المنبرالحر

الآن.. أين الحُر وأين الشمر؟ / ابراهيم الخياط

الحرب الشعبية تـُعرفها الموسوعات أنها استراتيجية عسكرية وضع أساسها الزعيم الصيني «ماو تسي تونغ» وتعتمد على إنشاء سياج جماهيري للمجموعات المسلحة الثورية، وبها أسس «ماو» الصين الشعبية.
وفي ثمالة الستينات توجه ياسر عرفات للصين وأنبأ «ماو» أن هدف الزيارة هو الاستفادة من التجربة الصينية، فأجابه «ماو»: (طيب.. ولكن أيضا عندكم تجربة ثورية وانسانية فذة قائدها الحسين)، وبديهي، لو صحت الرواية، فـ «ماو» يؤشر على أهمية الايمان والصبر الثوريين كما يؤكد على انتباذ العمل المنظم حتى مع القلة القليلة عددا والتي هي كبيرة بمبدئيتها.
ومن تجربة الطف الثورية سأختار اثنين هما نقيضان، أولهما الحر الرياحي وهو أحد وجوه العرب وشجعانها، أرسله والي الكوفة عبيدالله بن زياد مع ألف فارس؛ لصدّ الإمام الحسين من الدخول إلى الكوفة.
سار بجيشه ونفذ المهمّة، ولما عرض عليه الحسين كتب أهل الكوفة التي يطلبون فيها منه المجيء إليهم، أجابه الحر: (إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك)، ثمّ لازم ركبه، وأخذ يسايره حتى أنزله منطقة كربلاء.
وهنا لمّا رأى الحر إصرار القوم على قتال الحسين بدأ يفكر في أمره ولم يطل به التفكير حتى ضرب فرسه ولحق بالحسين، ووقف بين يديه معلناً توبته.
ثم خاطب معسكره (السابق) معاتبا ومؤنبا ومقرعا ومعيبا عليهم أن (منعتموه ومن معه عن ماء الفرات الجاري الذي تشربه وتتمرّغ فيه كلاب السواد، وها هو وأهله قد صرعهم العطش).
فما كان منه الا أن استأذن وحمل على جيش عمر بن سعد مرتجزا، فأحاطوا به وأردوه قتيلاً، فأتاه الحسين، ودمه يشخب، فقال له: (بخٍ بخٍ يا حرّ، أنت حرّ كما سمّتك أمك).
ونقيضه تماما في اللون والطعم والرائحة هو شمر بن ذي الجوشن، الذي بايع الامام علي بن أبي طالب وشارك إلى جانبه في معركة صفين لكنه اصطف مع قائمة الخوارج ثم تركهم ودخل كتلة بني أمية فذبح الامام الحسين.
والآن، في دوراتنا البرلمانية وكابيناتنا الوزارية رأينا ونرى عددا وفيرا ممن يؤدي باجادة دور الشمر بترك الناس والعهد والتاريخ والمبادىء، وبالوقوف ضد الاحتجاجات، وبالتشنيع على التظاهرات، وبالتصويت ضد التموينية، وبشفط الاصوات الانتخابية، وبنسيان ثم نبذ العدالة والحق والجمال، وبالبكاء المرّ على (الهريسة).
ولكن الحُرّ كان وبقي فردا كالسيف ويخشى الصقور والحمائم من اداء دوره الصعب، الصعب جدا، وأظنه هو الذي كان يجول في مخيلة «ماو» يومذاك، كما جال نقيضه في مخيال الشاعر السماوي:
والعطش ذاك العطش.. محد شتل عالمشرعة اجدامه
والشمر ذاك الشمر..... لساع ايحدّ اسيوف بالهامه