ), عندما أراد تقليص تلك المكتسبات في برنامجه الإنتخابي , بينما وضع الفيدس )حزب اليمين الوسط( , زيادة مرتباتهم وتطوير ما يقدم لهم من خدمات في أوليات برنامجه الإنتخابي , فحصد أكثر من ثلثي أعضاء البرلمان. وحاليا تتردد ألأحزاب الحاكمة في الدول الأوربية في رفع سن التقاعد الى السبعين , خوفا من أن أصواتهم ستنتقل الى الأحزاب المعارضة , وهم لا يخضعون للتهديد كالعمال في الطرد من العمل أو المعاملة في التمييز بالرواتب . عند المطالبة بحقوقهم , و لا يخسروا سوى ما يراد التعرض لهم من قوانين مجحفة تهدد مستوى معيشتهم . فمتى يعي متقاعدونا, أهمية ثقل قوتهم الصوتية في الإنتخابات في العراق , ويعملوا على تشكيل قوة مؤثرة فيها , عبر تنظيم قواهم , لتكون عامل تغيير لواقعهم المرير , وينتخبوا من يحرص على أن يقضوا خريف عمرهم بطمأنينة وإستقرار مادي ونفسي؟ ,
فالمتقاعد في الدول التي تحترم حقوق الإنسان لا يركض وراء معاملته , تنجزها دائرته التي عمل فيها , و يرسل مرتبه من مؤسسة التقاعد بانتظام لحسابه في البنك , مهما كان موقعه, ويتصاعد المرتب كلما أرتفعت الأسعار وزاد التضخم وكأن المتقاعد موظف مستمر في الخدمة.

يتبع